لدي إشكال كبير حول فهم المرتبة الأولى من مراتب الإيمان بالقدر مرتبة العلم، ولم أفهم كلام المشايخ فيها، وأرجو منكم التفصيل، يعني ما الداعي لذكر علم الله لما سيحدث وهو الذي قدره وشاءه ؟ أم إن المراد من ذكر العلم هنا أن الله يعلم بعلمه القديم أنه لو أراد أن يخلق الكون والبشر واختبارهم يعلم الأسباب التي سيخلقها ونتائجها بحيث يختبر الإنسان، وبعدها يجازيه فإما الجنة وإما النار فيعلم أي يقدر لكل منهم الرزق المناسب والأجل المناسب للاختبار أم ماذا؟ أم أن المراد أن الله علم ما سيفعله بحكمته وكتبه ؟ يعني لم أفهم عندما يقول شخص الله علم الحادثة قبل وقوعها فأقول ما الداعي لذكرها وهو قدرها أصلا؟ ما معنى الله علم ما سيحدث قبل وقوعه فكتبه وبعدها شاءه وبعدها خلقه لم أفهم ؟ أرجو أن تفصلوا لي في مسألة العلم، وسبب ذكر المشايخ لها
لماذا تذكر مرتبة العلم السابق ولا يكتفى بذكر القدر ؟
السؤال: 342831
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
مراتب القدر أربعة: العلم والكتابة والمشيئة والخلق.
والمقصود بالعلم: علم الله الشامل المحيط بكل شيء.
قال الشيخ حافظ أحمد الحكمي رحمه الله: "اعلم رحمك الله تعالى ووفقنا وإياك لما يحبه ويرضاه وهداناه وإياك صراطه المستقيم أن الإيمان بالقدر على أربع مراتب:
المرتبة الأولى: الإيمان بعلم الله عز وجل المحيط بكل شيء ، من الموجودات والمعدومات والممكنات والمستحيلات، فعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون، وأنه علم ما الخلق عاملون قبل أن يخلقهم ، وعلم أرزاقهم وآجالهم وأحوالهم وأعمالهم ، في جميع حركاتهم وسكناتهم ، وشقاوتهم وسعادتهم ، ومن هو منهم من أهل الجنة ، ومن هو منهم من أهل النار، من قبل أن يخلقهم ، ومن قبل أن يخلق الجنة والنار؛ علم دق ذلك وجليله ، وكثيره وقليله، وظاهره وباطنه، وسره وعلانيته، ومبدأه ومنتهاه؛ كل ذلك بعلمه الذي هو صفته ، ومقتضى اسمه العليم الخبير، عالم الغيب والشهادة، علام الغيوب، كما قال تعالى: هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة [الحشر: 22]، وقال تعالى: لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما، [الطلاق: 12]، وقال تعالى: وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عددا [الجن: 28]، وقال تعالى: عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر [سبأ: 3] ، وقال تعالى: إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى , ولله ما في السماوات … , الذين يجتنبون كبائر الإثم … , هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى [النجم: 30]، وقال تعالى: أليس الله بأعلم بالشاكرين [الأنعام: 53]، أوليس الله بأعلم بما في صدور العالمين [العنكبوت: 10]، وقال تعالى: وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون [البقرة: 30] الآيات. وقال تعالى: وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون [البقرة: 216] " انتهى من "معارج القبول" (3/ 920).
فلا ريب أن الله يعلم الحوادث قبل وقوعها، علما تاما، جزئيها وكليها، صغيرها وكبيرها، خفيها وظاهرها، سرها وعلنها، سبحان من عليم خبير.
وقولك: ما الداعي لذكر ذلك وهو الذي قدرها؟
جوابه أن قولك: وهو الذي قدرها، مساوٍ لقولنا: علِمها قبل وقوعها وكتبها وشاءها وخلقها.
فإذا قلنا: علمها قبل وقوعها، ففي ذلك نص على مرتبة العلم فقط، وهذا يكون لحكم كثيرة:
منها أن يراد تخفيف المصيبة على العبد، فيقال له: إن هذا قد كتبه الله قبل أن تخلق، أو علمه قبل أن تخلق ونحو ذلك، فهذا مما يعين على الصبر وترك الأسى، كما قال تعالى: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) الحديد/22
وتارة يذكر العلم السابق لبيان صلاحية الشريعة وأنه شرعها الله الذي يعلم حال عباده وما يصلحهم، كما قال تعالى: أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ الملك/14.
وقال: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ البقرة/216.
فهو يعلم الخير لكم من الشر، والنافع من الضار، وما يصلح لكم وما لا يصلح.
وتارة يذكر العلم، لدفع الاعتراض على اختيار الله تعالى لمن يختار من عباده، كما قال تعالى: وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ الأنعام/53.
وقال: وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ الأنعام/124.
وتارة يذكر العلم للرد على غلاة القدرية الذين نفوا العلم السابق، وكفّرهم السلف، كما روى مسلم في صحيحه (8) أنه قيل لابن عمر رضي الله عنه: " إِنَّهُ قَدْ ظَهَرَ قِبَلَنَا نَاسٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، وَيَتَقَفَّرُونَ الْعِلْمَ، وَذَكَرَ مِنْ شَأْنِهِمْ، وَأَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنْ لَا قَدَرَ، وَأَنَّ الْأَمْرَ أُنُفٌ، قَالَ: فَإِذَا لَقِيتَ أُولَئِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّي بَرِيءٌ مِنْهُمْ، وَأَنَّهُمْ بُرَآءُ مِنِّي، وَالَّذِي يَحْلِفُ بِهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ لَوْ أَنَّ لِأَحَدِهِمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، فَأَنْفَقَهُ مَا قَبِلَ اللهُ مِنْهُ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ.
فهؤلاء كانوا ينكرون العلم السابق.
والقرآن الكريم مليء من ذكر هذه المرتبة، لم يقتصر على ذكر القدر على سبيل الإجمال، فلا عجب أن يُعنى أهل العلم ببيان هذه المرتبة، وأن يذكّروا بها للمناسبات السابقة وغيرها.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب