0 / 0

حول اتهام ابن خراش لحفص بن سليمان القارئ بالكذب والوضع

السؤال: 340336

هناك من يقول كيف تثقون بنقل أبي عمر حفص بن سليمان الأسدي الكوفي القارئ للقرآن، وقد كذبه ابن خراش، وقال عنه كذاب يضع الحديث؟ فإن كان يضع الحديث فكيف نثق بنقله للقرآن؟
وقد قرأت بحثا للدكتور عبد الله الشهري جزاه الله خيرا قدم فيه إجابة كافية لتضعيف يحيى بن معين رضي الله عنه لحفص القارئ، ووصفه بالكذب، ولكن لم أجد فيه ردا كافيا على قول ابن خراش عنه، أنه يضع الحديث، ودافع فيه عن ابن خراش، وضعف الدكتور الشهري الروايات التي تقول عن ابن خراش أنه ألف كتابين في مثالب الشيخين بأسلوب علمي، ورد على من قال إنه رافضي، وقال: إنه يستحيل أن يكون رافضيا، وقد ألف كتبا في الحديث، والرافضة يوجد عندهم علماء حديث زمن ابن خراش، وعنوان هذا البحث “حفص بن سليمان المقرئ ومروياته بين القبول والرد: نقاش علمي مع أ. د.غانم قدوري الحمد”، فهل نرد قول ابن خراش؛ لأنه انفرد بوصف حفص بالكذب ووضع الحديث ؟ وهناك من يقول : إن ابن خراش رافضي، وهناك من يقول بعكس هذا، والردود متضاربة، ولا أدري أي قول هو الصحيح، فآمل إن كان هناك كتاب يفصل في الرد على هذه الشبهة أن تكتبوا اسمه.

ملخص الجواب

الإمام حفص بن سليمان القارئ إمام ثبت في القراءة، وأما في الحديث فمتروك لا يقبل حديثه، أما اتهامه بالكذب بمعنى تعمده، فهذا باطل كما قدمنا. والعالم قد يكون قويا متينا في فن من فنون العلم، فيتقنه ويقبل قوله فيه، ثم هو نفسه لا يتقن علما آخر وتكثر فيه أوهامه فلا يقبل قوله فيه.

الجواب

أولا: بيان منزلة الإمام حفص في قراءة القرآن ومنزلته رواية في الحديث 

حفص بن سليمان الأسدي القارئ ، إمام ثبت في القراءة باتفاق أهل العلم .

وأما في الحديث وروايته فهو متروك الحديث ، حيث لم يكن الحديث من شأنه ولم يهتم به .

فأما كونه متروك الحديث ، فقد نصَّ على ذلك جمع من المحققين :

قال البخاري في “الضعفاء الصغير” (73) :” تركوه ” انتهى.

وقال الإمام أحمد في رواية عنه كما في “العلل” (2698) ، وأبو حاتم كما في “الجرح والتعديل” (3/173) ، ومسلم كما في “الكنى” (2164) ، والنسائي كما في “الضعفاء والمتروكين” (134)، :” متروك الحديث  “انتهى.

وقد رُوي عن الإمام أحمد أنه قال فيه مرة :” صالح ” ، ومرة قال :” وما كان بحفص بن سليمان المقرئ بأس ” . نقلهما عنه الخطيب في “تاريخ بغداد” (9/64) .

ومع تكلم أهل العلم في روايته للحديث وتركهم له، إلا أن ذلك لم يضعفه في القراءة، فربما يهتم العالم بفن ما، فيبرع فيه ويتقنه ، وهو مع ذلك قد لا يتقن فنا آخر، فتكثر فيه أوهامه، فيضعف فيه .

قال الخطيب البغدادي في “تاريخ بغداد” (9/64) :” وَهُوَ صاحب عاصم فِي القراءة وَابن امرأته، وَكَانَ ينزل معه فِي دار وَاحدة، فقرأ عَلَيْهِ القرآن مرارا، وَكَانَ المتقدمون يعدونه فِي الحفظ فوق أَبِي بكر بْن عَيَّاشٍ ، وَيصفونه بضبط الحرف الَّذِي قرأ به على عاصم ” انتهى.

قال الذهبي في “ميزان الاعتدال” (2121) :” وأقرأ الناس مدة ، وكان ثبتا في القراءة واهيا في الحديث ، لأنه كان لا يتقن الحديث ويتقن القرآن ويجوده ، وإلا فهو في نفسه صادق “. انتهى.

وقال الذهبي في “تاريخ الإسلام” (11/45) :” إِنَّمَا دَخَلَ عَلَيْهِ الداخل في الحديث لتهاونه به “. انتهى.

وقال ابن عبد الهادي في “الصارم المنكي” (ص63) :” حفص ابن سليمان أبو عمر الأسدي الكوفي القارئ الغاضري ؛ وهو صاحب عاصم بن أبي النجود في القراءة وابن امرأته، وكان مشهوراً بمعرفة القراءة ونقلها، وأما الحديث فإنه لم يكن من أهله، ولا ممن يعتمد عليه في نقله “. اهـ

وقال الخزرجي في “خلاصة تهذيب الكمال” (ص87) :” وَأما الْقِرَاءَة فَهُوَ فِيهَا ثَبت بِإِجْمَاع “. انتهى.

  وقال ابن حجر في “التقريب” (1405) :” متروك الحديث ، مع إمامته في القراءة “انتهى.


ثانيا: الرد على اتهام الإمام حفص بالكذب في الرواية

وأما اتهامه بالكذب فهذا نُقل عن ابن معين وابن خراش .

فأما ابن معين: فقد رويت عنه في حفص بن سليمان القارئ ثلاث روايات :

الأولى : أنه قال فيه :” ليس بثقة ” .

نقل هذه الرواية عنه الدارمي في “تاريخ ابن معين – رواية الدارمي” (269) ، وأبو قدامة السرخسي كما في “الجرح والتعديل” (3/173) .

الثانية : أنه قال فيه :” ليس بشيء “.

نقلها العقيلي في “الضعفاء” (335) ، فقال :” حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ السَّهْمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَضْرَمِيُّ قَالَ: سَأَلْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ عَنْ حَفْصِ بْنِ سُلَيْمَانَ أَبِي عُمَرَ الْبَزَّارِ؟ قَالَ: لَيْسَ بِشَيْءٍ ” انتهى.

الثالثة : اتهامه بالكذب .

نقلها عنه ابن محرز في “معرفة الرجال” (546) فقال :” سمعت يحيى يقول : قال لي أيوب بن المتوكل وكان من القراء البصراء ، قال : قراءة أبى عمر البزاز أثبت قراءة من أبى بكر بن عياش ، وأبو بكر أصدق منه ، قال يحيى: وأبو عمر هذا كذاب ” انتهى.

ونقلها ابن عدي في “الكامل” (3/268) ، فقال :” أخبرنا السَّاجِيُّ ، حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمد البغدادي ، قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيى بن مَعِين يقول كان حفص بن سليمان ، وأَبُو بكر بن عياش من أعلم الناس بقراءة عاصم وكان حفص أقرأ من أبي بكر وكان أبو بكر صدوقا، وكان حفص كذابا “انتهى.

والظاهر أن هذه رواية واحدة ، وراويها عن ابن معين شخص واحد ، حيث إن ابن محرز هو أحمد بن محمد البغدادي ، وهو ما رجحه الحافظ ابن حجر في أكثر من موضع في كتبه ، حيث ينقل عن الساجي عن شيخه أحمد بن محمد البغدادي ، ثم يقول :” وهو ابن محرز ” ، أو يقول ” يعني ابن محرز ” ، كما في “تهذيب التهذيب” (11/213) ، (9/326) ، (11/383) .

وابن محرز هو  أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن القاسم بْن محرز ، لم نقف بعد طول بحث على أحد من أهل العلم وثقه ، بل حكم عليه الخطيب بالجهالة .

قال الخطيب في “تاريخ بغداد” (2/7) :” قد ذكر بعض العلماء أن مالكا عابه جماعة من أهل العلم في زمانه ، بإطلاق لسانه في قوم معروفين بالصلاح والديانة والثقة والأمانة ، واحتج بما أَخْبَرَنِي البرقاني ، قَالَ: حَدَّثَنِي محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الملك الأدمي ، قَالَ: حدثنا محمد بن علي الإيادي ، قَالَ: حدثنا زكريا الساجي ، قَالَ: حَدَّثَنِي أحمد بن محمد البغدادي ، قَالَ: حدثنا إبراهيم بن المنذر ، قَالَ: حدثنا محمد بن فليح ، قَالَ: قَالَ لي مالك بن أنس: هشام بن عروة كذاب .

قَالَ أحمد بن محمد: فسألت يحيى بن معين ، فَقَالَ: عسى أراد في الكلام ، وأما في الحديث فهو ثقة ، وهو من الرواة عنه .

قال الخطيب معلقا: أما كلام مالك في ابن إسحاق فمشهور، غير خاف على أحد من أهل العلم بالحديث، وأما حكاية ابن فليح عنه في هشام بن عروة، فليست بالمحفوظة إلا من الوجه الذي ذكرناه ، وراويها عن إبراهيم بن المنذر، غير معروف عندنا ، فالله أعلم “انتهى.

وقد علق المعلمي اليماني على قول الخطيب ، فقال كما في “التنكيل” (1/197) :” وبغدادي لا يعرفه الخطيب، الذي صرف أكثر عمره في تتبع الرواة البغداديين: لا يكون إلا مجهولاً “. انتهى.

ومما يوهن هذه الرواية كذلك، ما رواه الخطيب البغدادي في “تاريخ بغداد” (9/64)، فقال: “أخبرنا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ الكاتب ، قال: أخبرنا مُحَمَّد بْن حميد المخرمي ، قال: حَدَّثَنَا علي بْن الْحُسَيْن بْن حبان ، قَالَ: وَجدت فِي كتاب أَبِي بخط يده ، قَالَ أَبُو زَكَرِيَّا يعني يَحْيَى بْن معين: زعم أيوب بْن متوكل ، قَالَ: أَبُو عُمَر البزاز أصح قراءةً من أَبِي بكر بْن عَيَّاشٍ ، وَأبو بكر أوثق من أَبِي عُمَر.

قَالَ أَبُو زَكَرِيَّا: وَكَانَ أيوب بْن متوكل بصريا من القراء ، سمعته يقول هذا “انتهى.

والملاحظ في هذه الرواية أن ابن معين لم يتهم فيها حفص بن سليمان بالكذب ، بل قال : أبو بكر أوثق من أبي عمر يعني حفص بن سليمان .

وسياق هذه الرواية قريب من سياق رواية ابن محرز، وراويها ثقة مشهور ، وهو الحسين بن حبان، ترجم له الخطيب في “تاريخ بغداد” (8/564) ، فقال :” صاحب يَحْيَى بن معين كَانَ من أهل الفضل، والتقدم فِي العلم، وله عَنْ يَحْيَى كتاب غزير الفائدة، روى ابنه عَلِيّ بن الْحُسَيْن ذلك الكتاب عَنْ أَبِيهِ وجادة ” انتهى.

وعلى ذلك ؛ فالأرجح أن تقدم رواية الدارمي – وهو ثقة – على رواية غيره ، وأن الثابت عن يحي بن معين أنه حكم عليه بالترك في الرواية ، وأما تهامه إياه بالكذب: فلم يرو من وجه ثَبت، تقوم به الحجة.

وأما ابن خراش ، فهو عبد الرحمن بن يوسف بن خراش ، وقد روي عنه اتهامه لحفص بن غياث بالكذب والوضع ، إلا أن ذلك مردود من جهتين :

الأولى : أن الرواية عنه بذلك فيها نظر ، إذ فيها مجهول .

فقد روى ذلك عنه بسنده الخطيب البغدادي في “تاريخ بغداد” (9/64) ، فقال:”  أخبرنا علي بْن طلحة المقرئ ، قَالَ: أخبرنا مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيمَ بْن يزيد الغازي ، قَالَ: أخبرنا مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن داود الكرجي ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَنِ بْن يوسف بْن خراش ، قَالَ: حفص بْن سُلَيْمَان كذاب ، متروك ، يضع الحديث ” انتهى.

وهذا الإسناد إلى ابن خراش فيه ” محمد بن محمد بن داود الكرجي ” ، مجهول ، ذكره السمعاني في  “الأنساب” (11/66) ، وابن حجر في “تبصير المنتبه” (3/1209) ، ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا.

الثانية : أنه على فرض صحته عن ابن خراش، فهو مردود عليه قوله من أمرين :

الأول : أنه متهم بالرفض، وقد صح ذلك فيه .

فقد روى ابن عدي في “الكامل” (5/519) عن عبدان الأهوازي أنه قال :” وحمل ابن خراش إلى بُنْدَارٍ [أي: تاجرٍ، أو كثير المال] عندنا جزأين صنفهما في مثالب الشيخين، فأجازه بألفي درهم فبنى بذلك حجرة ببغداد ليحدث فيها فما متع بها ومات حين فرغ منها.

وسمعت أحمد بن مُحَمد بن سَعِيد المعروف بابن عقدة يقول كان ابن خراش في الكوفة إذا كتب شيئا من باب التشيع، يقول لي هذا لا ينفق إلا عندي وعندك يا أبا العباس ” انتهى.

وابن عقدة هذا معروف بالتشيع ، ترجم له الخليلي في “الإرشاد” (2/579) فقال :” أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ عُقْدَةَ الْكُوفِيُّ مِنَ الْحُفَّاظِ الْكِبَارِ وَهُوَ شَيْخُ الشِّيعَةِ فِي حَدِيثِهِ نَظَرٌ ” انتهى.

وعبدان الأهوازي معاصر لابن خراش فقد توفي ابن خراش سنة ثلاث وثمانين ومائتين ، كما في “تاريخ بغداد” (11/571) ، وتوفي عبدان الأهوازي سنة ست وثلاثمائة ، وعمره تسعون سنة ، ذكر ذلك الذهبي في “تاريخ الإسلام” (7/104) .

وعبدان الأهوازي يقول فيه الخطيب في “تاريخ بغداد” (11/6) :” كان أحد الحفاظ الأثبات ، جَمع المشايخ ، والأبواب ” انتهى.

ونقل حمزة بن يوسف السهمي في “سؤالاته للدارقطني” (341) ، عن محمد بن يوسف الجرجاني أنه قال في ابن خراش :” كان أخرج مثالب الشيخين وكان رافضيا “انتهى.

وقد علق الإمام الذهبي على فعلته تلك وهي تصنيفه كتابا في مثالب الشيخين ، فقال كما في “ميزان الاعتدال” (5009) :” هذا والله الشيخ المعثر الذي ضل سعيه، فإنه كان حافظ زمانه، وله الرحلة الواسعة، والاطلاع الكثير والاحاطة، وبعد هذا فما انتفع بعلمه، فلا عتب على حمير الرافضة وحواثر جزين ومشغرا ” انتهى.

ولذا توقف أهل العلم في قبول جرحه لأهل السنة إذا انفرد بذلك .

قال ابن حجر في “لسان الميزان” (1/212) :” وممن ينبغي أن يتوقف في قبول قوله في الجرح: من كان بينه وبين من جرحه عداوة سببها الاختلاف في الاعتقاد، فإن الحاذق إذا تأمل ثلب أبي إسحاق الجوزجاني لأهل الكوفة، رأى العجب؛ وذلك لشدة انحرافه في النصب ، وشهرة أهلها بالتشيع.

فتراه لا يتوقف في جرح من ذكره منهم، بلسان ذلق، وعبارة طلقة حتى إنه أخذ يُلَيِّن مثل الأعمش وَأبي نعيم وعبيد الله بن موسى، وأساطين الحديث، وأركان الرواية؛ فهذا إذا عارضه مثله أو أكبر منه، فوثق رجلا ضعفه : قُبل التوثيق .

ويلتحق به عبد الرحمن بن يوسف بن خراش المحدث الحافظ، فإنه من غلاة الشيعة، بل نسب إلى الرفض، فيتأنى في جرحه لأهل الشام للعداوة البينة في الاعتقاد ” انتهى.

وقال السبكي في “شقاء السقام” (ص25) ، بعد أن أورد كلام ابن خراش قال :” وعندي أن هذا القول سرف، فإن هذا الرجل إمام قراءة، وكيف يعتقد أنه يقدم على وضع الحديث والكذب، ويتفق الناس على الأخذ بقراءته، وإنما غايته أنه ليس من أهل الحديث، فذلك وقعت المنكرات والغلط الكثير في روايته “انتهى.

الثانية : أن ابن خراش مشهور بأنه حاد في جرحه ، لذا مثل هذه العبارات الخشنة في الراوي لا تقبل منه .

قال الذهبي في “الموقظة” (ص83) :” فَمِنهم مَن نَفَسُهُ حادٌّ في الجَرْح، ومِنهم مَن هو معتدل ، ومِنهم مَن هو متساهل، فالحادُّ فيهم: يحيى بن سعيد، وابن معين، وأبو حاتم، وابن خِراش، وغيرُهم ” انتهى.

ثم المعروف عند علماء الجرح والتعديل أن لفظ الكذب قد يطلقه العالم على راو ويقصد به تعمد الكذب، وقد يطلقه ويقصد به شدة الغفلة التي تؤدي بالراوي أن يروي الروايات المكذوبة دون تعمد لها.

فقد روى مسلم في “مقدمة صحيحه” (1/17) عن يحيى بن سعيد القطان أنه قَالَ:” لَمْ نَرَ الصَّالِحِينَ فِي شَيْءٍ أَكْذَبَ مِنْهُمْ فِي الْحَدِيثِ ” .

ثم علق الإمام مسلم على قوله هذا فقال :” يَجْرِي الْكَذِبُ عَلَى لِسَانِهِمْ، وَلَا يَتَعَمَّدُونَ الْكَذِبَ”.

قال القاضي عياض في “إكمال المعلم” (1/135) :” يعنى: أنهم يحدثون بما لم يصح، لقلة معرفتهم بالصحيح والعلم بالحديث، وقلة حفظهم وضبطهم لما سمعوه، وشغلهم بعبادتهم ، وإضرابهم عن طريق العلم، فكذبوا من حيث لم يعلموا وإن لم يتعمدوا، وعلى هذا يأتي قولهم: ” كذب ” في صالح المُرّي وشبهه فيما ذكر في ” الأم “، أي أخطأ، وقال ما ليس هو ، وإن لم يتعمد “انتهى.

وقال النووي في “شرح مسلم” (1/94) :” وَمَعْنَاهُ مَا قَالَهُ مُسْلِمٌ ؛ أَنَّهُ يَجْرِي الْكَذِبُ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ وَلَا يَتَعَمَّدُونَ ذَلِكَ، لِكَوْنِهِمْ لَا يُعَانُونَ صِنَاعَةَ أَهْلِ الْحَدِيثِ، فَيَقَعُ الخطأ في رواياتهم ولا يعرفونه، ويروون الْكَذِبَ وَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ كَذِبٌ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ الْحَقِّ أَنَّ الْكَذِبَ هُوَ الْإِخْبَارُ عَنِ الشَّيْءِ بِخِلَافِ مَا هُوَ عَمْدًا كَانَ أَوْ سَهْوًا أَوْ غَلَطًا ” انتهى.


وخلاصة الأمر :

أن حفص بن سليمان القارئ إمام ثبت في القراءة، وأما في الحديث فمتروك لا يقبل حديثه، أما اتهامه بالكذب بمعنى تعمده، فهذا باطل كما قدمنا.

والعالم قد يكون قويا متينا في فن من فنون العلم، فيتقنه ويقبل قوله فيه، ثم هو نفسه لا يتقن علما آخر وتكثر فيه أوهامه فلا يقبل قوله فيه.

وما أحسن قول الذهبي في “تذكرة الحفاظ” (3/157) :” نوح الجامع، مع جلالته في العلم : ترك حديثه، وكذلك شيخه، مع عبادته .

فكم من إمام في فن مقصر عن غيره، كسيبويه مثلًا إمام في النحو، ولا يدري ما الحديث ، ووكيع إمام في الحديث ولا يعرف العربية، وكأبي نواس رأس في الشعر، عري من غيره ، وعبد الرحمن بن مهدي إمام في الحديث لا يدري ما الطب قط، وكمحمد بن الحسن رأس في الفقه، ولا يدري ما القراءات، وكحفص إمام في القراءة ، تالف في الحديث، وللحروب رجال يعرفون بها ” انتهى.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android