والدي سيء الأخلاق جدا، وبعد محاولات باءت بالفشل للصلح بين أمي وأبي، طلبت أمي الطلاق، ونحن لا نريد العيش مع أبي، وأمي ليس لديها عمل، وأبي لن ينفق علينا إن ذهبنا معها، كما يتضح من المواقف. فهل نحن مخيرون بالذهاب مع أمي؟ وهل نستطيع السفر لبلد أجنبي لطلب اللجوء دون علم أبي؛ لأنه ليس لدينا من يصرف علينا ؟ وهل يحق له أن يغضب علينا لهذا، أعمارنا أنا وإخوتي ٦،٩،١٤،١٥؟ الحياة مع أبي مستحيلة، وكنت أفكر بالانتحار للخلاص منه.
هل للأبناء حق اختيار الإقامة مع الأم عند الطلاق؟ والسفر مع الأم، دون علم الأب؟
السؤال: 344878
Table Of Contents
أولا:
حضانة الأطفال عند طلاق الوالدين
إذا حصل الطلاق، فإن حضانة من دون سبع للأم، ما لم تتزوج.
وأما من بلغ سبع سنين:
1 – فإن كان ذكرا، خير بين أبيه وأمه، فيكون عند من اختار، لما روى النسائي (3496) وأبو داود (2277) عن أبي هريرة قال: " سَمِعْتُ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا قَاعِدٌ عِنْدَهُ ، فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ زَوْجِي يُرِيدُ أَنْ يَذْهَبَ بِابْنِي، وَقَدْ سَقَانِي مِنْ بِئْرِ أَبِي عِنَبَةَ، وَقَدْ نَفَعَنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اسْتَهِمَا عَلَيْهِ ، فَقَالَ زَوْجُهَا مَنْ يُحَاقُّنِي فِي وَلَدِي ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هَذَا أَبُوكَ، وَهَذِهِ أُمُّكَ ، فَخُذْ بِيَدِ أَيِّهِمَا شِئْتَ ، فَأَخَذَ بِيَدِ أُمِّهِ، فَانْطَلَقَتْ بِهِ" والحديث صححه الألباني في "صحيح أبي داود".
وإلى هذا ذهب الحنابلة والشافعية.
2 – وإن كانت أنثى، فإنها تخير أيضا عند الشافعي رحمه الله.
وقال أبو حنيفة: الأم أحق بها إلى أن تُزوج الفتاة أو تحيض.
وقال مالك: الأم أحق بها إلى أن تُزوج ويدخل بها الزوج
وقال أحمد: الأب أحق بها؛ لأن الأب أولى بحفظها.
وينظر: "الموسوعة الفقهية" (17/ 314 – 317).
ثانيا:
يلزم الأب نفقه أولاده حتى لو كانوا في حضانة الأم
يلزم الأب نفقة أولاده، سواء كانوا في حضانة الأم أو غيرها.
وهذه النفقة واجبة للأولاد ولو كانوا بالغين راشدين، ما داموا فقراء. وهذا مذهب أحمد.
قال في "الإنصاف" (9/ 289): "شمل قوله : ( وأولاده وإن سفلوا ) : الأولاد الكبار الأصحاء الأقوياء، إذا كانوا فقراء، وهو صحيح. وهو من مفردات المذهب" انتهى.
وقال أبو حينفة: ينفق على الغلام حتى يبلغ، فإذا بلغ صحيحا : انقطعت نفقته، ولا تسقط نفقة الجارية حتى تتزوج، ونحوه قاله مالك إلا أنه قال ينفق على النساء حتى يتزوجن ويدخل بهن الأزواج.
ثالثا:
السن الذي تنتهي عنده الحضانة
تنتهي الحضانة ببلوغ الطفل ورشده، فحينئذ يكون مع من شاء من أبويه، وله الانفراد عنهما إذا كان ذكرا.
وأما الأنثى فلأبيها منعها من الانفراد.
قال ابن قدامة رحمه الله: " ولا تثبت الحضانة إلا على الطفل، أو المعتوه .
فأما البالغ الرشيد، فلا حضانة عليه، وإليه الخيرة في الإقامة عند من شاء من أبويه .
فإن كان رجلا، فله الانفراد بنفسه، لاستغنائه عنهما، ويستحب أن لا ينفرد عنهما، ولا يقطع بره عنهما.
وإن كانت جارية لم يكن لها الانفراد، ولأبيها منعها منه؛ لأنه لا يؤمن أن يدخل عليها من يفسدها، ويلحق العار بها وبأهلها ، وإن لم يكن لها أب : فلوليها وأهلها منعها من ذلك " انتهى من "المغني" (8/ 191).
وعليه ؛ فليس لكن السفر واللجوء وحدكن ، ولو كان بعضكن قد بلغ ورشد، وللأب أن يمنعكن، بل يلزمه منعكُنَّ، ولا يجوز لكُنَّ مخالفته في ذلك.
وأما إذا كنتن مع والدتكنّ، وأرادت السفر، فإن الأم تسقط حضانتها بذلك، عمن يستحق الحضانة- وهو من لم يبلغ- وتنتقل الحضانة لمن بعدها، وهي أم الأم، أو الأب، على خلاف بين الفقهاء، فإن رضيا بسفر الأولاد مع أمهم فلا حرج.
والخلاصة هنا:
أن سفر البنات أو انفرادهن في المعيشة عن الأبوين لا يجوز، ولو كن بالغات راشدات.
وأن للبالغات السفر مع الأم.
وأما غير البالغات فلا يسافرن مع الأم إلا برضى من له حق الحضانة بعد الأم.
رابعا:
على المؤمن أن يصبر ويرضى بقدر الله، ويعلم أن الحياة مليئة بالابتلاءات، وربما كان بلاؤه أخف من بلاء غيره بكثير، فلا يسخط ولا يجزع، وليبشر حينئذ بالفرج؛ فإن مع العسر يسرا، وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ البقرة/155- 157.
وروى الترمذي (2396)، وابن ماجه (4031) عَنْ أنس رضي الله عنه عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا ، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ وصححه الألباني في "صحيح الترمذي".
وأما الانتحار فلا يفكر فيه المؤمن، ولن ينفعه شيئا، بل يخسر به الدنيا والآخرة، نسأل الله العافية.
قال تعالى: وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا. وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا النساء/29، 30.
وروى البخاري (5442)، ومسلم (109) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا.
وعن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ في الدُّنْيَا عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رواه البخاري (5700)، ومسلم (110).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " ويؤخذ منه أن جناية الإنسان على نفسه كجنايته على غيره في الإثم؛ لأن نفسه ليست ملكا له مطلقا ، بل هي لله تعالى ؛ فلا يتصرف فيها إلا بما أذن له فيه" انتهى من "فتح الباري" (11/ 539).
نسأل الله أن يصلح والدكم وأن ييسر أمركم ويفرج كربكم.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب