إنّها حقيقة أنّ الله وحده يعلم الغيب، لكنّي في حيرة من أمري أنّ بعض الناس يرون أشياء تحدث في الأحلام ثم تتحقّق لاحقًا، أو يرى البعض الجنّة والنّار في الأحلام … الخ، فآمل توضيح الأمر.
هل رؤية أمور من الغيب في المنام يعارض أن علم الغيب لله وحده؟
السؤال: 351838
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
الغيب الحقيقي لا يعلمه إلا الله تعالى، لكنه يطلع بعض عباده على شيء من الغيب إما عن طريق الملك، وإما عن طريق الرؤيا الصادقة، وإما عن طريق الإلهام والتحديث، وإما بكلامه المباشر له.
قال تعالى: يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ البقرة/255.
وقال تعالى: عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ الجن/26، 27.
1-فمن الغيب الذي علمه الله أنبياءه عن طريق الملك: علم ما سيكون من أشراط الساعة، وصفة الحشر والحساب، والصراط، وعلم كثير من أخبار الجنة والنار.
2-ومن الغيب الذي يعلمه الله عباده عن طريق الرؤيا الصادقة: أن يرى الإنسان ما سيقع له أو لغيره في المستقبل، فيقع كما يرى، فقد يرى أن فلانا سيموت، أو سيتزوج من فلانة، أو سيولد له، أو غير ذلك.
فهذا من الغيب الذي يكشفه الله لبعض عباده، ولهذا كانت الرؤيا الصالحة جزءا من النبوة.
روى البخاري (6989) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ .
ورواه مسلم (8) من حديث أبي هريرة.
ومعنى كون الرؤيا الصالحة جزءا من أجزاء النبوة: "أن لفظ النبوة مأخوذ من النبأ والإنباء، وهو الإعلام فى اللغة، والمعنى أن الرؤيا إنباء صادق من الله، لا كذب فيه ، كما أن معنى النبوة الإنباء الصادق من الله الذي لا يجوز عليه الكذب، فشابهت الرؤيا النبوة في صدق الخبر عن الغيب" "شرح صحيح البخاري" لابن بطال (9/ 517).
فمن رأى في منامه شيئا من الغيب المستقبل، ثم وقع كما رآه، فقد منّ الله عليه بشيء من الغيب الذي لا يعمله إلا هو سبحانه وأخبر أنه يُطلع بعض عباده عليه.
3-وقد يطلع الله عبده على شيء من الغيب بالتحديث والإلهام، كما روى البخاري (3469) ومسلم (2398) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِنَّهُ قَدْ كَانَ فِيمَا مَضَى قَبْلَكُمْ مِنْ الْأُمَمِ مُحَدَّثُونَ ، وَإِنَّهُ إِنْ كَانَ فِي أُمَّتِي هَذِهِ مِنْهُمْ فَإِنَّهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ .
قال ابن وهب : تفسير محدثون : ملهمون.
وفي رواية للبخاري تعليقا(3689) لَقَدْ كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ رِجَالٌ يُكَلَّمُونَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ ؛ فَإِنْ يَكُنْ مِنْ أُمَّتِي مِنْهُمْ أَحَدٌ فَعُمَرُ .
قال الخطابي رحمه الله: "فإن كان في أُمتي منهم فإنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه: المُحدِّث الملهم يُلقى الشيءُ في رُوعه, فكأنه قد حُدِّث به؛ يظن فيصيب، ويخطر الشيء بباله فيكون كذلك. وهو منزلة جليلة من منازل الأولياء، ومرتبة عظيمة من مراتب الأصفياء" انتهى من "أعلام الحديث" (3/ 1571).
ومن ذلك ما ألهمه الله لأم موسى عليه السلام : أن تلقيه في اليم ، وأنه سينجو ويكون من المرسلين، وقد سمى الله هذا الإلهام وحيا، فقال: وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ القصص/7.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فهذا الوحي يكون لغير الأنبياء، ويكون يقظة ومناما، وقد يكون بصوت هاتف، يكون الصوت في نفس الإنسان، ليس خارجا عن نفسه، يقظة ومناما" انتهى من "مجموع الفتاوى" (12/ 398).
4-وقد يطلع الله رسوله على الغيب بكلامه المباشر له، كما حصل لجماعة من الأنبياء، ومنهم نبينا صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج.
قال الله تعالى: وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ الشورى/51.
فهذه أربعة طرق يطلع الله بعض عباده بها على الغيب، منها الرؤيا، فيرى أمرا مستقبلا، فيقع كما رأى، أو يطلعه الله على الجنة، أو على النار.
وفي آخر الزمان تكثر الرؤى الصادقة، فتكون من المبشرات، وصدقها دليل على صدق صاحبها، كما روى أحمد (10590)، وأبو داود (5019)، والترمذي (2270)، وابن ماجه (3917) عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ، لَمْ تَكَدْ رُؤْيَا الْمُسْلِمِ تَكْذِبُ، وَأَصْدَقُهُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُهُمْ حَدِيثًا، وَرُؤْيَا الْمُسْلِمِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ قَالَ: وَقَالَ: الرُّؤْيَا ثَلَاثَةٌ: فَالرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ بُشْرَى مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالرُّؤْيَا تَحْزِينٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَالرُّؤْيَا مِنَ الشَّيْءِ يُحَدِّثُ بِهِ الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ، فَلَا يُحَدِّثْهُ أَحَدًا، وَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ وصححه الألباني وشعيب الأرنؤوط وقال: على شرط الشيخين.
رزقنا الله وإياك صدق الرؤيا.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب