0 / 0

ما هي طريقة معرفة الثقات والعدول؟

السؤال: 370842

كيف كان المحدثون وغيرهم يعرفون الثقات الأثبات من الضعفاء والكذابين؟ وكيف نعرف الثقات والعدول في زماننا؟

الجواب

أولا:

كيف يُعرف حال رواة الحديث

كان أهل الحديث ونقاده، يتثبتون في حال الراوي بالنظر إلى عدالته، وكون حاله في الدين والعقل يعصمه عن الكذب والتهاون في الرواية.

فينظرون إلى ظاهر حال الراوي، ومدى صلاحه واستقامته، كما في قول عُمَرَ بْن الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "إِنَّ أُنَاسًا كَانُوا يُؤْخَذُونَ بِالوَحْيِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّ الوَحْيَ قَدِ انْقَطَعَ، وَإِنَّمَا نَأْخُذُكُمُ الآنَ بِمَا ظَهَرَ لَنَا مِنْ أَعْمَالِكُمْ، فَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا خَيْرًا، أَمِنَّاهُ، وَقَرَّبْنَاهُ، وَلَيْسَ إِلَيْنَا مِنْ سَرِيرَتِهِ شَيْءٌ اللَّهُ يُحَاسِبُهُ فِي سَرِيرَتِهِ، وَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا سُوءًا لَمْ نَأْمَنْهُ، وَلَمْ نُصَدِّقْهُ، وَإِنْ قَالَ: إِنَّ سَرِيرَتَهُ حَسَنَةٌ " رواه البخاري(2641).

وهم مع نظرهم في استقامته، ينظرون في مدى ضبط هذا الراوي لما يحفظ أو يكتب من الأحاديث، فقد يكون الرجل صالحا لكنه ضعيف الذاكرة، أو يحسن الظن بكل أحد فيأخذ الحديث عن غير أهله.

قال العلائي رحمه الله تعالى:

" وقول ابن سيرين: "لم يكونوا يسألون عن الإسناد حتى وقعت الفتنة فلما وقعت الفتنة قالوا سموا لنا رجالكم".

قلت: لأن المبتدعة كَذَبَت أحاديثَ كثيرة تُشيِّد بها بدعتها، قال ابن عباس رضي الله عنه -لما بلغه ما وضعه الرافضة من أهل الكوفة على علي رضي الله عنه-: " قاتلهم الله؛ أي علم أفسدوا". رواه مسلم في مقدمة صحيحه أيضا.

قال الإمام الشافعي رحمه الله: كان ابن سيرين، وعروة بن الزبير، وطاووس، وإبراهيم النخعي، وغير واحد من التابعين؛ يذهبون إلى أن لا يقبلوا الحديث إلا عن ثقة يعرف ما يروي، ويحفظ، وما رأيت أحدا من أهل الحديث يخالف هذا المذهب " انتهى من"جامع التحصيل" (ص 69 – 70).

وطريقتهم في معرفة مدى حفظ الراوي وإتقانه، تكون بمقارنة أحاديثه بأحاديث غيره ممن زاملهم، وبأحاديثه في أزمان وأحوال مختلفة.

قال الشيخ عبد الرحمن المعلمي رحمه الله تعالى:

" من الأئمة من لا يوثَق من تقدمه حتى يطلع على عدة أحاديث له تكون مستقيمة، وتكثر حتى يغلب على ظنه أن الاستقامة كانت ملكة لذاك الراوي.

وهذا كله يدل على أن جل اعتمادهم في التوثيق والجرح إنما هو على سبر حديث الراوي، وقد صرح ابن حبان بأن المسلمين على الصلاح والعدالة حتى يتبين منهم ما يوجب القدح، نص على ذلك في "الثقات"، وذكره ابن حجر في "لسان الميزان" (1 / 14) واستغربه، ولو تدبر لوجد كثيرا من الأئمة يبنون عليه، فإذا تتبع أحدهم أحاديث الراوي، فوجدها مستقيمة تدل على صدق وضبط، ولَم يبلغه ما يوجب طعنا في دينه : وثَّقَه، وربما تجاوز بعضهم هذا كما سلف، وربما يبني بعضهم على هذا حتى في أهل عصره " انتهى من"التنكيل" (1 / 256).

وقال رحمه الله تعالى:

" وكان الأئمة يعتبرون حديث كل راو، فينظرون كيف حدّث به في الأوقات المتفاوته؛ فإذا وجدوه يحدِّث مرة كذا ومرة كذا، بخلافٍ لا يُحتملُ: ضعَّفوه، وربما سمعوا الحديث من الرجل، ثم يدَعونه مدة طويلة، ثم يسألونه عنه. ثم يعتبر حرف مروياته، برواية من روى عن شيوخه وعن شيوخ شيوخه، فإذا رأوا في روايته ما يخالف رواية الثقات، حكموا عليه بحسبها.

وليسوا يوثِّقون الرجل لظهور صلاحه في دينه فقط، بل معظم اعتمادهم على حاله في حديثه، كما مرّ، وتجدهم يجرحون الرجل بأنه يخطيء ويغلط، وباضطرابه في حديثه، وبمخالفته الثقات، وبتفرده، وهلم جرا "انتهى من"الأنوار الكاشفة" (ص 81).

ثانيا:

معرفة الثقات والعدول في العصر الحديث

وأما معرفة الثقات والعدول في عصرنا؛ فأما على الصفة التي مضت وكان يطلبها المحدثون في الراوي، فلم يعد هذا مطلوبا في عصرنا؛ لأنه ليس عصر رواية، وإنما عمدة المسلمين فيه على الكتب الحديثية المصنفة.

وإنما العدالة التي تطلب في عصرنا، فهي العدل في الدين: وهي التزام الواجبات واجتناب المحرمات.

وهذا الوجه من العدالة طلبه الشرع في عدة مواضع، وتتناول تفصيله كتب الفقه.

جاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (29 / 298):

"العدالة في اللغة التوسط، والاعتدال: الاستقامة، والتعادل التساوي، والعدالة صفة توجب مراعاتها الاحتراز عما يخل بالمروءة عادة ظاهرا.

وفي الاصطلاح:اجتناب الكبائر وعدم الإصرار على الصغائر.

قال البهوتي: العدالة هي استواء أحوال الشخص في دينه، واعتدال أقواله وأفعاله.

وقد ذكر الفقهاء أحكام العدالة في مواطن، منها: الإخبار عن نجاسة الماء أو طهارته، ودخول وقت الصلاة، وجهة القبلة، والإمامة في الصلاة، وشروط عامل الزكاة، وشروط الشاهدين لرؤية هلال رمضان، وشروط الوصي وناظر الوقف، وولي النكاح والإمامة الكبرى، والقضاء والشهادة" انتهى.

ومن أمثلة ذلك: ما ورد في قوله تعالى في صفة الشهود:

فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ  الطلاق/2.

والعدالة المطلوبة في هذا: أن يكون المسلم غير مرتكب لكبيرة، ولا مصر على صغيرة من الذنوب وليس بسفيه العقل بحيث يرتكب ما يخل بالمروءة مما يعاب به ويذمّ.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" وأما تفسير " العدالة " المشروطة في هؤلاء الشهداء: فإنها الصلاح في الدين والمروءة، والصلاح في أداء الواجبات، وترك الكبيرة، والإصرار على الصغيرة.

والصلاح في المروءة : استعمال ما يجمّله ويزيّنه، واجتناب ما يدنّسه ويشينه. فإذا وجد هذا في شخص كان عدلا في شهادته وكان من الصالحين الأبرار " انتهى من "مجموع الفتاوى" (15 / 356).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android