من الشبه التي لم أجد عليها ردًا؛ هي شبهة الاحاديث الجنسية المروية عن السيدة عائشة، مثل: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يباشرني وأنا حائض، وكان يخرج رأسه من المسجد وهو معتكف، فأغسله وأنا حائض)
و( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلني وهو صائم، وأيكم يملك إربه؟ كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يملك إربه؟ )
و(اذا الْتَقَى الْخِتَانَانِ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ، فَعَلْتُهُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ، فَاغْتَسَلْنَا ) وغيرها من الروايات الكثيرة المروية عن عائشة، فأعداء الإسلام وخصوصًا الرافضة يطعنون بشرف عائشة رضي الله عنها لأن حسب زعمهم هذه الروايات لا يجوز أن تقولها هي وتحدث الصحابة بها فحسب زعمهم أن هذه الروايات خادشة للحياء ومخجلة
وانا حقيقةً أحب أن اعرف الرد على هذه الشبهة
وإن قلتم قالتها للتعليم فلماذا لا النبي يعلمهم هذه المسائل بنفسه لماذا امرأته تعلم وتحدثهم هكذا احاديث مثلًا قولها ” فعلته انا ورسول الله فاغتسلنا ”
ففي نفسي شيئًا من صدور هكذا أقوال عن السيدة عائشة وأشك بصدورها حقيقةً وإن كانت للتعليم فالتعليم في هكذا مسائل وخصوصًا تختص بالجنس لا يعقل أن امرأة تعلمهم!
فلا يعقل أن السيدة عائشة تذكر أفعالها مع النبي للصحابة
شبهة حول أحاديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها المتعلقة بالعشرة الزوجية
السؤال: 358524
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، هي ممن ثبت فضلها وتقواها وعلمها، وأنها شديدة الاتباع للنبي صلى الله عليه وسلم، وكانت أعلم منا وألزم منا بمعالي الأخلاق، فتحدثها بمعاشرة النبي صلى الله عليه وسلم لها، يجب أن نفهمه على ضوء شخصيتها رضي الله عنها، وليس على حسب المزاج والهوى.
فهذه النصوص التي أشرت إليها غايتها أن تكون من الأمور المشتبهة، والمسلم يجب أن يرجع ما اشتبه عليه إلى النصوص المحكمة، فيتبيّن له وجه الصواب، ولا يكتفي بالنظر إلى محل الشبهة حتى لا يكذّب بحق أو يعمل بباطل.
فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: تَلاَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الآيَةَ: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ … ).
قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( فَإِذَا رَأَيْتِ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكِ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ فَاحْذَرُوهُمْ ) رواه البخاري (4547) ومسلم (2665).
وإذا رجعنا إلى النصوص المحكمة في تحدث الشخص بما يستحى منه عادة لقصد مصلحة مطلوبة شرعا، نجد أن هذا ليس مذموما.
فقد قال الله تعالى:
( وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ) الأحزاب (53).
وقد استند الصحابة رضوان الله عليهم إلى هذا النص وأقرهم النبي صلى الله عليه وسلّم.
عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: ( جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحِي مِنَ الحَقِّ، فَهَلْ عَلَى المَرْأَةِ غُسْلٌ إِذَا احْتَلَمَتْ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، إِذَا رَأَتِ المَاءَ ) رواه البخاري (6121) ومسلم (313).
وبوّب عليه الإمام البخاري، فقال: “بَابُ مَا لاَ يُسْتَحْيَا مِنَ الحَقِّ لِلتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ”.
قال ابن بطال رحمه الله تعالى:
” وفى قول أم سليم: ( إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحِي مِنَ الحَقِّ )، أنه يلزم كل من جهل شيئًا من دينه أن يسأل عنه العالمين به، وأنه محمود بذلك، ألا ترى قول عائشة، رضى الله عنها: ( نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الأَنْصَارِ لَمْ يَمْنَعْهُنَّ الحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ ). وإنما يكون الحياء فيما تجد المرأة من ذكره بدّا، وأما ما يلزم السؤال عنه، فلا حياء فيه ” انتهى. “شرح صحيح البخاري” (1 / 397).
وقال ابن الملقّن رحمه الله تعالى:
” وقولها: (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحِي مِنَ الحَقِّ): يدل أنه لا يجوز الحياء عن السؤال في أمر الدين، وجميع الحقائق التي يعبد الله سبحانه عبادة بها، وأن الحياء في ذلك مذموم ” انتهى. “التوضيح” (28 / 500).
وإذا كان الجاهل لا يعذر في ترك السؤال بداعي الحياء، فالعالم أولى أن لا يعذر في كتم علمه بداعي الحياء.
وإذا كان مثل هذا التحدث ليس مذموما شرعا، فهو أيضا ليس مذموما في الفطرة السليمة.
فإن الناس فطروا على التصريح بما يستحى منه عادة عند وجود الحاجة الملحة في حياتهم، فمثلا تفصح المرأة للطبيب بعلتها التي تخص عورتها أو معاشرتها لزوجها، والطبيب يجيبها ويفصّل حالها، وكل هذا يستقبل من عموم الناس بالقبول ولا يستنكر، فلا تعاب المريضة ولا يعاب الطبيب.
فإذا كان هذا في مصالح الدنيا التي ستفنى، فكيف إذا كان السؤال والعلم يتعلق بمصلحة الآخرة التي هي الأهم وهي الباقية؟!
وكون عائشة رضي الله عنها كان لا بدّ لها من التصريح بما صرحت به لما رأت فيه من مصلحة؛ يظهر من أوجه:
الوجه الأول:
أن عائشة رضي الله عنها لم تبادر بشرح هذه المسائل للصحابة رضوان الله عليهم، فأكثرهم قد علمها ببيان النبي صلى الله عليه وسلم وتعليمه لهم، لكن علماء الصحابة يومئذ منهم من توفي مبكرا كأبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، وسائرهم تفرقوا في البلدان بسبب الفتوحات، وربما اختلف من بقي في المدينة من الصحابة، وكانت عائشة رضي الله عنها عالمة من علماء الصحابة، وكانت لسعة علمها تناقش علماء الصحابة وتستدرك عليهم، حتى ألف الزركشي كتابا جمع فيه استدراكاتها، وهو كتاب “الإجابة لما استدركت عائشة على الصحابة”.
وكان يقصدها التابعون من أهل المدينة وغيرهم ، لأجل طلب العلم ومعرفة سنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنها كانت زوجته ومن أدرى الناس بحاله.
فكانت تسأل، فتضطر للإجابة؛ لأن كتمان العلم محرم؛ ولأنها أعلم الناس بمثل هذه المسائل.
ولهذا قالت لما سألها أبو موسى رضي الله عنه عن موجب الغسل:
( قَالَتْ: عَلَى الْخَبِيرِ سَقَطْتَ ) رواه الإمام مسلم (349).
أي أنها من أعلم الناس بغسل النبي صلى الله عليه وسلم.
ولذا نراها تحيل السائل في مسائل لم تحضرها إلى الصحابي الذي حضرها وعلمها.
عَنْ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ، قَالَ: ( أَتَيْتُ عَائِشَةَ أَسْأَلُهَا عَنِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَقَالَتْ: عَلَيْكَ بِابْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَسَلْهُ فَإِنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَسَأَلْنَاهُ … ) رواه مسلم (276).
الوجه الثاني:
عائشة رضي الله عنها في تصريحها بمثل قولها:
( إِذَا جَاوَزَ الخِتَانُ الخِتَانَ وَجَبَ الغُسْلُ، فَعَلْتُهُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاغْتَسَلْنَا ) رواه الترمذي (108)، وقال: ” حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ “.
وكقولها: ( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ ) رواه البخاري (1927) ومسلم (1106).
إنما صرحت رضي الله عنها بذلك ليس عبثا ، حاشاها من ذلك، وإنما صرّحت بفعل النبي صلى الله عليهم بالجماع والقبلة ، ليفهم السائل أن هذا ليس اجتهادا منها، وأن فعل ذلك ليس من نقصان الورع ، ولا الاستهانة بأمر الصيام؛ كيف وقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه؟!
وهذا الذي فهمه أهل العلم من تصرفها رضي الله عنها.
كقول الإمام الشافعي رحمه الله تعالى:
” فخالفَنا بعضُ أصحاب الحديث، من أهل ناحيتنا وغيرهم، فقالوا: لا يجب على الرجل إذا بلغ من امرأته ما شاء الغسلُ ، حتى يأتي منه الماء الدافق، واحتج فيه بحديث أبي بن كعب وغيره مما يوافقه، وقال: أما قول عائشة: ( فعلته أنا ورسول الله فاغتسلنا )، فقد يكون تطوعا منهما بالغسل، ولم تقل إن النبي عليه السلام قال: عليه الغسل.
قال الشافعي: فقلت له: الأغلب أن عائشة لا تقول: ( إذا مس الختان الختان، أو جاوز الختان الختان، فقد وجب الغسل )، وتقول: ( فعلته أنا ورسول الله فاغتسلنا )، إلا خبرا عن رسول الله بوجوب الغسل منه… ” انتهى. “الأم – اختلاف الحديث” (10 / 69 – 70).
الوجه الثالث:
أن عائشة رضي الله عنها هي أم المؤمنين، يعاملها المسلمون بهذا التوقير، وتعاملهم بوصف الأمومة، فتعلمهم ما يحتاجون إليه من أمر دينهم.
ويظهر هذا من حوارها مع أبي موسى رضي الله عنه، لما أراد أن يسألها، كما رواه الإمام مسلم (349) عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: ( اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ رَهْطٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَالْأَنْصَارِ فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّونَ: لَا يَجِبُ الْغُسْلُ إِلَّا مِنَ الدَّفْقِ أَوْ مِنَ الْمَاءِ. وَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ: بَلْ إِذَا خَالَطَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ، قَالَ: قَالَ أَبُو مُوسَى: فَأَنَا أَشْفِيكُمْ مِنْ ذَلِكَ .
فَقُمْتُ فَاسْتَأْذَنْتُ عَلَى عَائِشَةَ ، فَأُذِنَ لِي، فَقُلْتُ لَهَا: يَا أُمَّاهْ – أَوْ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ – إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكِ عَنْ شَيْءٍ وَإِنِّي أَسْتَحْيِيكِ !!
فَقَالَتْ: لَا تَسْتَحْيِي أَنْ تَسْأَلَنِي عَمَّا كُنْتَ سَائِلًا عَنْهُ أُمَّكَ الَّتِي وَلَدَتْكَ، فَإِنَّمَا أَنَا أُمُّكَ .
قُلْتُ: فَمَا يُوجِبُ الْغُسْلَ؟ … ).
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم: (375760).
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة