سؤالي هو في مسألة مدار الحديث.
إذا كان عندنا حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه صحابي واحد فقط، مثلا ابن عمر، ولم يروه عن ابن عمر إلا نافع، ولم يروه عن نافع إلا الإمام مالك مثلا، وكل هؤلاء أئمة ثقات، ثم رواه عن الإمام مالك أربعة أو خمسة أشخاص وكلهم ضعفاء لا يحتج بحديثهم مثلا، فهل نصحح الحديث بما أن إسناده إلى مدار الحديث كلهم أئمة ثقات، ولايهمنا الضعف الذي أتى بعد مدار الحديث؟ أم نضعفه؟
تقوية رواية الضعيف بالمتابعات
السؤال: 378545
Table Of Contents
أولا:
شروط الصحة لا بد أن تتوفر في جميع طبقات السند
لتصحيح الحديث لا بد من توفر شروط الصحة في جميع طبقات السند.
كما قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى:
” ولا تقوم الحجة بخبر الخاصة حتى يجمع أمورا:
منها: أن يكون من حدث به ثقة في دينه، معروفا بالصدق في حديثه، عاقلا لما يحدِّث به، عالما بما يحيل معاني الحديث من اللفظ، أو أن يكون ممن يؤدي الحديث بحروفه كما سمع، لا يحدث به على المعنى، لأنه إذا حدث على المعنى وهو غير عالم بما يحيل به معناه: لم يدر لعله يحيل الحلال إلى الحرام، وإذا أداه بحروفه فلم يبق وجه يخاف فيه إحالته الحديث، حافظا إن حدث به من حفظه، حافظا لكتابه إن حدث من كتابه. إذا شرك أهل الحفظ في حديث وافق حديثهم، بريا من أن يكون مدلسا: يحدث عن من لقي ما لم يسمع منه، ويحدث عن النبي ما يحدث الثقات خلافه عن النبي.
ويكون هكذا من فوقه ممن حدثه، حتى ينتهى بالحديث موصولا إلى النبي أو إلى من انتهي به إليه دونه، لأن كل واحد منهم مثبت لمن حدثه، ومثبت على من حدث عنه، فلا يستغنى في كل واحد منهم عما وصفت ” انتهى من”الرسالة” (ص370-372).
ثانيا:
تقوية الحديث بالمتابعات
إذا كان مدار أسانيد الحديث على ثقة، لكن الآخذين عنه كلهم فيهم ضعف، فهذه المسألة يتناولها ما يعرف في علم الحديث بـ “تقوية الحديث بالمتابعات”.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
” في الاعتبارات والمتابعات والشواهد
مثاله: أن يروى حماد بن سلمة عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثاً، فإن رواه غير حماد عن أيوب أو غير أيوب عن محمد. أو غير محمد عن أبي هريرة، أو غير أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهذه متابعات.
فإن روي معناه من طريق أُخرى عن صحابي آخر سمي شاهدا لمعناه…
ويُغتفر في باب “الشواهد والمتابعات” من الرواية عن الضعيف القريب الضعف -: ما لا يُغتفر في الأصول، كما يقع في الصحيحين وغيرهما مثل ذلك. ولهذا يقول الدارقطني في بعض الضعفاء: ” يصلح للاعتبار “، أو ” لا يصلح أن يعتبر به “. والله أعلم ” انتهى من”الباعث الحثيث” (ص 59).
وكما قال ابن الصلاح في تعريفه للحديث “الحسن لغيره”:
” الحديث الحسن قسمان:
أحدهما: الحديث الذي لا يخلو رجال إسناده من مستور لم تتحقق أهليته، غير أنه ليس مغفلا كثير الخطأ فيما يرويه، ولا هو متهم بالكذب في الحديث، أي: لم يظهر منه تعمد الكذب في الحديث، ولا سبب آخر مفسق، ويكون متن الحديث مع ذلك قد عرف بأن روي مثله أو نحوه من وجه آخر أو أكثر، حتى اعتضد بمتابعة من تابع راويه على مثله، أو بما له من شاهد، وهو ورود حديث آخر بنحوه، فيخرج بذلك عن أن يكون شاذا ومنكرا ” انتهى من”معرفة أنواع علوم الحديث” (ص 100).
وتقوية الحديث بالمتابعات ليس لها قاعدة مطردة، ولا يعتبر بالمتابعات دوما.
لكن المتابعات المعتبرة هي التي تكون من رواة إنما ضعفوا لقلة ضبطهم، ولم يُضَعَّفوا بسبب مفسق كالكذب، فإن كانت المتابعة من رواية كذابين مثلا لم يتقو بها الإسناد؛ لأنه يحتمل جدا أن يكون صاحبها قد سرق الحديث، فحدث بما لم يسمع.
وكذا لا تقبل المتابعة إن كان السند إليها ضعيفا.
أو كانت المتابعات على وجه فيه اختلاف بين هؤلاء الرواة، فيصبح الحديث مضطربا، لا تقوم به حجة.
قال ابن الصلاح رحمه الله تعالى:
” لعل الباحث الفهم يقول: إنا نجد أحاديث محكوما بضعفها، مع كونها قد رويت بأسانيد كثيرة من وجوه عديدة، مثل حديث: (الأُذُنانِ مِنَ الرَّأسِ) ونحوه، فهلا جعلتم ذلك وأمثاله من نوع الحسن؛ لأن بعض ذلك عضد بعضا، كما قلتم في نوع الحسن على ما سبق آنفا؟
وجواب ذلك: أنه ليس كل ضعف في الحديث يزول بمجيئه من وجوه، بل ذلك يتفاوت: فمنه ضعف يزيله ذلك، بأن يكون ضعفه ناشئا من ضعف حفظ راويه، مع كونه من أهل الصدق والديانة. فإذا رأينا ما رواه قد جاء من وجه آخر، عرفنا أنه مما قد حفظه، ولم يَخْتلَّ فيه ضبطُه له. وكذلك إذا كان ضعفه من حيث الإرسال، زال بنحو ذلك، كما في المرسل الذي يرسله إمام حافظ، إذ فيه ضعف قليل يزول بروايته من وجه آخر، ومن ذلك ضعف لا يزول بنحو ذلك لقوة الضعف، وتقاعد هذا الجابر عن جبره ومقاومته، وذلك كالضعف الذي ينشأ من كون الراوي متهما بالكذب، أو كون الحديث شاذا.
وهذه جملة تفاصيلها تدرك بالمباشرة والبحث، فاعلم ذلك فإنه من النفائس العزيزة، والله أعلم ” انتهى. “معرفة أنواع علوم الحديث” (ص103–104).
فالعبرة في المتابعات المعتبرة بأن تكون على وجه يورث غلبة الظن بأن هؤلا الرواة قد أصابوا في روايتهم ولم يهموا.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى معلقا على كلام ابن الصلاح السابق:
” أقول: لم يذكر للجابر ضابطا يعلم منه ما يصلح أن يكون جابرا أو لا، والتحرير فيه أن يقال: إنه يرجع إلى الاحتمال في طرفي القبول والرد، فحيث يستوي الاحتمال فيهما، فهو الذي يصلح لأن ينجبر، وحيث يقوى جانب الرد فهو الذي لا ينجبر.
وأما إذا رجح جانب القبول فليس من هذا، بل ذاك في الحسن الذاتي – والله أعلم ” انتهى من “النكت” (1/409).
ويحسن مطالعة كتاب: “الإرشادات في تقوية الأحاديث بالشواهد والمتابعات” للشيخ طارق بن عوض الله.
ففيه جملة طيبة من التنبيهات المهمة.
وكتاب “المتابعات والشواهد دراسة نظرية تطبيقية على صحيح مسلم” للشيخ صالح العصيمي.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب