ما هو تفسير الآية (خلق الانسان من عجل سأريكم آياتي فلا تستعجلون)؟ ما معنى العجلة؟ وما الفرق بينها وبين السرعة؟ وما الحكم أن يسرع الانسان في أداء عمل من الأعمال الدنيوية بسرعة مثل النجارة، حيث إن عدم السرعة يعطل مصالح المسلمين، مع ذكر الأدلة؟
قوله تعالى: (خلق الإنسان من عجل)، والسرعة في أداء عمل من الأعمال الدنيوية.
السؤال: 383718
Table Of Contents
أولًا :
معنى قول الله تعالى: (خلق الإنسان من عجل)
قال الله تعالى: خُلِقَ الإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ ، والمراد بذلك، أن الإنسان: "خلق عجولًا يبادر الأشياء، ويستعجل بوقوعها، فالمؤمنون يستعجلون عقوبة الله للكافرين، ويتباطئونها، والكافرون يتولون، ويستعجلون بالعذاب، تكذيبًا وعنادًا، ويقولون: مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ؛ والله تعالى: يَمْهَل، ولا يُهْمِل، ويحلُم، ويجعل لهم أجلا مؤقتا؛ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ .
ولهذا قال: سَأُرِيكُمْ آيَاتِي أي: في انتقامي ممن كفر بي، وعصاني؛ فَلا تَسْتَعْجِلُونِ ذلك. وكذلك الذين كفروا يقولون: مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ؛ قالوا هذا القول، اغترارا، ولما يحق عليهم العقاب، وينزل بهم العذاب".
"تفسير السعدي" (ص/523).
وحاصل الأمر:
أن العجلة المذمومة المنهي عنها: هي أن يستعجل المرء الشيء قبل أجله المضروب له، أو قبل أوان مجيئه، كمن يستعجل الثمرة قبل نضجها، والتصدر للتعليم والإفتاء، قبل التهيؤ والاستعداد له، ونحو ذلك من الأمور.
وهو ما عبر عنه الفقهاء والأصوليون بقولهم، في القاعدة الشهيرة:
" من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه " .
قال الزركشي رحمه الله: " ولهذا لو خلل الخمر: لم تطهر، ولو قتل مورثه لم يرثه." انتهى، من "المنثور" (3/205).
وقال د. محمد صدقي البورنو، حفظه الله: " (هذه القواعد تمثل جانباً من جوانب السياسة في القمع وسد الذرائع) . فهذه القواعد تعتبر استثناء من قاعدة (الأمور بمقاصدها)؛ حيث إن الفاعل هنا يعامل ويعارض بنقيض مقصوده، وسنرى من خلال الأمثلة أن مقصد الفاعل من فعله كان تحايلاً على الشرع من جانب، أو استعجالاً لأمر مستحق أو مباح من جانب آخر بفعل أمر محرم، ولذلك أهمل قصد الفاعل وعومل بنقيض ما قصد عقوبة له وزجراً لغيره، إلى جانب العقوبة المستحقة على الفعل نفسه.
أمثله على هذه القواعد:
إذا قتل الوارث مورثة الذي يرث منه عمداً مستعجلاً الإرث، فإنه يحرم من الميراث، سواء كان متهماً أم غير متهم عند أكثر الحنابلة.
إذا قتل الموصى له الموصي فهو يحرم من الوصية بالإجماع." انتهى، من "الوجيز في القواعد" (160).
ثانياً :
هل المسلم مطالب بالانتهاء من أعماله بسرعة؟
الأصل في العمل الإتقان سواء أنهاه الإنسان بسرعة أو أبطأ، وقد ورد هذا في الحديث الذي رواه مسلم (1955) عن شداد بن أوس، قال: ثنتان حفظتهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحد أحدكم شفرته، فليرح ذبيحته.
وروى "البيهقي" في "شعب الإيمان" (7/235)، (4932) ، عن أبي كليب أنه شهد مع أبيه جنازة شهدها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا غلام أعقل وأفهم، فانتهى بالجنازة إلى القبر ولم يمكن لها، قال فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سووا لحد هذا حتى ظن الناس أنه سنة، فالتفت إليهم، فقال: أمَّا إن هذا لا ينفع الميت ولا يضره، ولكن الله يحب من العامل إذا عمل أن يحسن .
وصححه الألباني في "سلسلة الصحيحة"(3/ 106)، و"صحيح الجامع" (1/384).
وعلى ذلك؛ فالعجلة إنما تكون مذمومة إذا لم يتقن الإنسان عمله، أما إذا أتقنه ولو كان أسرع من غيره فلا يذم بل يمدح .
ولا يقال: إن من كان يمكنه أن ينجز عملا في وقت أقل، ولم يضيع ما أمر به في هذا العمل، ولم يخل بأمانته فيه: أن هذا مذموم، بل هذا من القوة الممدوحة بلا ريب.
وقد وصف الله الصالحين من أهل الكتاب، فقال: يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ آل عمران/114
قال الشيخ السعدي، رحمه الله: " أي: يبادرون إليها فينتهزون الفرصة فيها، ويفعلونها في أول وقت إمكانها، وذلك من شدة رغبتهم في الخير ومعرفتهم بفوائده وحسن عوائده، فهؤلاء الذين وصفهم الله بهذه الصفات الجميلة والأفعال الجليلة" انتهى، من "تفسير السعدي" (143).
وانظر هذه المحاضرة للأهمية : (تحقيق الجودة في الأعمال التطوعية).
https://almunajjid.com/lectures/lessons/16
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب