0 / 0

ما صحة حديث (لَمْ يُبْعَثْ نَبِيٌّ قَطُّ إِلَّا عَاشَ نِصْفَ مَا عَاشَ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ)؟

السؤال: 341565

أريد معرفة صحة الحديث التالي: "عن أم حبيبة قالت: لما أنزل (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الله لم يبعث نبياً إلا عمر من أمته شطر ما عمر النبي الماضي قبله، فإن عيسى بن مريم كان أربعين سنة في بني إسرائيل، وهذه لي عشرون سنة، وأنا ميت في هذه السنة) فبكت فاطمة رضي الله تعالى عنها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أنت أول أهلي بي لحوقاً) فتبسمت." أخرجه ابن أبي حاتم وابن مردويه. وإن لم يكن صحيحا فهل عندنا خبر صحيح يفيد مدة لبث سيدنا المسيح عيسى عليه السلام في قومه؟

ملخص الجواب

 جميع طرق حديث (لَمْ يُبْعَثْ نَبِيٌّ قَطُّ إِلَّا عَاشَ نِصْفَ مَا عَاشَ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ) لا تخلو من ضعف ومقال، والحديث كذلك فيه نكارة من حيث المتن، كما هو موضح في الجواب المطول 

الجواب

حديث "(إن الله لم يبعث نبياً إلا عمر من أمته شطر ما عمر النبي الماضي قبله…)" من رواية أم حبيبة، عزاه السيوطي في "الدر المنثور" (8/660) إلى ابن أبي حاتم وابن مردويه، لكن لم نقف على إسناده إلى أم حبيبة رضي الله عنها.

وهذا الحديث فيه شقان:

الأول: أن الله لم يبعث نبيا إلا عاش نصف عمر النبي الذي قبله.

الثاني: أن عيسى عليه السلام لبث في أمته أربعين سنة.

وقد روي نحو هذا الحديث من أربعة طرق، إلا أن في بعضها أن عيسى عليه السلام عاش في قومه مائة وعشرين سنة، وجميع هذه الطرق لا يثبت منها شيء، وبيان ذلك كما يلي:

الطريق الأول: عن عائشة رضي الله عنها

ويروى عنها من ثلاثة وجوه:

الوجه الأول:

أخرجه الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (1/139)، والطبراني في "المعجم الكبير" (22/417)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (2970)، من طريق نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ، قال حَدَّثَنِي عُمَارَةُ بْنُ غَزِيَّةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، أَنَّ أُمَّهُ، فَاطِمَةُ بِنْتُ حُسَيْنٍ حَدَّثَتْهُ، أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَقُولُ:" إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ، قَالَ لِفَاطِمَةَ:  يَا بُنَيَّةُ احْنِي عَلَيَّ  ، فَأَحْنَتْ عَلَيْهِ، فَنَاجَاهَا سَاعَةً، ثُمَّ انْكَشَفَتْ وَهِيَ تَبْكِي وَعَائِشَةُ حَاضِرَةٌ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ بِسَاعَةٍ:  أحْنِي عَلَيَّ يَا بُنَيَّةُ  ، فَأَحْنَتْ عَلَيْهِ فَنَاجَاهَا سَاعَةً ثُمَّ انْكَشَفَتْ عَنْهُ فَضَحِكَتْ قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: أَيْ بُنَيَّةُ، أَخْبِرِينِي مَاذَا نَاجَاكِ أَبُوكِ؟ فَقَالَتْ فَاطِمَةُ: نَاجَانِي عَلَى حَالٍ سِرٍّ، ظَنَنْتِ أَنِّي أُخْبِرُ بِسِرِّهِ وَهُوَ حَيٌّ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى عَائِشَةَ أَنْ يَكُونَ سِرًّا دُونَهَا، فَلَمَّا قَبَضَهُ اللهُ، قَالَتْ عَائِشَةُ لِفَاطِمَةَ: يَا بُنَيَّةُ، أَلَا تُخْبِرينِي بِذَلِكَ الْخَبَرِ؟ قَالَتْ: أَمَّا الْآنَ، فَنَعَمْ، نَاجَانِي فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى فَأَخْبَرَنِي أَنَّ جِبْرِيلَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعَارِضُهُ بِالْقُرْآنِ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً، وَأَنَّهُ عَارَضَهُ بِالْقُرْآنِ الْعَامَ مَرَّتَيْنِ، وَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ إِلَّا عَاشَ نِصْفَ عُمَرَ الَّذِي قَبْلَهُ، وَأَنَّهُ أَخْبَرَنِي أَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عَاشَ عِشْرِينَ وَماِئةَ سَنَةٍ وَلَا أُرَانِي إِلَّا ذَاهِبًا عَلَى رَأْسِ السِّتِّينَ، فَأَبْكَانِي ذَلِكَ، وَقَالَ:  يَا بُنَيَّةُ، إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ امْرَأَةٌ أَعْظَمُ رُزِّيَّةً مِنْكِ، فَلَا تَكُونِي أَدْنَى مِنِ امْرَأَةٍ صَبْرًا  ، وَنَاجَانِي فِي الْمَرَّةِ الْآخِرَةِ فَأَخْبَرَنِي أَنِّي أَوَّلُ أَهْلِهِ لُحُوقًا بِهِ وَقَالَ:  إِنَّكِ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِلَّا مَا كَانَ مِنَ الْبَتُولِ مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ  فَضَحِكَتُ بِذَلِكَ".

وعلة هذا الطريق هو " محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان ": فإنه ضعيف، منكر الحديث.

قال فيه البخاري في "الضعفاء" (325):" عنده عجائب ". أ.هـ، وقال مسلم كما في "الكنى والأسماء" (1884):" منكر الحديث "انتهى، وقال النسائي كما في "تاريخ دمشق" (53/384):" ليس بالقوي " انتهى، وقال ابن عدي في "الكامل" (7/447):" لا يكاد يتابع فِي حديثه " انتهى.

والمحفوظ في هذا المعنى، ليس فيه ذكر لعمر النبي، بالنسبة لمن قبله، ولا ذكر لعيسى بن مريم عليه السلام فيه. كما أخرجه البخاري في "صحيحه" (6285)، ومسلم في "صحيحه" (2450)، من طريق عامر، عن مسروق، عن عَائِشَةَ، قَالَتْ:" اجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يُغَادِرْ مِنْهُنَّ امْرَأَةً، فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ تَمْشِي كَأَنَّ مِشْيَتَهَا مِشْيَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِابْنَتِي  فَأَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ، ثُمَّ إِنَّهُ أَسَرَّ إِلَيْهَا حَدِيثًا فَبَكَتْ فَاطِمَةُ، ثُمَّ إِنَّهُ سَارَّهَا فَضَحِكَتْ أَيْضًا، فَقُلْتُ لَهَا: مَا يُبْكِيكِ؟ فَقَالَتْ: مَا كُنْتُ لِأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ فَرَحًا أَقْرَبَ مِنْ حُزْنٍ، فَقُلْتُ لَهَا حِينَ بَكَتْ: أَخَصَّكِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَدِيثِهِ دُونَنَا، ثُمَّ تَبْكِينَ؟ وَسَأَلْتُهَا عَمَّا قَالَ فَقَالَتْ: مَا كُنْتُ لِأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى إِذَا قُبِضَ سَأَلْتُهَا فَقَالَتْ: إِنَّهُ كَانَ حَدَّثَنِي أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُهُ بِالْقُرْآنِ كُلَّ عَامٍ مَرَّةً، وَإِنَّهُ عَارَضَهُ بِهِ فِي الْعَامِ مَرَّتَيْنِ، وَلَا أُرَانِي إِلَّا قَدْ حَضَرَ أَجَلِي، وَإِنَّكِ أَوَّلُ أَهْلِي لُحُوقًا بِي، وَنِعْمَ السَّلَفُ أَنَا لَكِ، فَبَكَيْتُ لِذَلِكَ، ثُمَّ إِنَّهُ سَارَّنِي، فَقَالَ: أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ، أَوْ سَيِّدَةَ نِسَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ  فَضَحِكْتُ لِذَلِكَ".

الوجه الثاني:

أخرجه الدولابي في "الذرية الطاهرة" (178)، من طريق ابن لهيعة، عن جعفر بن ربيعة، عن عبد الملك بن عبيد الله بن الأسود، عن عروة، عن عائشة، قالت: " دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فناجاها، فلما فرغ بكت ثم ناجاها الثانية فضحكت، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: ما رأيت ضحكا أقرب من بكاء من اليوم، فسألتها فقالت: ما كنت لأطلعك على سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم سألتها، فقالت: قال: (ما بعث نبي إلا كان له من العمر مثل نصف عمر الذي كان قبله، وقد بلغت اليوم نصف عمر من كان قبلي)، ثم قال لي: (إنك سيدة نساء الجنة إلا مريم بنت عمران).

وإسناده ضعيف فيه علتان:

الأولى: " عبد الملك بن عبيد الله بن الأسود ": مجهول، لا يعرف، لم يترجم له أحد.

الثانية: ابن لهيعة، وضعفه واختلاطه مشهور.

الوجه الثالث:

أخرجه ابن سعد في "الطبقات" (2/195)، قال أَخْبَرَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ زِيَادٍ، قَالَ:" قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم فِي السَّنَةِ الَّتِي قُبِضَ فِيهَا لِعَائِشَةَ:(إِنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يَعْرِضُ عَلَيَّ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً فَقَدْ عَرَضَ عَلَيَّ الْعَامَ مَرَّتَيْنِ، وَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيُّ إِلَّا عَاشَ نِصْفَ عُمْرِ أَخِيهِ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ)، عَاشَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ مِائَةً وَخَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً وَهَذِهِ اثْنَتَانِ وَسِتُّونَ سَنَةً وَمَاتَ فِي نِصْفِ السَّنَةِ".

وإسناده ضعيف، مع إرساله.

فيه " أبو معشر نجيح بن عبد الرحمن السندي ":

قال فيه أحمد كما في "العلل" (1/412):" صَدُوق وَلكنه لَا يُقيم الْإِسْنَاد " انتهى، وقال فيه البخاري كما في "الضعفاء الصغير" (380):" منكر الحديث " انتهى، وضعفه النسائي في "الضعفاء والمتروكين" (890)، وقال أبو نعيم الأصبهاني في "الضعفاء" (254):" روى عَن نَافِع وَابْن الْمُنْكَدر وَهِشَام بن عُرْوَة وَمُحَمّد بن عَمْرو الموضوعات لَا شَيْء ". اهـ، وقال ابن معين وابن أبي حاتم كما في "الجرح والتعديل" (8/494):" ليس بقوي في الحديث ". اهـ. وقال ابن حبان في "المجروحين" (3/60):" كان ممن اختلط في آخر عمره وبقى قبل أن يموت سنتين في تغير شديد لا يدرى ما يحدث به، فكثر المناكير في روايته من قبل اختلاطه، فبطل الاحتجاج به " انتهى.

الطريق الثاني: عن زيد بن أرقم رضي الله

ويروى عنه من وجهين:

الوجه الأول:

أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" (7/244)، والطبراني في "المعجم الكبير" (5/171)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (5/68)، والحاكم في "المستدرك" (6272)، من طريق كامل بن العلاء أبي العلاء، قَالَ: سَمِعْتُ حَبِيبَ بْنَ أَبِي ثَابِتٍ، يُحَدِّثُ عَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، قَالَ:" خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى غَدِيرِ خُمٍّ أَمَرَ بِدُوحٍ فَكُسِحَ فِي يَوْمٍ مَا أَتَى عَلَيْنَا يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ حُرًّا مِنْهُ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ:  يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لَمْ يُبْعَثْ نَبِيٌّ قَطُّ إِلَّا عَاشَ نِصْفَ مَا عَاشَ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ، وَإِنِّي أُوشِكُ أَنْ أُدْعَى فَأُجِيبَ، وَإِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ كِتَابَ اللهِ  ثُمَّ قَامَ وَأَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقَالَ:  يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ أَوْلَى بِكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ؟  قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ  .

وإسناده ضعيف، فيه علتان:

الأولى: فيه " حبيب بن أبي ثابت "، وهو ثقة، إلا أنه مدلس، قال ابن حجر في "طبقات المدلسين" (68):" يكثر التدليس وصفه بذلك بن خزيمة والدارقطني وغيرهما " انتهى.

الثانية: فيه " كامل بن العلاء أبو العلاء ":

مختلف فيه، حيث وثقه ابن معين كما في "تاريخ ابن معين – رواية الدوري" (1303)، وقال فيه مرة كما في "تاريخ ابن معين – رواية الدوري" (1653):" ليس به بأس "انتهى، وقال النسائي كما في "تاريخ الإسلام" (4/187):" ليس بالقوي "انتهى.

وقال فيه ابن سعد في "الطبقات" (6/379):" ليس بذاك ". اهـ، قال فيه ابن حبان في "المجروحين" (2/227):" كَانَ مِمَّن يقلب الْأَسَانِيد وَيرْفَع الْمَرَاسِيل من حَيْثُ لَا يدْرِي فَلَمَّا فحش ذَلِك من أَفعاله بَطل الِاحْتِجَاج بأخباره " انتهى، وقال ابن حجر في "التقريب" (5604):" صدوق يخطئ "انتهى.

ثم إن حبيب بن أبي ثابت خالفه عمرو بن دينار، فرواه عن يحيى بن جعدة مرسلا، أخرجه إسحاق بن راهويه في "مسنده" (2105)، من طريق حماد بن سلمة، وابن شاهين في "فضائل فاطمة" (7)، من طريق سفيان، كلاهما عن عمرو بن دينار عن يحيى بن جعدة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لفاطمة:(إنه لم يعمر نبي قط إلا عمر الذي بعده نصف عمر صاحبه، عمر عيسى أربعين وأنا عشرين).

وعمرو بن دينار أثبت من حبيب بن أبي ثابت، فالمرسل أولى كما قال الدارقطني في "العلل" (15/173).

الوجه الثاني:

أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (5/166)، من طريق عَبْد اللهِ بْن بُكَيْرٍ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، قَالَ:" نَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْجُحْفَةِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:  إِنِّي لَا أَجِدُ لِنَبِيٍّ إِلَّا نِصْفَ عُمُرِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَإِنِّي أُوشِكُ أَنْ أُدْعَى فَأُجِيبُ، فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟  قَالُوا: نَصَحْتَ قَالَ: أَلَيْسَ تَشْهَدُونَ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ وَالنَّارُ حَقُّ وَأَنَّ الْبَعْثَ بَعْدَ الْمَوْتِ حَقٌّ؟  قَالُوا: نَشْهَدُ، قَالَ: فَرَفَعَ يَدَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَلَى صَدْرِهِ، ثُمَّ قَالَ:  وَأَنَا أَشْهَدُ مَعَكُمُ  ثُمَّ قَالَ:  أَلَا تَسْمَعُونَ؟  قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ:  فَإِنِّي فَرْطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ وَأَنْتُمْ وَارِدُونَ عَلَيَّ الْحَوْضَ، وَإِنَّ عُرْضَهُ أَبْعَدُ مَا بَيْنَ صَنْعَاءَ وَبُصْرَى، فِيهِ أَقْدَاحٌ عَدَدَ النُّجُومِ مِنْ فِضَّةٍ، فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِي فِي الثَّقَلَيْنِ؟  فَنَادَى مُنَادٍ: وَمَا الثَّقَلَانِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ:  كِتَابُ اللهِ طَرَفٌ بِيَدِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَطَرَفٌ بِأَيْدِيكُمْ، فَاسْتَمْسِكُوا بِهِ لَا تَضِلُّوا، وَالْآخَرَ عِتْرَتِي، وَإِنَّ اللَّطِيفَ الْخَبِيرَ نَبَّأَنِي أَنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ، وَسَأَلْتُ ذَلِكَ لَهُمَا رَبِّي، فَلَا تَقْدُمُوهُمَا فَتَهْلَكُوا، وَلَا تَقْصُرُوا عَنْهُمَا فَتَهْلَكُوا، وَلَا تُعَلِّمُوهُمْ فَإِنَّهُمْ أَعْلَمُ مِنْكُمْ  ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقَالَ:  مَنْ كُنْتُ أَوْلَى بِهِ مِنْ نَفْسِي فَعَلِيٌّ وَلِيُّهُ، اللهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ  .

وإسناده ضعيف جدا، فيه " حكيم بن جبير ":

قال فيه أحمد كما في "العلل" (1/396):" ضَعِيف الحَدِيث مُضْطَرب ". اهـ، وضعفه النسائي كما في "الضعفاء والمتروكون" (129)، وقال ابن معين " ليس بشيء "، وقال أبو حاتم:" ضعيف الحديث، منكر الحديث ". انتهى من "الجرح والتعديل" (3/202)، وقال الدارقطني كما في "سؤالات البرقاني" (100):" كوفي يترك "انتهى، وقال ابن حبان في "المجروحين" (1/246):" كَانَ غاليا فِي التَّشَيُّع كثير الْوَهم فِيمَا يَرْوِي "انتهى.

الطريق الثالث: من طريق حذيفة بن أسيد رضي الله عنه

أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (3/180)، من طريق زَيْد بْن الْحَسَنِ الْأَنْمَاطِيُّ، قال ثنا مَعْرُوفُ بْنُ خَرَّبُوذَ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِيِّ، قَالَ:" لَمَّا صَدَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَجَّةِ الْوَدَاعِ نَهَى أَصْحَابَهُ عَنْ شَجَرَاتٍ بِالْبَطْحَاءِ مُتَقَارِبَاتٍ أَنْ يَنْزِلُوا تَحْتَهُنَّ، ثُمَّ بَعَثَ إِلَيْهِنَّ فَقُمَّ مَا تَحْتَهُنَّ مِنَ الشَّوْكِ، وَعَمَدَ إِلَيْهِنَّ فَصَلَّى تَحْتَهُنَّ، ثُمَّ قَامَ فَقَالَ:(يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي قَدْ نَبَّأَنِيَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ أَنَّهُ لَمْ يُعَمَّرْ نَبِيٌّ إِلَّا نِصْفَ عُمْرِ الَّذِي يَلِيهِ مِنْ قَبْلِهِ، وَإِنِّي لَأَظُنُّ أَنِّي يُوشِكُ أَنْ أُدْعَى فَأُجِيبَ، وَإِنِّي مَسْئُولٌ، وَإِنَّكُمْ مَسْئُولونَ، فَمَاذَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟) قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَجَاهَدْتَ وَنَصَحْتَ، فَجَزَاكَ اللهُ خَيْرًا".

وإسناده ضعيف، فيه علتان:

الأولى: فيه " معروف بن خربوذ ":

ضعفه ابن معين كما في "الجرح والتعديل" (8/321)، وقال فيه العقيلي في "الضعفاء" (1810):" لَا يُتَابَعُ عَلَى حَدِيثِهِ وَلَا يُعْرَفُ إِلَّا بِهِ "انتهى.

الثانية: فيه " زيد بن الحسن الأنماطي ": قال فيه أبو حاتم كما في "الجرح والتعديل" (3/560):" منكر الحديث "انتهى.

وهذا الطريق ضعفه الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (4961).

الطريق الرابع: عن إبراهيم النخعي مرسلا

أخرجه ابن سعد في "الطبقات" (2/308)، من طريق الثوري، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم:  يَعِيشُ كُلُّ نَبِيٍّ نِصْفَ عُمُرِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَإِنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ مَكَثَ فِي قَوْمِهِ أَرْبَعِينَ عَامًا  .

وهذا مرسل ضعيف، فإن إبراهيم النخعي لم يرو عن أحد من الصحابة أصلا.

قال ابن حجر في "النكت على ابن الصلاح" (2/557):" قال البيهقي: "من المعلوم أن إبراهيم ما سمع من أحد من الصحابة، فإذا حدث عن النبي – صلى الله عليه وسلم – يكون بينه وبينه اثنان أو أكثر فيتوقف في قبوله من هذه الحيثية، وأما إذا حدث عن الصحابة، فإن كان ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه – فقد صرح هو بثقة شيوخه عنه وأما عن غيره فلا – و الله أعلم -"انتهى.

والحديث كما هو بيِّنٌ: جميع طرقه لا تخلو من ضعف ومقال، وقد ضعفه الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة " (4434).

ثم إن فيه نكارة من حيث المتن، فإننا لو قلنا أن كل نبي عاش نصف عمر النبي الذي قبله، سواء كان المقصود بذلك حياته، أو عمره في البعثة، فإن ذلك لا يمكن عقلا، لأنه ثبت أن عدد الرسل ثلاث مائة وخمسة عشر كما في الحديث الذي أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (403)، وصححه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2868)، من حديث أبي أُمَامَةَ الْبَاهِلِي أَنَّ رَجُلًا قَالَ:"يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَبِيًّا كَانَ آدَمُ؟ قَالَ: نَعَمْ  قَالَ: كَمْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نُوحٍ؟ قَالَ: عَشَرَةُ قُرُونٍ  قَالَ: كَمْ بَيْنَ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ؟ قَالَ: عَشَرَةُ قُرُونٍ  قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَمْ كَانَتِ الرُّسُلُ؟ قَالَ:  ثَلَاثُمَائةٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ  .

فلو قلنا أن المقصود في حديث: لَمْ يُبْعَثْ نَبِيٌّ قَطُّ إِلَّا عَاشَ نِصْفَ مَا عَاشَ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ  هي مدة بعثته مثلا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم مكث في أمته قريبا من الثلاث والعشرين سنة، فلو تم حساب الأمر على ذلك إلى سبعة عشر نبيا مثلا لكانت مدة لبث هذا النبي في قومه تتجاوز المليون ونصف، فهذا فقط بعد سبعة عشر رسول فكيف بعدتهم جميعا، وكيف بالأنبياء غير الرسل؟!

ولأجل ذلك، قال ابن كثير في "جامع المسانيد والسنن" (3270):" وهو حديث منكر جداً، ومن ضعفه: أن يكون عيسى بن مريم – عليه السلام – قد عُمر قبل رفعه مائة وستًّا وعشرين سنة، وهذا خلاف المشهور من أنه رفع وله ثلاث وثلاثون سنة، ثم إذا ضعف هذا العدد على هذا الوجه أدى إلى تضعيف أعداد لا تنحصر، ولو لم يضعف إلا بأعداد الرسل الذين عدتهم كما جاء في حديث أبى ذر في صحيح ابن حبان ثلاثمائة وثلاثة عشر، دع أعداد الأنبياء، كما ورد في حديثه مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً.

هذه رقعة الشطرنج التي أولها واحد، إذا ضوعفت إلى أربع وستين ضعفاً، فلا يكاد يضبطه اللفظ، ولا الذهن من ألوف ألوف الألوف، فكيف بما أوله ستون، أو ثلاث وستون، أو خمس وستون ثم يضاعف إلى المئات، أو ألوف، أو مائة ألف مرة أو أزيد؛ لكانت الدنيا كلها لا تتسع لِعُشْر عُشْرِ عُشْرِ كذا كذا مرةً من ذلك. والله أعلم.

وما نشَأَ إلا هذا إلاَّ من تقدير صحة هذا الحديث، فليس هو بصحيح من جهة متنه، ولا من جهة سنده أيضاً، لان عبيد بن إسحاق العطار ضعفه الجمهور، وتابعه غيره، فالله أعلم. وكذلك كامل هذا قد تكلّم فيه آخرون والله أعلم " انتهى.

وينظر للفائدة: جواب السؤال: ما هي مدة لبث عيسى عليه السلام في قومه

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android