أريد أن أعرف مدى صحة هذا الحديث ( اقرؤوا القران فإن الله تعالى لا يعذب قلبا وعى القرآن، وإن هذا القرآن هو مأدبة الله، فمن دخل فيه فهو آمن، ومن أحب القرآن فليبشر) .
ما صحة حديث “اقرؤوا فإن الله تعالى لا يعذب قلبا وعى القران…”
السؤال: 348779
ملخص الجواب
حديث : ( اقرؤوا القران فإن الله تعالى لا يعذب قلبا وعى القرآن، وإن هذا القرآن هو مأدبة الله، فمن دخل فيه فهو آمن، ومن أحب القرآن فليبشر ) لم يرو بهذا السياق في حديث أو أثر واحد، وإنما هو مجمع من عدة آثار، جُمعت في سياق واحد على أنها حديث مرفوع، وليس كذلك، ولكن صح موقوفاً عن أبي أمامة الجملة الأولى، وصح عن عبد الله بن مسعود بقيته. وينظر تفصيل ذلك في الجواب المطول
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
فإن هذا المتن المذكور في السؤال أورده الإمام النووي في “التبيان في آداب حملة القرآن” (ص20)، فقال: (وروى الدارمي بإسناده عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: قال اقرؤوا القرآن فإن الله تعالى لا يعذب قلبا وعى القرآن، وإن هذا القرآن مأدبة الله فمن دخل فيه فهو آمن، ومن أحب القرآن فليبشر).
ولم نقف على الحديث بهذا السياق، وإنما ورد في هذا المعنى ثلاثة آثار، جُمعت في سياق واحد على أنها حديث مرفوع، وليس كذلك، وبيان ذلك كما يلي:
أما الجملة الأولى، وهي: (اقْرَءُوا الْقُرْآنَ، وَلَا تغُرَّنَّكُمْ هَذِهِ الْمَصَاحِفُ الْمُعَلَّقَةُ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ قَلْبًا وَعَى الْقُرْآنَ) .
فقد رويت من طريق أبي أمامة رضي الله عنه، مرفوعا، وموقوفا، ولا يصح عنه إلا موقوفا.
أما المرفوع،
فقد أخرجه تمام في “الفوائد” (1690)، من طريق مَسْلَمَة بْن عُلَيٍّ، قال ثنا حَرِيزُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (اقْرَءُوا الْقُرْآنَ؛ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يُعَذِّبُ قَلْبًا وَعَى الْقُرْآنَ).
وهذا لا يصح، وعلته:” مسلمة بن علي الخشني” متروك.
قال الذهبي في “ميزان الاعتدال” (4/109):” شامي واه.. تركوه، قال دحيم: ليس بشيء، وقال أبو حاتم: لا يشتغل به، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال النسائي: متروك، وقال ابن عدى: عامة أحاديثه غير محفوظة.” أ.هـ
وهذا الطريق قال عنه الشيخ الألباني في “السلسلة الضعيفة” (2865): “ضعيف جدا.” أ.هـ
وأما الموقوف:
فأخرجه البخاري في “خلق أفعال العباد” (ص87)، والدارمي في “سننه” (3363)، من طريق عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، قَالَ:(اقْرَءُوا الْقُرْآنَ، وَلَا تغُرَّنَّكُمْ هَذِهِ الْمَصَاحِفُ الْمُعَلَّقَةُ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ قَلْبًا وَعَى الْقُرْآنَ).
وهذا الطريق فيه:” عبد الله بن صالح “، كاتب الليث، حسن الحديث ما لم يخالف أو ينفرد، فإن له مناكير.
ترجم له الذهبي في “من تُكلم فيه وهو موثق” (186)، فقال: “صالح الحديث، له مناكير، روى عنه ابن معين، والبخاري” وقال أبو زرعة: “حسن الحديث” وقال ابن عدي: “هو عندي مستقيم الحديث، وله أغاليط” قلت: فلتجتنب مناكيره.” أ.هـ
وقال ابن حجر في “التقريب” (3388):” صدوق كثير الغلط، ثبت في كتابه، وكانت فيه غفلة.” أهـ
وهو هنا لم ينفرد، بل توبع.
حيث إن الأثر أخرجه ابن أبي شيبة في “مصنفه” (30079)، وابن بطة في “الإبانة” (172)، من طريق حريز بن عثمان، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ شُرَحْبِيلَ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ به.
وإسناده ثقات مشهورون، إلا سليمان بن شرحبيل، من شيوخ حريز بن عثمان، وقد قال أبو داود كما في “تهذيب الكمال” (12/372):” شيوخ حريز بن عثمان كلهم ثقات.” أ.هـ
وقد صحح إسناد الموقوف الحافظ ابن حجر في “فتح الباري” (9/79).
والجملة الثانية: وهي قوله: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ مَأْدُبَةُ اللَّهِ، فَمَنْ دَخَلَ فِيهِ فَهُوَ آمِنٌ).
فقد رويت بإسناد صحيح عن عبد الله بن مسعود من قوله موقوفا عليه، ورويت عنه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولا تصح، وبيان ذلك كما يلي:
هذا الأثر يرويه أبو الأحوص عن عبد الله بن مسعود، ورواه عن أبي الأحوص ثلاثة: (أبو إسحاق إبراهيم الهجري، عبد الملك بن ميسرة، أبو الزعراء).
أما أبو إسحاق إبراهيم الهجري فقد اختلف عليه، فرواه عنه أبو معاوية كما في “المصنف” لابن أبي شيبة (30630)، وصالح بن عمر كما في “المستدرك” للحاكم (2040)، ومحمد بن عمرو بن علقمة، كما في “الرد على من يقول ألم حرف” لابن منده (11)، ومحمد بن عجلان كما في “السنن الصغير” للبيهقي (943)، جميعا عن أبي إسحاق إبراهيم الهجري، عن أبي الأحوص، عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ مَأْدُبَةُ اللَّهِ فَاقْبَلُوا مِنْ مَأْدُبَتِهِ مَا اسْتَطَعْتُمْ، إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ حَبْلُ اللَّهِ، وَالنُّورُ الْمُبِينُ، وَالشِّفَاءُ النَّافِعُ عِصْمَةٌ لِمَنْ تَمَسَّكَ بِهِ، وَنَجَاةٌ لِمَنْ تَبِعَهُ، لَا يَزِيغُ فَيُسْتَعْتَبَ، وَلَا يَعْوَجُّ فَيُقَوَّمُ، وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ، وَلَا يَخْلَقُ مِنْ كَثْرَةِ الرَّدِّ، اتْلُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْجُرُكُمْ عَلَى تِلَاوَتِهِ كُلَّ حَرْفٍ عَشْرَ حَسَنَاتٍ، أَمَا إِنِّي لَا أَقُولُ الم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ وَلَامٌ وَمِيمٌ)
وخالفهم الجماعة، فرووه على الوقف، حيث:
أخرجه عبد الرزاق في “مصنفه” (6017)، من طريق ابن عيينة، والدارمي في “سننه” (3358)، من طريق جعفر بن عون،، وعبد الرزاق في “مصنفه” (5998)، من طريق معمر، والفريابي في “فضائل القرآن” (38) من طريق زكريا بن أبي زائدة، والدارمي في “سننه” (3350) من طريق أبي سنان، وسعيد بن منصور في “التفسير” (7)، من طريق أبي شهاب، جميعا عن أبي إسحاق إبراهيم الهجري، عن أبي الأحوص، عن ابن مسعود، موقوفا عليه.
وفي بعض ألفاظه: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ مَأْدُبَةُ اللَّهِ، فَمَنْ دَخَلَ فِيهِ فَهُوَ آمِنٌ).
وفي بعضها: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ مَأْدُبَةُ اللَّهِ، فَخُذُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنِّي لَا أَعْلَمُ شَيْئًا أَصْفَرَ مِنْ خَيْرٍ، مِنْ بَيْتٍ لَيْسَ فِيهِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ شَيْءٌ. وَإِنَّ الْقَلْبَ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ شَيْءٌ، خَرِبٌ كَخَرَابِ الْبَيْتِ الَّذِي لَا سَاكِنَ لَهُ).
وهذا الاختلاف ليس من الرواة عن إبراهيم الهجري، وإنما منه هو، فإنه مُتكلم في حفظه، وضعفه بعضهم مطلقا، ومما عيب عليه أنه كان رفاعا للحديث، أي يرفع الموقوفات.
قال ابن معين: إبراهيم الهجري ليس بشيء، وقال أبو حاتم: ليس بقوي لين الحديث “. انتهى من “الجرح والتعديل” لابن أبي حاتم (2/132)، وضعفه ابن سعد في “الطبقات” (6/341)، والنسائي في “الضعفاء والمتروكون” (6).
ونقل ابن حجر في “تهذيب التهذيب” (1/144) عن الإمام أحمد، والبزار، والفسوي، والأزدي، أنه كان رفاعا، أي يرفع الموقوفات.
ثم إن سفيان بن عيينة قد ميز المرفوع من الموقوف في روايته عنه، فقد روى ابن عدي في “الكامل” (1/346) عن سفيان أنه قال: “أتيت إبراهيم الهجري فدفع إلي عامة حديثه، فرحمت الشيخ فأصلحت له كتابه، فقلت: هذا عن عَبد اللَّه، وهذا عن النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذا عن عُمَر).
وقد علق ابن حجر في “تهذيب التهذيب” (1/165) على ذلك فقال:” القصة المتقدمة عن ابن عيينة تقتضي أن حديثه عنه صحيح، لأنه إنما عيب عليه رفعه أحاديث موقوفة، وابن عيينة ذكر أنه ميز حديث عبد الله من حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم “. اهـ
وقد رواه على الوقف عبد الملك بن ميسرة، وأبو الزعراء، وكلاهما ثقتان.
وأما رواية عبد الملك بن ميسرة، فقد أخرجها الدارمي في “سننه” (3365)، وابن أبي شيبة في “مصنفه” (30634)، من طريق شعبة، عن عبد الملك بن ميسرة، عن أبي الأحوص، عن ابن مسعود، موقوفا عليه.
وأما رواية أبي الزعراء، فأخرجها البزار في “مسنده” (2055)، عن أبي الزعراء، عن أبي الأحوص، عن ابن مسعود، موقوفا عليه أيضا.
وقال ابن كثير في “فضائل القرآن” (ص48):” يحتمل – والله أعلم – أن يكون وَهِمَ في رفع هذا الحديث، وإنما هو من كلام ابن مسعود ” انتهى.
فمما سبق يتبين أن الصواب في الحديث أنه: عن ابن مسعود موقوفا، لا مرفوعا.
وأما الجملة الثالثة: (مَنْ أَحَبَّ الْقُرْآنَ فَلْيُبْشِرْ)
فقد رويت عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، بإسناد صحيح، موقوفا عليه. أخرجه الدارمي في “سننه” (3366)، وأبو إسحاق الختلي في “المحبة” (199)، من طريق إبراهيم النخعي، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد الله بن مسعود، قال:(مَنْ أَحَبَّ الْقُرْآنَ فَلْيُبْشِرْ).
وخلاصة ما سبق: أنَّ ما أورده السائل لم يرو بهذا السياق في حديث أو أثر واحد، وإنما هو مجمع من عدة آثار، صحت عن أبي أمامة الجملة الأولى، وصح عن عبد الله بن مسعود بقيته.
والله أعلم
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب