في إجابتكم على السؤال رقم (111382) قلتم في نهاية الجواب مايلي: " ولعل هذا هو السبب الذي جعل عمر رضي الله عنه لا يكتبها في المصحف؛ لأنها لما نسخت تلاوتها لم تَعُدْ من القرآن فلا يجوز أن تكتب فيه: ولي سؤالان. الأول : هل من المعقول أن عمر بن الخطاب لا يعلم أن هذه الآية نسخت تلاوتها مع بقاء حكمها؟ ثانيا : الحديث ومن ضمنه يقول عمر : "وايمُ اللَّهِ لولا أن يقولَ النَّاسُ زادَ عمرُ في كتابِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ لَكَتبتُها" إذن عمر أراد كتابتها لولا خوفه من أن يقال زاد عمر في كتاب الله .
الجواب عن شبهة أن عمر أراد تحريف القرآن وقوله: لولا أن يقولَ النَّاسُ زادَ عمرُ في كتابِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ لَكَتبتُها
السؤال: 337254
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
قولنا في الجواب السابق: " ولعل هذا هو السبب الذي جعل عمر رضي الله عنه لا يكتبها في المصحف ، لأنها لما نسخت تلاوتها لم تَعُدْ من القرآن فلا يجوز أن تكتب فيه " :
لا نقصد منه أن عمر لا يعلم أن الآية منسوخة التلاوة، بل نحن نجزم أن عمر يعلم ذلك، ولهذا امتنع من كتابتها في المصحف، واعتبر ذلك زيادة على القرآن، لكن نحن قلنا: "ولعل" من باب التأدب في الكلام على أمر لم يصرح به صاحبه، فلم يقل عمر في خطبته تصريحا: إن الآية قد نسخت تلاوتها. وإن كان هذا مفهوما ضمنا، ولهذا لو كان يعتقد أنها غير منسوخة لسعى في إثباتها بالبحث عمن يشهد معه على كونها قرآنا غير منسوخ، كما فعل الصحابة مع غيرها .
ثانيا:
لا يملك عمر ولا من هو فوقه كأبي بكر أن يحرف شيئا من القرآن ، زيادة أو نقصا أو تغييرا؛ لأنه ليس في ديننا بابوية ، أو سلطة كهنوتية، فأصغر صحابي يستطيع الإنكار على عمر، فضلا عن كبار الصحابة ، كعلي وعثمان وطلحة والزبير وأبي عبيدة، وهؤلاء جميعا شهود حاضرون لكلام عمر.
أما قول عمر: " لولا أن يقولَ النَّاسُ زادَ عمرُ في كتابِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ لَكَتبتُها"، ففيه أمران:
1-أن هذا أسلوب يراد منه التأكيد، وأنه لن يزيد في كتاب الله، وليس المقصود منه أنه لولا خشية الناس لفعل.
ويؤكد هذا أن رواية الترمذي (1431) عن عمر قال: "رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَجَمَ أَبُو بَكْرٍ، وَرَجَمْتُ، وَلَوْلَا أَنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَزِيدَ فِي كِتَابِ اللَّهِ لَكَتَبْتُهُ فِي المُصْحَفِ، فَإِنِّي قَدْ خَشِيتُ أَنْ تَجِيءَ أَقْوَامٌ ، فَلَا يَجِدُونَهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ ، فَيَكْفُرُونَ بِهِ" وصححه الألباني.
2-أن عمر لم يرد كتابة الآية في صلب المصحف، وإنما لو كتبها لكتبها في الحاشية، لكن لم يفعل لأنها قد تلتبس على الناس فيدخلوها في الأصل.
وقد جاء هذا في رواية أحمد (156) : " وَلَوْلا أَنْ يَقُولَ قَائِلُونَ: زَادَ عُمَرُ فِي كِتَابِ اللهِ عز وجل مَا لَيْسَ مِنْهُ، لَكَتَبْتُهُ فِي نَاحِيَةٍ مِنَ الْمُصْحَفِ، شَهِدَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ – وَقَالَ هُشَيْمٌ مَرَّةً: وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَفُلانٌ وَفُلانٌ – أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَجَمَ وَرَجَمْنَا مِنْ بَعْدِهِ" وصححه أحمد شاكر في تحقيق المسند.
وفي "مرقاة المفاتيح" (6/ 2328): " لكتبتها على حاشية المصحف".
وظاهر هذه الرواية أن عمر لم يرد كتابة الآية في الحاشية (الناحية)، وإنما أراد كتابة تنبيه حولها، وهو قوله: "، شَهِدَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ – وَقَالَ هُشَيْمٌ مَرَّةً: وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَفُلانٌ وَفُلانٌ – أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَجَمَ وَرَجَمْنَا مِنْ بَعْدِهِ".
ويؤيده ما رواه أبو نعيم في "الحلية" (2/ 174) عن عمر قوله: "وَلَوْلَا أَنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَزِيدَ فِي الْقُرْآنِ لَكَتَبْتُ فِي آخِرِ وَرَقَةٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَجَمَ ، وَرَجَمَ أَبُو بَكْرٍ ، وَأَنَا رَجَمْتُ ".
فعمر رضي الله عنه إنما أراد كتابة تنبيه في حاشية المصحف في آخر ورقة، ولم يرد كتابة الآية المنسوخة، ومع ذلك لم يفعل، خشية أن يُزاد في كتاب الله ما ليس منه ؛ أو أن يقول الناس إنه زاد في القرآن، وهذا من توفيقه وإلهامه، فإن ما يكتب في الحاشية قد يمضي عليه زمن فيدخل في الأصل.
وقد بان بهذا أن عمر من أبعد الناس عن التحريف، وأحرصهم على بقاء كتاب الله نقيا محفوظا، مع أنه لو أراد التحريف لما تركه الصحابة كما قدمنا.
واعلم أن كتاب الله محفوظ، قد تكفل سبحانه بحفظه كما قال: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ الحجر/9
ولهذا ؛ لو أن رجلا أضاف إليه حرفا ، أو نقص منه حرفا، لوجدت آلافا من الحفاظ ينتبهون لتحريفه وينكرونه عليه.
وإنا لندعوك أن تقرأ القرآن ، وأن تنظر ما فيه من الدعوة إلى التوحيد، وعظيم الأعمال، وحميد الخصال، وما فيه من ترسيخ مباديء العدل، والحق، والإحسان، وما فيه من دقائق تتعلق بعلوم الفلك، والأجنة، غير ذلك مما لا يستطيعه البشر، ولا يمكن لرجل قبل أربعة عشر قرنا أن يأتي به بحال من الأحوال.
وينظر لللفائدة : جواب السؤال رقم : (13804)، ورقم : (147040).
ونسأل الله أن يشرح صدرك للحق، وأن يوفقك لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة