ما توجيهكم للخطباء الذين يقولون اللهم صلِ على محمد طب القلوب، ودوائها، وعافية الأبدان، وشفائها، ونور الأبصار، وضيائها؟
هل يجوز قول: اللهم صلِ على محمد طب القلوب ودوائها وعافية الأبدان وشفائها؟
السؤال: 359507
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
هذه الصيغة من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم : إن أريد بها أن الإيمان به طب للقلوب، أو أن ما جاء به صلى الله عليه وسلم طب للقلوب والأبدان، وشفاء ونور للصدور، أو أنه في حياته صلى الله عليه وسلم كان طبا للقلوب ونورا للصدور، ويعود الأمر إلى سنته وما جاء به، فإن أريد بها ما ذكرنا : فهو معنى صحيح.
وكذلك إن أريد أنه قد حصل على يديه ، في حياته، من شفاء المرضى، ببركته، ودعائه، ورقيته: ما هو معلوم ؛ فذلك أيضا معنى صحيح، ثابت.
وإن أريد أنه صلى الله عليه بذاته يشفي القلوب والأبدان الآن بعد وفاته، فهذا شرك مناف للتوحيد.
ولما كان الكلام مجملا، محتملا، والاحتمال الباطل قد يكون الغالب على نفوس الجهال وأهل الغلو؛ فإن الواجب الإعراض عن هذه الصيغة، والعدول عنها إلى ما لا يحتمل، كأن يقال: اللهم صل صلاة تهدي بها قلوبنا، وتنير بها صدورنا، وتذهب بها همومنا، وتعافي بها أبداننا، ونحو ذلك، فإن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم تنحل بها العقد، وتفرج بها الكروب، وهي من أسباب الشفاء والعافية، كما روى أحمد (21242) والترمذي (2457) واللفظ له عن أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَهَبَ ثُلُثَا اللَّيْلِ قَامَ فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا اللَّهَ اذْكُرُوا اللَّهَ جَاءَتِ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ جَاءَ المَوْتُ بِمَا فِيهِ جَاءَ المَوْتُ بِمَا فِيهِ)، قَالَ أُبَيٌّ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي؟ فَقَالَ: (مَا شِئْتَ)، قَالَ: قُلْتُ: الرُّبُعَ، قَالَ: (مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ)، قُلْتُ: النِّصْفَ، قَالَ: (مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ)، قَالَ: قُلْتُ: فَالثُّلُثَيْنِ، قَالَ: (مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ)، قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا ؟ قَالَ: (إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ، وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ).
ولفظ أحمد: أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: " يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ جَعَلْتُ صَلَاتِي كُلَّهَا عَلَيْكَ؟ قَالَ: (إِذَنْ يَكْفِيَكَ اللهُ مَا أَهَمَّكَ مِنْ دُنْيَاكَ وَآخِرَتِكَ).
والحديث حسنه الألباني، ومحققو المسند.
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية، فيما نقله ابن القيم في "جلاء الأفهام" ص 79، عن تفسير هذا الحديث فقال: "كان لأُبي بن كعب دعاءٌ يدعو به لنفسه، قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هل يجعل له منه ربعَه صلاةً عليه، فقال: "إنْ زِدْتَ فهو خيرٌ لك" فقال: النصفَ؟ فقال: "إن زدتَ فهو [خير لك " إلى أن قال: أجعل لك صلاتي كلَّها، أي: أجعلُ دعائي كلَّه صلاةً عليك؟ قال: " إذاً تُكفَى همَّك، ويُغفَر لك ذنبُك" =لأن مَن صلَّى على النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاةً صلَّى الله عليه بها عشراً، ومن صلَّى الله عليه، كفاه همَّه، وغفر له ذنبه" انتهى.
وأما الصيغة المذكور، فقد أفتى أهل العلم بأنها غير مشروعة، وأنها غلو وإطراء، وأن المعنى الباطل فيها شرك مناف للتوحيد.
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: " بعض الناس يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم كهذه: اللهم صل على نبينا محمد طب القلوب ودواء العافية، هل هذا مشروع؟
فأجاب: ليس بمشروع، وفيه إبهام يخشى منه الالتباس على الناس.
ولكن أفضل الصلاة عليه الصلاة الإبراهيمية: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد. هذه الصلاة هي الصلاة المعروفة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولها أنواع، وبأي نوع منها صلى فقد فعل المشروع ، إذا كان من الأنواع الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم" انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (1/ 53).
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (1/ 161): " ما حكم المبالغة في مدح الرسول – صلى الله عليه وسلم -، وما رأي سماحتكم في قول من قال: (اللهم صل على محمد طب القلوب ودوائها، وعافية الأبدان وشفائها، ونور الأبصار وضيائها) معتقدا ذلك؟
الجواب: هذا الكلام المذكور في حق النبي – صلى الله عليه وسلم – فيه غلو وإطراء، وقد نهى النبي – صلى الله عليه وسلم – عن ذلك بقوله: لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم ؛ وذلك لأنه جعل النبي – صلى الله عليه وسلم – يشفي الأبدان، ويعافي من الأمراض، وهذا مختص بالله وحده، كما قال الخليل عليه السلام: وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ، فاعتقاد أن الرسول – صلى الله عليه وسلم -يشفي الأمراض شرك بالله عز وجل.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
بكر أبو زيد … عبد العزيز آل الشيخ … صالح الفوزان … عبد الله بن غديان … عبد العزيز بن عبد الله بن باز" انتهى.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ما حكم الشرع في نظركم فضيلة الشيخ في الصلاة خلف إمام يدعو بالدعاء التالي: اللهم صلِّ على سيدنا محمد طب القلوب ودوائها ، وعافية الأبدان وشفائها ونور الأبصار وضيائها ، حيث أن بعض الأخوة قالوا بأن هذا لا يجوز، وجهونا في ضوء ذلك مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: "أولاً : هل هو يدعو بهذا الدعاء في نفس الصلاة أو في غيرها؟
إن كان يدعو بذلك في نفس الصلاة ، فإن صلاته تكون باطلة فيما يظهر لي؛ لأن هذا دعاء يقرب أن يكون شركاً ، فالنبي عليه الصلاة والسلام ليس طب القلوب ودواءها على وجه حسي ، بمعنى إذا مرض القلب مرضاً حسياً جسمانياً ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ليس طبيبه ؛ إذ أن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات الآن ، ولا يمكن أن ينتفع به أحد من الناحية الجسمية.
أما إذا أراد أن الإيمان به طب القلوب ودواء القلوب : فهذا حق ؛ ولاشك أن الإيمان بالرسول عليه الصلاة والسلام يشفي القلوب من أمراضها الأمراض الدينية ، وأنه دواء لها.
وكذلك يقال في عافية الأبدان؛ فالنبي عليه الصلاة والسلام ليس عافية الأبدان، بل هو عليه الصلاة والسلام يدعو للمرضى أن يشفيهم الله عز وجل، وليس هو الذي يعافيهم، بل الذي يعافيهم هو الله عز وجل، وهو نفسه صلوات الله وسلامه عليه يدعو بالعافية، يقول: اللهم عافني، فكيف يكون هو العافية. هذا أيضا دعاء باطل لا يصح.
وكذلك نور الأبصار وضياؤها، هذا خطأ فنور الأبصار صفة من صفات الجسم الذي خلقه الله عز وجل، فنور الأبصار من خلق الله سبحانه وتعالى، وليس هو الرسول عليه الصلاة والسلام، وليس هو الذي خلق نور الأبصار.
فنصيحتي لهذا الإمام ، ولغيره ممن يدعو بهذا الدعاء : أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى ، وأن يعلم أن أفضل الأدعية ما جاء في القرآن والسنة؛ لأنه جاء من لدن حكيم خبير، فياليت هؤلاء يجمعون أدعية القرآن التي جاءت في القرآن ، وكذلك الأدعية التي جاءت في السنة ، ويدعون الله بها ؛ لكان خيرا لهم من هذه الأسجاع التي قد تكون من الكفر وهم لا يدرون عنها. نصيحتي لهذا الداعي بهذا الدعاء وغيره أن يتوب إلى الله تبارك وتعالى ، وأن يرجع إلى الدعاء الذي في الكتاب والسنة ، فإنه أجمع الأدعية وأفضلها وأنفعها للقنوت" انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (8/ 2).
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب