وفقا لبعض الأشخاص في "صحيح مسلم" أنّ عمر بن الخطاب ضرب أبو هريرة، واتّهمه بالكذب على النبي، وبحسب البعض في "صحيح مسلم" أنّ عائشة قالت : أنّ أبا هريرة كذاب كبير، يلفّق الأحاديث، وينسبها إلى النبي الكريم، أود أن أعرف إذا كانت هذه المزاعم حقيقية، أو لديها أيّ مصادر حقيقية ؟
هل اتهم عمر وعائشة أبا هريرة بالكذب؟
السؤال: 340133
Table Of Contents
أولا: لم يثبت أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد اتهم أبا هريرة بتعمد الكذب على رسول الله
لم يثبت أصلا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد اتهم أبا هريرة بتعمد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
بل كان عمر رضي الله عنه موثقا له ، بدليل أنه استعمله واليا ؛ فلو كان متهما عنده لما استعمله.
روى عبد الرزاق في "المصنف" (11 / 323) وغيره عَنِ ابْنِ سِيرِينَ:
" أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ اسْتَعْمَلَ أَبَا هُرَيرَةَ عَلَى الْبَحْرَيْنِ، فَقَدِمَ بَعَشَرَةِ آلاَفٍ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: اسْتَأْثَرْتَ بِهَذِهِ الأَمْوَالِ يَا عَدُوَّ اللهِ، وَعَدُوَّ كِتَابِهِ! قَالَ أَبو هُرَيرَةَ: لَسْتُ عَدُوَّ اللهِ، وَلاَ عَدُوَّ كِتَابِهِ، وَلَكِنِّي عَدُوُّ مَنْ عَادَاهُمَا.
قَالَ: فَمِنْ أَيْنَ هِيَ لَكَ؟
قَالَ: خَيْلٌ لِي تَنَاتَجَتْ، وَغَلَّةُ رَقِيقٍ لِي، وَأُعْطِيَةٌ تَتَابَعَتْ عَلَيَّ، فَنَظَرُوهُ، فَوَجَدُوهُ كَمَا قَال.
قَالَ: فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ، دَعَاهُ عُمَرُ لِيَسْتَعْمِلَهُ، فَأَبَى أَنْ يَعْمَلَ لَهُ، فَقَالَ: أتَكْرَهُ الْعَمَلَ، وَقَدْ طَلَبَ الْعَمَلَ مَنْ كَانَ خَيْرًا مِنْكَ ؛ يُوسُفُ؟ قَالَ: إِنَّ يُوسُفَ نَبِيٌّ ابْنُ نَبِيٍّ ابْنِ نَبِيٍّ، وَأَنَا أَبو هُرَيرَةَ ابْنُ أُمَيَّةَ، أَخْشَى ثَلاَثًا وَاثْنَيْنِ.
قَالَ لَهُ عُمَرُ: أَفَلاَ قُلْتَ: خَمْسًا؟
قَالَ: لاَ، أَخْشَى أَنْ أَقُولَ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَأَقْضِيَ بِغَيْرِ حُكْمٍ، وَيُضْرَبَ ظَهْرِي، وَيُنْتَزَعَ مَالِي، وَيُشْتَمَ عِرْضِي ".
فلو كان متهما له لما عرض عليه الإمارة مرة أخرى.
وكان يقبل حديثه، ولا يردّه، كمثل ما روى البخاري (5946) عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: " أُتِيَ عُمَرُ بِامْرَأَةٍ تَشِمُ، فَقَامَ فَقَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ، مَنْ سَمِعَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الوَشْمِ؟ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقُمْتُ فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ أَنَا سَمِعْتُ، قَالَ: مَا سَمِعْتَ؟ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لاَ تَشِمْنَّ وَلاَ تَسْتَوْشِمْنَّ .
وكما روى الإمام مسلم (2485) عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : " أَنَّ عُمَرَ، مَرَّ بِحَسَّانَ وَهُوَ يُنْشِدُ الشِّعْرَ فِي الْمَسْجِدِ، فَلَحَظَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: قَدْ كُنْتُ أُنْشِدُ، وَفِيهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَالَ: أَنْشُدُكَ اللهَ أَسَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: أَجِبْ عَنِّي، اللهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ؟ قَالَ: اللهُمَّ! نَعَمْ ".
وفي رواية له: عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: " أَنَّهُ سَمِعَ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيَّ، يَسْتَشْهِدُ أَبَا هُرَيْرَةَ: أَنْشُدُكَ اللهَ هَلْ سَمِعْتَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: يَا حَسَّانُ! أَجِبْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اللهُمَّ! أَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ؟
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: نَعَمْ ".
ثانيا: لم يثبت أن عائشة رضي الله عنها قد اتهمت أبا هريرة رضي الله عنه بتعمد الكذب.
وكذا لم يثبت أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قد اتهمت أبا هريرة رضي الله عنه بتعمد الكذب.
بل كان أبو هريرة رضي الله عنها يتعمد إسماعها لرواياته، وهذا ليس بتصرف الكاذب، بل تصرف من يثق بصدق حديثه وضبط مروياته.
عَنْ عُرْوَة بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: " أَلاَ يُعْجِبُكَ أَبُو فُلاَنٍ، جَاءَ فَجَلَسَ إِلَى جَانِبِ حُجْرَتِي، يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُسْمِعُنِي ذَلِكَ وَكُنْتُ أُسَبِّحُ، فَقَامَ قَبْلَ أَنْ أَقْضِيَ سُبْحَتِي، وَلَوْ أَدْرَكْتُهُ لَرَدَدْتُ عَلَيْهِ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَسْرُدُ الحَدِيثَ كَسَرْدِكُمْ ".
رواه البخاري (3568)، ومسلم (2493) وفي روايته: " أَلَا يُعْجِبُكَ أَبُو هُرَيْرَةَ …".
فعائشة رضي الله عنها لم تنكر عليه رواياته، وإنما أنكرت طريقة تحديثه، ورأت أن هذا مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم في الترتيل في الحديث وعدم الاسراع.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" قوله: ( ولو أدركته لرددت عليه )، أي: لأنكرت عليه وبينت له أن الترسُّلَ في التحديث ، وعدم العجلة فيه : أولى من السرد.
قوله: ( لم يكن يسرد الحديث كسردكم )، أي: يتابع الحديث استعجالا بعضه إثر بعض، لئلا يلتبس على المستمع، زاد الإسماعيلي من رواية ابن المبارك عن يونس: ( إنما كان حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلا فهما تفهمه القلوب )… " انتهى من"فتح الباري" (6 / 579).
وأما إنكار عائشة رضي الله عنها لبعض أحاديث أبي هريرة رضي الله عنه فهو اجتهاد منها، وهذه الأحاديث هناك من شاركه من الصحابة في روايتها، وقد أنكرت رضي الله عنها على جملة من أفاضل الصحابة، وقد جمع هذه الاستدراكات بدر الدين الزركشي في كتابه: "الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة".
ومن لطائف ما اتفق ، أنها رضي الله عنها حضرها أجلها وأبو هريرة أمير المدينة ، وهو الذي صلى عليها.
روى البخاري في "التاريخ الصغير" (1 / 128 – 129) عن نَافِعٍ: قَالَ: " صَلَّيْنَا عَلَى عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ ، وَالإِمَامُ أَبُو هُرَيْرَةَ يَوْمَ صَلَّيْنَا عَلَى عَائِشَةَ، وَحَضَرَ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بن عمر ".
ولمزيد الفائدة طالع جواب السؤال رقم : (129606).
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة