هل من كان بإمكانه السؤال عن فعل كيفية حكم شيء، ثم لم يفعل تقوم عيله الحجة، فمثلا إذا شك أن أمرا ما معصية، ثم لم يسأل عن حكمه، هل هو عليه أثم إذا فعل ذلك الأمر، وذلك الأمر من المعاصي، وإذا أمكن ذكر أقوال العلماء في ذلك مع ذكر الترجيح، إذا لم يكن في الأمر إجماعا؟
ما حكم الإقدام على الفعل قبل السؤال عن حكمه؟
السؤال: 357385
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
الواجب على المسلم أن يتعلم قبل أن يعمل، فلا يجوز أن يقدم على أمر وهو يجهل حكمه ، ويتأكد ذلك إذا حصل عنده شك : هل هو معصية أم لا ؟
قال الله تعالى:
(وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) الإسراء 36.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى:
" نهى جل وعلا في هذه الآية الكريمة عن اتباع الإنسان ما ليس له به علم …. ويدخل فيه كل قول بلا علم، وأن يعمل الإنسان بما لا يعلم، وقد أشار جل وعلا إلى هذا المعنى في آيات أخر " انتهى من "أضواء البيان" (3/682).
وقال الإمام البخاري، رحمه الله في "صحيحه":
" بَابٌ: الْعِلْمُ قَبْلَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ؛ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللهُ فَبَدَأَ بِالْعِلْمِ.
وَأَنَّ الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، وَرَّثُوا الْعِلْمَ؛ مَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ، وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ بِهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ.
وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ، وَقَالَ: وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ، وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ، وَقَالَ: هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ.
وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَهِّمْهُ فِي الدِّينِ ) ( وَإِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ ). وَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: لَوْ وَضَعْتُمُ الصَّمْصَامَةَ عَلَى هَذِهِ، وَأَشَارَ إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ ظَنَنْتُ أَنِّي أُنْفِذُ كَلِمَةً سَمِعْتُهَا مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أَنْ تُجِيزُوا عَلَيَّ: لَأَنْفَذْتُهَا.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُونُوا رَبَّانِيِّينَ: حُلَمَاءَ، فُقَهَاءَ.
وَيُقَالُ: الرَّبَّانِيُّ الَّذِي يُرَبِّي النَّاسَ بِصِغَارِ الْعِلْمِ قَبْلَ كِبَارِهِ" انتهى، من "صحيح البخاري" (1/24).
وروى ابن ماجه (224) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ).
روى ابن عبد البر رحمه الله تعالى:
" عن إسحاق بن راهويه يقول: " طلب العلم واجب، ولم يصح فيه الخبر؛ إلا أن معناه: أن يلزمه طلب علم ما يحتاج إليه من وضوئه وصلاته وزكاته إن كان له مال، وكذلك الحج وغيره… ".
قال أبو عمر: يريد إسحاق، والله أعلم، أن الحديث في وجوب طلب العلم في أسانيده مقال لأهل العلم بالنقل، ولكن معناه صحيح عندهم …
– ثم روى بإسناده – عن علي بن الحسن بن شقيق قال: قلت لابن المبارك: ما الذي لا يسع المؤمن من تعليم العلم إلا أن يطلبه؟ وما الذي يجب عليه أن يتعلمه قال: لا يسعه أن يقدم على شيء إلا بعلم ، ولا يسعه حتى يسأل " انتهى من "جامع بيان العلم وفضله" (1 / 52 – 56).
وهذا أمر متفق عليه بين أهل العلم.
قال القرافي رحمه الله تعالى:
" الغزالي حكى الإجماع في "إحياء علوم الدين"، والشافعي في "رسالته" حكاه أيضا: في أن المكلف لا يجوز له أن يقدم على فعل حتى يعلم حكم الله فيه، فمن باع وجب عليه أن يتعلم ما عيّنه الله وشرعه في البيع، ومن آجر وجب عليه أن يتعلم ما شرعه الله تعالى في الإجارة، ومن قارض وجب عليه أن يتعلم حكم الله تعالى في القراض، ومن صلى وجب عليه أن يتعلم حكم الله تعالى في تلك الصلاة، وكذلك الطهارة، وجميع الأقوال والأعمال " انتهى. "الفروق" (2 / 275).
وروى البخاري (2964) عن عَبْد اللَّهِ بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قال:
(… وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَنْ يَزَالَ بِخَيْرٍ مَا اتَّقَى اللَّهَ، وَإِذَا شَكَّ فِي نَفْسِهِ شَيْءٌ سَأَلَ رَجُلًا، فَشَفَاهُ مِنْهُ…).
قال ابن الملقن رحمه الله تعالى:
" وقوله: (إذا شك في نفسه سأل رجلاً فشفاه منه). يقول: من تقوى الله ألا يتقدم فيما يشك منه حَتَّى يسأل من عنده علم من ذلك فيدله على ما فيه شفاؤه منه " انتهى من "التوضيح" (18 / 81).
وقال الشاطبي، رحمه الله: " المقلد إذا عرضت له مسألة دينية؛ فلا يسعه في الدين إلا السؤال عنها، على الجملة؛ لأن الله لم يتعبد الخلق بالجهل، وإنما تعبدهم على متضى قوله سبحانه: واتقوا الله ويعلمكم الله [البقرة: 282]، لا على ما يفهمه كثير من الناس، بل على ما قرره الأئمة في صناعة النحو، أي: إن الله يعلمكم على كل حال، فاتقوه؛ فكأن الثاني سبب في الأول؛ فترتب الأمر بالتقوى، على حصول التعليم ترتبا معنويا، وهو يقتضي تقدم العلم على العمل.
والأدلة على هذا المعنى كثيرة، وهي قضية لا نزاع فيها؛ فلا فائدة في التطويل فيها" انتهى، من "الموافقات" (5/283).
ثانيا:
من كان يلزمه السؤال والتعلم، إذا ترك الاستفسار عما يشك فيه من أمر دينه إهمالا وتكاسلا، واتباعا لهواه: فلا شك أنه مفرّط في أمر دينه، معرّض نفسه للعقاب.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
" المتمكن من السؤال وطلب الهداية، ومعرفة الحق، ولكن يترك ذلك اشتغالا بدنياه ورياسته، ولذته ومعاشه وغير ذلك، فهذا مفرط مستحق للوعيد، آثم بترك ما وجب عليه من تقوى الله بحسب استطاعته، فهذا حكمه حكم أمثاله من تاركي بعض الواجبات " انتهى من "الطرق الحكمية" (1 / 465).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
" والواجب على الإنسان أن لا يؤخر السؤال سؤال أهل العلم؛ لأنه كلما أخّر السؤال ازداد إثما، لقوله تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)…
فالواجب على الإنسان أن يسأل أولا قبل أن يفعل، فإن قدِّر أن فعل ثم حصل عنده شك، فالواجب المبادرة بالسؤال " انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (8 /315).
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب