أحد الأشخاص سلمني مبلغا من المال لإيصاله لشخص دائن، أنا أيضا أدين الدائن بمبلغ من المال، فهل يجوز أن أقتطع من هذا المبلغ ما يساوي ديني وتسليم الباقي، دون إعلام الشخص الأول صاحب المال؟
ائتمنه على إيصال مال لمدين له، فهل يأخذ منه دينه بدون علم المدين؟
السؤال: 381603
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
الواجب على من ائتمن على أمانة أن يؤديها إلى صاحبها، فقد أمر الله تعالى بذلك في قوله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) النساء/58.
وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن خيانة الأمانة من علامات النفاق، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان) رواه البخاري (33)، ومسلم (59) .
وبهذا تكون خيانة الأمانة من كبائر الذنوب .
والأمين لا يجوز له التصرف في الأمانة إلا بما أذن له من ائتمنه، ولا يتعدى هذا.
قال البهوتي رحمه الله “(وَإِنْ تَعَدَّى) الْوَدِيعُ ( فِيهَا ) أَيْ : فِي الْوَدِيعَةِ (بِانْتِفَاعِهِ) بِهَا (فَرَكِبَ) الْوَدِيعُ ( الدَّابَّةَ ) الْمُودَعَةَ (لِغَيْرِ نَفْعِهَا) أَيْ : عَلْفِهَا وَسَقْيِهَا … (أَوْ أَخْرَجَهَا لَا لِإِصْلَاحِهَا ، كَـ) أَنْ أَخْرَجَهَا ( لِيَخُونَ فِيهَا ، أَوْ) أَخْرَجَهَا (شَهْوَةً إلَى رُؤْيَتِهَا ، ثُمَّ رَدَّهَا) إلَى حِرْزِهَا (بِنِيَّةِ الْأَمَانَةِ ) : بَطَلَتْ [أي: الأمانة]، وَضَمِنَ ؛ لِتَصَرُّفِهِ فِي مَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ” انتهى من “كشاف القناع” (4/214) .
فيؤخذ من هذا : أن الأمين يجب عليه حفظ الأمانة، ولا يجوز له أن يتصرف فيها إلا بإذن صاحبها.
وعلى هذا، فالواجب عليك أن توصل المبلغ كما هو ، ولا يجوز لك أن تأخذ منه شيئا.
ثانيا :
لعله قد اشتبه على السائل هنا مسألة “الظفر”، وهي : أن من كان له حق عند شخص منكر أو مماطل، فهل يجوز له أن يأخذ حقه بدون علم ذلك الشخص؟
وفي المسألة خلاف بين أهل العلم، سبق أن ذكرناه في أجوبة عديدة، وذكرنا أن الراجح جواز ذلك بشروط:
الأول: ألا يمكنه الوصول إلى حقه عن طريق القضاء، إما لعدم وجود البينة لديه، أو لسوء إجراءات التقاضي وما يصحبه من كلفة وتأخر.
الثاني: ألا يأخذ أكثر من حقه.
الثالث: أن يأمن من الأخذ ترتب مفسدة على ذلك ، كما لو انكشف الأمر فإنه يتهم بالسرقة أو الخيانة .
وينظر: جواب السؤال رقم: (171676).
غير أن هذه المسألة غير واردة هنا ؛ فإن هذا الخلاف في المسألة إنما يجري لو كان هذا الشخص الذي تطلبه بالدين، هو الذي طلب منك أن تقبض له دينه من الشخص المدين له، فكنت وكيلا عن صاحبك المدين له؛ ففي هذه الحالة: يدخل المال في ملك صاحبك بمجرد قبضك أنت له، لأنك وكيل عنه في القبض.
وهذا غير وارد هنا، فإنك هنا وكيل الشخص الدافع، الذي هو مدين لصاحبك، في إيصال ما عليه من الدين، وهو الذي ائتمنك في إيصال دينه؛ فلو لم يصل إلى صاحبك المدين لك، إما لأن سرق منك، أو سرقته أنت، أو غير ذلك، فذمته لم تبرأ، ولصاحبك أن يطالب هذا الشخص بحقه، ثم يعود الأمر بينك وبينه.
والحاصل:
أنه ليس لك سلطان على هذه الأمانة، لتتصرف فيها ، وأنت أمين عليها حتى توصلها إلى صاحبك المدين لك، ثم لك أن تتحيل في أخذ حقك منه بعد ذلك.
وأما قبل أن يقبضها منك، فلم تدخل في ذمته، ولا هي من ماله، فليس لك سلطان في التصرف فيها، ولا أخذ حقك منها بوجه ، وهي خارجة عن مسألة الظفر التي ذكرنا خلاف أهل العلم فيها.
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة