قصة يرويها الدعاة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جلد ابن عمرو بن العاص لشربه الخمر إلى أن مات، وقبل موته قال له عمر: أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عمر يقيم الحدود، فما صحتها؟
تأديب عمر بن الخطاب رضي الله لابنه، بسبب الخمر
السؤال: 350724
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
الخبر لا يصح بهذا السياق، بل الثابت منه: أنه كان لعمر بن الخطاب رضي الله عنه ولد اسمه عبد الرحمن، وكان في مصر تحت إمارة عمرو بن العاص، فشرب عبد الرحمن خمرا، فطلب من الأمير عمرو بن العاص أن يقيم عليه الحد، فأقامه عليه، فسمع عمر رضي الله عنه بالحادثة، فطلب ابنه فأتى إلى المدينة فأدّبه، فمات بعد زمن قريب، فظن الناس أن موته بسبب هذا التأديب.
قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى:
” قال ابن عمر: فزعم الناس أنه مات من ضرب عمر، ولم يمت من ضربه.
قال أبو عمر: جاء عن الشعبي عن يحيى بن أبي كثير، وهو شيء منقطع، أن عمر ضرب ابنه حدا، فأتاه وهو يموت، فقال: يا أبتي قتلتني. فقال له: إذا لاقيت ربك، فأخبره أن عمر يقيم الحدود.
وليس في هذا الخبر ما يقطع به على موته لو صح، وحديث ابن عمر أصح ” انتهى من “الاستذكار” (24 /264).
وقال في كتابه “الاستيعاب” (2/842):
” وعبد الرحمن بن عمر الأوسط، هو أبو شحمة، هو الذي ضربه عمرو بن العاص بمصر في الخمر، ثم حمله إلى المدينة، فضربه أبوه أدب الوالد، ثم مرض ومات بعد شهر، هكذا يرويه معمر عن الزهري، عن سالم، عن أبيه.
وأما أهل العراق فيقولون: إنه مات تحت سياط عمر، وذلك غلط ” انتهى.
وحديث ابن عمر الصحيح الذي أشار إليه ابن عبد البر، هو ما رواه عبد الرزاق في “المصنف” (9 / 232)، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: “شَرِبَ أَخِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ، وَشَرِبَ مَعَهُ أَبُو سِرْوَعَةَ عُقْبَةُ بْنُ الْحَارِثِ، وَهُمَا بِمِصْرَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ، فَسَكِرَا، فَلَمَّا أَصْبَحَا انْطَلَقَا إِلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَهُوَ أَمِيرُ مِصْرَ، فَقَالَا: طَهِّرْنَا فَإِنَّا قَدْ سَكِرْنَا مِنْ شَرَابٍ شَرِبْنَاهُ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَذَكَرَ لِي أَخِي أَنَّهُ سَكِرَ، فَقُلْتُ: ادْخُلِ الدَّارَ أُطَهِّرْكَ، وَلَمْ أَشْعُرْ أَنَّهُمْا أَتَيَا عَمْرًا، فَأَخْبَرَنِي أَخِي أَنَّهُ قَدْ أَخْبَرَ الْأَمِيرَ بِذَلِكَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَا يَحْلِقُ الْقَوْمُ عَلَى رُءوسِ النَّاسِ ادْخُلِ الدَّارَ أَحْلِقْكَ، وَكَانُوا إِذْ ذَاكَ يَحْلِقُونَ مَعَ الْحُدُودِ، فَدَخَلَ الدَّارَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَحَلَقْتُ أَخِي بِيَدِي، ثُمَّ جَلَدَهُمْ عَمْرٌو.
فَسَمِعَ بِذَلِكَ عُمَرُ، فَكَتَبَ إِلَى عَمْرٍو: أَنِ ابْعِثْ إِلَيَّ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ عَلَى قَتَبٍ فَفَعَلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى عُمَرَ جَلَدَهُ، وَعَاقَبَهُ لِمَكَانِهِ مِنْهُ، ثُمَّ أَرْسَلَهُ، فَلِبَثَ شَهْرًا صَحِيحًا، ثُمَّ أَصَابَهُ قَدَرُهُ فَمَاتَ. فَيَحْسِبُ عَامَّةُ النَّاسِ أَنَّمَا مَاتَ مِنْ جَلْدِ عُمَرَ، وَلَمْ يَمُتْ مِنْ جَلْدِ عَمروٍ”.
وهذا الخبر رجاله ثقات، نص على صحته عدد من أهل العلم، كالحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في كتابه ” الإصابة” (8/63).
فهذا هو الصحيح من هذه القصة، وليس ما ورد في السؤال.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب