هل شعب الإيمان واجبة فإذا لم يفعلها المرء وقع في الذنب ؟
هل شعب الإيمان كلها واجبة؟
السؤال: 343994
ملخص الجواب
حديث ( الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ – أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ – شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ ) بيّن أن للإيمان شعبا وخصالا عديدة، لكن لم يبين حكم كل شعبة منها، بل أشار إلى أنها على مراتب. وكونها معدودة في الإيمان : لا يلزم منها أنها واجبة كلها؛ لأن لفظ “الإيمان” إذا أطلق يدخل فيه كل أعمال البر والخير الواجبة والمستحبة.
Table Of Contents
مراتب وشعب الإيمان
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ – أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ – شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ رواه البخاري (9) ومسلم (35) واللفظ له.
هذا الحديث بيّن أن للإيمان شعبا وخصالا عديدة، لكن لم يبين حكم كل شعبة منها، بل أشار إلى أنها على مراتب.
هل مراتب الإيمان كلها واجبة ؟
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
” في رواية مسلم من الزيادة: ( أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق )، وفي هذا إشارة إلى أن مراتبها متفاوتة ” انتهى. “فتح الباري” (1 / 53).
وكونها معدودة في الإيمان : لا يلزم منها أنها واجبة كلها؛ لأن لفظ “الإيمان” إذا أطلق يدخل فيه كل أعمال البر والخير الواجبة والمستحبة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
” فلفظ ” الإيمان ” إذا أطلق في القرآن والسنة يراد به ما يراد بلفظ ” البر ” وبلفظ ” التقوى ” وبلفظ ” الدين ” كما تقدم؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم بيّن أن: ( الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ ) ؛ فكان كل ما يحبه الله يدخل في اسم الإيمان ” انتهى. “مجموع الفتاوى” (7 / 179).
وقد سمى الله تعالى من الإيمان الصلاة.
قال الله تعالى:
وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ البقرة/143.
عن زُهَيْر، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ: ” أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَوَّلَ مَا قَدِمَ المَدِينَةَ نَزَلَ عَلَى أَجْدَادِهِ، أَوْ قَالَ أَخْوَالِهِ مِنَ الأَنْصَارِ، وَأَنَّهُ صَلَّى قِبَلَ بَيْتِ المَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ البَيْتِ، وَأَنَّهُ صَلَّى أَوَّلَ صَلاَةٍ صَلَّاهَا صَلاَةَ العَصْرِ، وَصَلَّى مَعَهُ قَوْمٌ، فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ صَلَّى مَعَهُ، فَمَرَّ عَلَى أَهْلِ مَسْجِدٍ وَهُمْ رَاكِعُونَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ مَكَّةَ، فَدَارُوا كَمَا هُمْ قِبَلَ البَيْتِ، وَكَانَتِ اليَهُودُ قَدْ أَعْجَبَهُمْ إِذْ كَانَ يُصَلِّي قِبَلَ بَيْتِ المَقْدِسِ، وَأَهْلُ الكِتَابِ، فَلَمَّا وَلَّى وَجْهَهُ قِبَلَ البَيْتِ، أَنْكَرُوا ذَلِكَ.
قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنِ البَرَاءِ فِي حَدِيثِهِ هَذَا: أَنَّهُ مَاتَ عَلَى القِبْلَةِ قَبْلَ أَنْ تُحَوَّلَ رِجَالٌ وَقُتِلُوا، فَلَمْ نَدْرِ مَا نَقُولُ فِيهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ البقرة/143″ رواه البخاري (40).
قال ابن رجب رحمه الله تعالى:
” قال عبيد الله بن موسى: هذا الحديث يخبرك أن الصلاة من الإيمان. وهذا هو الذي بوب عليه البخاري في هذا الموضع؛ ولأجله ساق حديث البراء فيه.
وكذلك استدل ابن عيينه وغيره من العلماء على أن الصلاة من الإيمان. وممن روي عنه أنه فسر هذه الآية بالصلاة إلى بيت المقدس: ابن عباس من رواية العوفي عنه، وسعيد بن المسيب، وابن زيد، والسدي، وغيرهم.
وقال قتادة، والربيع بن أنس: نزلت هذه الآية لما قال قوم من المسلمين: كيف بأعمالنا التي كنا نعمل في قبلتنا الأولى؟
وهذا يدل على أن المراد بها الصلاة أيضا؛ لأنها هي التي تختص بالقبلة من بين الأعمال.
ولم يذكر أكثر المفسرين في هذا خلافا، وأن المراد بالإيمان هاهنا الصلاة؛ فإنها علم الإيمان وأعظم خصاله البدنية ” انتهى. “فتح الباري” (1 / 190).
والصلاة منها فرائض ونوافل.
ولذلك من اجتهد من أهل العلم في عدّ شعب الإيمان، ذكر منها الصلاة فرضا ونفلا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
” – الإيمان – مركّب من أصل لا يتم بدونه، ومن واجب ينقص بفواته نقصا يستحق صاحبه العقوبة، ومن مستحب يفوت بفواته علو الدرجة، فالناس فيه : ظالم لنفسه، ومقتصد، وسابق ” انتهى. “مجموع الفتاوى” (7 / 637).
ثم الوحي لم ينص على أسماء كل هذه الشعب، وفي هذا حث على الاجتهاد في الطاعات عموما، بالالتزام بالواجبات، والاجتهاد والمسابقة في فعل المستحبات.
قال أبو العباس القرطبي رحمه الله تعالى:
” ومقصود هذا الحديث : أن الأعمال الشرعية تسمى إيمانا على ما ذكرناه آنفا، وأنها منحصرة في ذلك العدد، غير أن الشرع لم يعين ذلك العدد لنا، ولا فصَّله.
وقد تكلَّف بعض المتأخرين تعديد ذلك؛ فتصفح خصال الشريعة وعدّدها، حتى انتهى بها – في زعمه – إلى ذلك العدد، ولا يصح له ذلك؛ لأنه يمكن الزيادة على ما ذكر، والنقصان مما ذكر؛ ببيان التداخل.
والصحيح : ما صار إليه أبو سليمان الخطابي وغيره: أنها منحصرة في علم الله تعالى، وعلم رسوله صلى الله عليه وسلم، وموجودة في الشريعة مفصلة فيها، غير أن الشرع لم يوقفنا على أشخاص تلك الأبواب، ولا عيّن لنا عددها، ولا كيفية انقسامها، وذلك لا يضرنا في علمنا بتفاصيل ما كلفنا به من شريعتنا ولا في عملنا؛ إذ كل ذلك مفصّل مبيّن في جملة الشريعة، فما أمرنا بالعمل به عملناه، وما نهينا عنه انتهينا، وإن لم نحط بحصر أعداد ذلك، والله تعالى أعلم ” انتهى. “المفهم” (1 / 217).
هل شعب الإيمان تنحصر في العدد المذكور في الحديث فقط ؟
وقد يشكل هنا أن تفاصيل أفعال الخير من واجبات ومستحبات : تفوق العدد المذكور في الحديث، وقد أجاب أهل العلم عن هذا الإشكال بعدة أجوبة، ذكرها ابن رجب رحمه الله تعالى؛ حيث يقول:
” فأهل الحديث والسنة عندهم أن كل طاعة فهي داخلة في الإيمان، سواء كانت من أعمال الجوارح أو القلوب أو من الأقوال، وسواء في ذلك الفرائض والنوافل، هذا قول الجمهور الأعظم منهم وحينئذ، فهذا لا ينحصر في بضع وسبعين، بل يزيد على ذلك زيادة كثيرة، بل هي غير منحصرة؟
قيل: يمكن أن يجاب عن هذا بأجوبة:
أحدها: أن يقال: إن عدد خصال الإيمان عند قول النبي صلى الله عليه وسلم كان منحصرا في هذا العدد، ثم حدثت زيادة فيه بعد ذلك، حتى كملت خصال الإيمان في آخر حياة النبي صلي الله عليه وسلم.
وفي هذا نظر.
والثاني: أن تكون خصال الإيمان كلها تنحصر في بضع وسبعين نوعا، وإن كان أفراد كل نوع تتعدد تعددا كثيرا، وربما كان بعضها لا ينحصر. وهذا أشبه. وإن كان الموقوف على ذلك يعسر أو يتعذر.
والثالث: أن ذكر السبعين على وجه التكثير للعدد، لا على وجه الحصر كما في قوله تعالى ( إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ) [التوبة: 80]، والمراد تكثير التعداد من غير حصر له في هذا في العدد، ويكون ذكره للبضع يشعر بذلك كأنه يقول: هو يزيد على السبعين المقتضية لتكثير العدد وتضعيفه. وهذا ذكره أهل الحديث من المتقدمين، وفيه نظر.
والرابع: أن هذه البضع وسبعين: هي أشرف خصال الإيمان وأعلاها، وهو الذي تدعو إليه الحاجة منها. قاله ابن حامد من أصحابنا ” انتهى. “فتح الباري” (1 / 30-31).
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب