هناك رجل بالقرب من منزلنا بنى مسجداً من الطين، لديه الكثير من المفاهيم الخاطئة عن الإسلام، ويقول: إنّها صحيحة، وأخي يتبعه بشكل أعمى، يُقيم صلاة الفجر عندما تشرق الشمس أو على وشك أن تشرق، كما لو كان وقت شروق الشمس 5:15، يذهب أخي لصلاة الفجر في 5:10 تأخذ المسافة 5-7 دقائق سيرا على الأقدام، وهذا الرجل يقول : إنّ استعمال التكنولوجيا والأدوية والمشروبات الباردة ونحوها حرام، ومن يستعملها يموت ميتة السّوء، فهل هناك حقيقة في كل ذلك؟ يصلّي هذا الرجل أيضًا صلاة الجمعة عندما يصبح ظلّ الشيء ضعف طوله، أخي لا يتحدّث أثناء تناول الطعام لكنّه يتحدّث أثناء الأذان، لا يزور الطبيب عند مرضه أو أيّ من أبنائه، ينام في جهة الشرق والغرب ويتّبعها بدقة بتوجيه من ذلك الرجل، يقول أيضا : إنّ الحج لا يجوز في مكة؛ لأنهم جعلوا مكة والمدينة مبنيّة بالإسمنت وأكثر جاذبية، وماذا ينبغي أن أفعل لأُبعِد أخي عن مثل هذه المفاهيم الخاطئة؟
ضلال من يحرم التكنولوجيا ويحرم الحج لأن مكة بنيت بالأسمنت!
السؤال: 344087
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
ما ذكرت عن هذا الرجل ضلال بين، ونحن نوضح ذلك في نقاط:
1-تأخير الصلاة على قرب الشروق خلاف السنة، وأما فعلها بعد شروق الشمس فمحرم، وفاعل ذلك عمدا يكون تاركا لصلاة الفجر.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة الفجر ما بين الستين إلى المائة آية، وهذه الصلاة لا تقل مدتها عن 20 دقيقة لو قرأ مسرعا، ثم ينصرف من صلاته قبل الشروق بمدة، كما روى البخاري (541)، ومسلم (647) واللفظ له عن أبي بَرْزَةَ رضي الله عنه أنه سئل عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقَالَ: “وَكَانَ يُصَلِّي الصُّبْحَ فَيَنْصَرِفُ الرَّجُلُ فَيَنْظُرُ إِلَى وَجْهِ جَلِيسِهِ الَّذِي يَعْرِفُ فَيَعْرِفُهُ “، قَالَ: ” وَكَانَ يَقْرَأُ فِيهَا بِالسِّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ”.
والمقصود به هذا : أنه صلى الله عليه وسلم كان ينصرف من صلاة الفجر قبل انتشار الضوء، بل يكون ضوءًا ضعيفا، يكفي لأن يعرف الرجل جليسه فقط، أما من كان بعيدا عنه في المسجد فلا يعرفه، لضعف الضوء وانتشار الظلام .
2-تحريم استعمال التكنولوجيا والأدوية والمشروبات الباردة، والقول بأن من يستعملها يموت ميتة السّوء: كل ذلك كذب على الله، وتحريم لما أحل.
قال تعالى: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32) قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) الأعراف/32، 33.
وقال: (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) النحل/116، 117.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن حكم وضع مكبر الصوت في المنارة للتأذين به ؟
فأجاب : ” لا نرى بأساً بوضع مكبر الصوت الذي يسمى ( الميكرفون ) في المنارة للتأذين به ، وذلك لما يشتمل عليه من المصالح الكثيرة ، وسلامته من المحذور ، ويدل على ذلك أمور :
الأول : أنه مما خلق الله تعالى لنا في هذه الأرض ، وقد قال الله تعالى ممتناً على عباده بإباحته لهم جميع ما في الأرض ، وتسخيره لهم ما في السماوات والأرض ( هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) . وقال : (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ) . ولا ينبغي للعبد أن يرد نعمة الله عليه ، فيحرم نفسه منها بغير موجب شرعي ، فإن الله تعالى يقول : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) ، ويقول راداً على من يحللون ويحرمون بأهوائهم : ( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ) . ويقول ناهياً عن ذلك : ( وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ) .
وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قال كما ثبت عنه في صحيح مسلم في شأن البصل والكراث ” إنه ليس لي تحريم ما أحل الله ” ، فكيف يجوز لغيره أن يحرم ما أحل الله ؟!
فإن قال قائل : إن الميكرفون حرام .
قلنا له : ليس لك أن تحرم شيئاً إلا بدليل ، ولا دليل لك على تحريمه ، بل الدليل كما أثبتنا يدل على حله ، لأنه مما خلق الله لنا في الأرض ، وقد أحله لنا كما تفيده الآية السابقة ( هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) .
الثاني : أن من القواعد المقررة عند أهل العلم أن ” الأصل في الأعيان والمنافع الحل والإباحة إلا ما قام الدليل على تحريمه ” ، وهذه القاعدة مستمدة من نصوص الكتاب ، والسنة .
أما الكتاب:فمن قوله تعالى:( هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعا) .
وأما السنة فمن قوله صلى الله عليه وسلم : ” إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها ، وحد حدوداً فلا تعتدوها ، وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها ” وأخبر أن ” ما سكت عنه فهو عفو ” . والميكرفون مما خلق الله تعالى في الأرض ، وسكت عنه فيكون عفواً مباحاً ” انتهى من “مجموع فتاوى ابن عثيمين” (12/ 169).
3- والتداوي مشروع بنصوص كثيرة مشهورة. وينظر جواب السؤال رقم : (147231).
4-وقت الجمعة ينتهي بدخول وقت العصر إجماعا، ووقت العصر يدخل إذا صار ظلّ الشيء كطوله، أو كطوليه- على خلاف بين الجمهور والحنفية- فمن صلى الجمعة في وقت العصر، فلا جمعة له.
5-من قال: إن الحج لا يجوز في مكة لأنهم جعلوها مبنيّة بالإسمنت، فهو كافر، فإن الحج فريضة باقية إلى قرب قيام الساعة، وقد علم الله أن مكة والمسجد والحرام والكعبة كل ذلك سيبنى بالأسمنت، فلم يمنعنا من ذلك، ولم يحذرنا منه، فمن حرم الحج لذلك كان كافرا، لأنه حرم الفرض الذي فرضه الله ، بل جعله ركنا من أركان الإسلام .
وهذه الضلالات والخرافات-وغيرها كتكفير من يذهب للطبيب أو إلى المدرسة أو إلى الوظيفة وتكفير عامة من يأخذ بالأسباب- لا تروج إلا على ضعاف العقول ممن لا اطلاع له على القرآن والسنة، ولا شم رائحة العلم.
والنصيحة أن تستعينوا بأهل العلم في بلدكم، ليحاوروا أخاك ، ويبينوا له ضلال هذه المعتقدات وانحرافها بل اشتمالها على الكفر.
نسأل الله أن يهديه ويصلح حاله.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة