عندما يريد أحدهم أن يبارك لشخص ما بحمل زوجته يقول له : "أسأل الله تعالى أن يهب لكم مولوداً معافى تام الخِلقة"، أو عندما يُسألُ أحدهم ماذا يتمنى أن يكون جنس المولود الذي سيرزق به يقول – على سبيل المثال لا الحصر – "غير مهم جنسه، المهم أن يكون تام الخِلقة"، "نسأل الله أن نرزق بمولود خالٍ من العيوب الخَلقية – بفتح الخاء و تسكين اللام من كلمة الخَلقية –". فهل تجوز عبارة "تام الخِلقة، عيوب خَلقية " ؟ إذ كأنها تدل على أن الله سبحانه وتعالى لا يتقن الخَلقَ، وهو القائل (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم)؟
هل يجوز أن يقال: مولود تام الخلقة، أو مولد به عيوب خلقية؟
السؤال: 344142
ملخص الجواب
خلق الله الإنسان في أحسن صورة وهذا في أصل الإنسان وجنسه، فليس الناس كلهم على قدر واحد في حسن وتمام الخلقة، فمن الناس من يقدر الله لهم أن يلدوا بنقص لحكمة بالغة وقول الناس “العيوب الخلقية” لا يقصد به سوء الظن بالله تعالى، ولا سوء الأدب معه في النظر إلى خلقه وفعله سبحانه ؛ وإنما المقصود أن النقص الذي يقدره الله في خلقة العبد عادة يعاب به عند الناس إذا خالطهم وعاملهم.
Table Of Contents
أولا:
خلق الله الإنسان في أحسن تقويم
قال الله تعالى: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ التين/4.
قال الطبري رحمه الله تعالى:
" وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن معنى ذلك: لقد خلقنا الإنسان في أحسن صورة وأعدلها؛ لأن قوله: (أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) إنما هو نعت لمحذوف، وهو في تقويم أحسن تقويم، فكأنه قيل: لقد خلقناه في تقويم أحسن تقويم " انتهى من "تفسير الطبري" (24 / 513).
وقال ابن كثير رحمه الله تعالى:
" وقوله: ( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ).
وهو أنه تعالى خلق الإنسان في أحسن صورة، وشكل منتصب القامة، سوي الأعضاء حسنها " انتهى من "تفسير ابن كثير" (8 / 435).
قد يولد مولود غير تام الخِلقة لحكمة من الله
لكن هذا في أصل الإنسان وجنسه، فليس الناس كلهم على قدر واحد في حسن وتمام الخلقة، فمن الناس من يقدر الله لهم أن يلدوا بنقص لحكمة بالغة، كما في قول الله تعالى:
إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا الإنسان/2.
ونحن نعلم أن من الناس من يولد أصم أو أعمى.
فدعاء المسلم ربه أن يعافي مولوده من النقص في خلقته، لا يقصد بهذا سوء الظن بالله تعالى، وإنما لعلمه بتمام ملكه تعالى وأنه يخلق مايشاء سبحانه ويختار.
قال الله تعالى: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ القصص/68.
روى البخاري في "الأدب المفرد" (1256) عن كَثِير بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ: "كَانَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إِذَا وُلِدَ فِيهِمْ مَوْلُودٌ – يَعْنِي: فِي أَهْلِهَا – لَا تَسْأَلُ: غُلَامًا وَلَا جَارِيَةً، تَقُولُ: خُلِقَ سَوِيًّا؟ فَإِذَا قِيلَ: نَعَمْ، قَالَتِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" وحسنه الشيخ الألباني في "صحيح الأدب المفرد" (ص 485).
ثانيا:
حكم قول: العيوب الخلقية
قول الناس "العيوب الخلقية" لا يقصد به سوء الظن بالله تعالى، ولا سوء الأدب معه في النظر إلى خلقه وفعله سبحانه ؛ وإنما المقصود أن النقص الذي يقدره الله في خلقة العبد عادة يعاب به عند الناس إذا خالطهم وعاملهم.
ولذا نجد أهل العلم يصفون النقص الذي قدره الله تعالى في خلقة الحيوان أو الإنسان بالعيوب، كما في صفات الأضحية، أو في العيوب التي يفسخ بها النكاح ونحو هذا.
وسُئل الشيخ عبد الرحمن البراك:
" هل يجوزُ إطلاق لفظة "عيبٌ خَلْقِيٌّ" عندَما يُولَدُ الطِّفلُ وفيهِ تشوُّهٌ خَلْقِيٌّ أو خللٌ عضويٌّ؟
فأجاب : هذا إخبارٌ بالواقع، لا طعنٌ في الخالق، اللهُ تعالى يخلقُ ما يشاءُ كيفَ شاء؛ ( يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ ) آل عمران (6)، وهو يخلقُ الجميلَ والدَّميمَ وكاملَ الخلقِ وناقصَ الخلق، ( مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ ) الحج (5)، لا بأسَ، فيه عيبٌ خَلْقِيٌّ احترازٌ مِن العيب الخُلقيّ ، يعني مِن النَّاس مَن يكون عندَه عيبٌ في خلقِه، عنده .. عصبيٌّ عندَه بلادةٌ في سيرته وفي خلقه، وأحيانًا يكون العيبُ في خِلقتِه، نعم سهلٌ " انتهى من موقع الشيخ البراك
وسُئل الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله تعالى:
" ما حكم قول الناس عبارة عيوب خِلْقية؟
فأجاب لا بأس بذلك، فالمراد العيوب الظاهرة، كعور وعرج وشلل، وفقد سن أو إصبع وزيادتهما، وحدب وخرس ونحو ذلك، والمعنى أنها من خلق الله، موجودة فيه من أصل الخلقة.
ويقابلها العيوب الخُلُقية أي التي هي أخلاق وجبليات: كالغضب والحقد والحمق والكذب والظلم والعدوان ونحوها، فهذه لا يعذر فيها العبد، لأنه يقدر على حفظ نفسه " انتهى من موقع الشيخ ابن جبرين
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب