حكم من يقول: إن أسماء سور القرآن مخلوقة، وليست وحيا؟
هل أسماء سور القرآن مخلوقة أم غير مخلوقة؟
السؤال: 384592
Table Of Contents
أولا:
هل أسماء سورة القرآن توقيفية؟
أسماء السور مختلف فيها هل هي توقيفية قالها النبي صلى عليه وسلم أم هي من اجتهاد الصحابة رضي الله عنهم، أو بعضها توقيفي والآخر اجتهادي؟
والأكثر على أنه توقيفي.
قال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله :"لِسوَر القرآن أسماءٌ سمّاها بها رسول الله صلى الله عليه وسلم" انتهى من "تفسير الطبري" (1/100) .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (4/16): "لا نعلم نصا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على تسمية السور جميعها ، ولكن ورد في بعض الأحاديث الصحيحة تسمية بعضها من النبي صلى الله عليه وسلم ، كالبقرة ، وآل عمران ، أما بقية السور فالأظهر أن تسميتها وقعت من الصحابة رضي الله عنهم" انتهى .
وينظر: جواب السؤال رقم:(هل أسماء سور القرآن الكريم توقيفية؟).
ثانيا:
على القول بأن الأسماء توقيفية فلا يقال إنها غير مخلوقة بإطلاق، بل يفصل:
فإن كان الله تكلم بالاسم، أي أوحى الله لنبيه السورة مع اسمها فلا يكون الاسم مخلوقا، وإن كان الله لم يتكلم بالاسم، وإنما جاءت التسمية للسورة اجتهادا من النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الاسم يكون مخلوقا، وكذا لو كانت التسمية من الصحابة، وهذا ظاهر.
فالسبع المثاني اسم من أسماء سورة الفاتحة، وهو اسم غير مخلوق لأن الله تكلم به وسمى السورة به كما قال سبحانه: (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) الحجر/87
وما روى مسلم (814) عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أُنْزِلَ، أَوْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آيَاتٌ لَمْ يُرَ مِثْلُهُنَّ قَطُّ، الْمُعَوِّذَتَيْنِ) ظاهره أن الاسم موحى به، نزل مع السورة، ويحتمل أن تكون التسمية من النبي صلى الله عليه وسلم.
ومثال ما لا يجزم فيه بكون التسمية موحى بها: ما روى مسلم (400) عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: "بَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ بَيْنَ أَظْهُرِنَا إِذْ أَغْفَى إِغْفَاءَةً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مُتَبَسِّمًا، فَقُلْنَا: مَا أَضْحَكَكَ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: (أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آنِفًا سُورَةٌ) فَقَرَأَ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ. فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ. إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ)الكوثر/2، ثُمَّ قَالَ: (أَتَدْرُونَ مَا الْكَوْثَرُ؟) فَقُلْنَا اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: (فَإِنَّهُ نَهْرٌ وَعَدَنِيهِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ، عَلَيْهِ خَيْرٌ كَثِيرٌ، هُوَ حَوْضٌ تَرِدُ عَلَيْهِ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، آنِيَتُهُ عَدَدُ النُّجُومِ، فَيُخْتَلَجُ الْعَبْدُ مِنْهُمْ، فَأَقُولُ: رَبِّ، إِنَّهُ مِنْ أُمَّتِي فَيَقُولُ: مَا تَدْرِي مَا أَحْدَثَتْ بَعْدَكَ).
فتسمية هذه السورة باسم "الكوثر" يحتمل أن يكون نزل مع السورة، أو سماها به النبي صلى الله عليه وسلم اجتهادا، أو سماها الصحابة بذلك.
ولهذا لا ينبغي الخوض في هذه المسألة. بل نرى أن هذا من التكلف الزائد الذي ينبغي الاشتغال بما هو أولى منه ، وبحسب المسلم أن يتقرر عنده أن القرآن كلام الله ووحيه وتنزيله، وأنه غير مخلوق، كيفما كان . وأن ما سوى الله وصفاته: فهو مخلوق.
ثالثا:
الخلاف في حروف المعجم هل هي مخلوقة أم لا
حصل خلاف قديم في مسألة حروف المعجم، هل هي مخلوقة أم لا؟
وفصل الكلام في ذلك: أن الحروف والكلمات والأسماء إن تكلم الله بها فهي غير مخلوقة.
وإن ابتدأ الكلام بها النبي صلى الله عليه وسلم، أو غيره من المخلوقين: فهي مخلوقة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " فَمَنْ قَالَ: إنَّ حُرُوفَ الْمُعْجَمِ كُلَّهَا مَخْلُوقَةٌ، وَإِنَّ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى مَخْلُوقٌ: فَقَدْ قَالَ قَوْلًا مُخَالِفًا لِلْمَعْقُولِ الصَّرِيحِ وَالْمَنْقُولِ الصَّحِيحِ .
وَمَنْ قَالَ: نَفْسُ أَصْوَاتِ الْعِبَادِ، أَوْ مِدَادُهُمْ، أَوْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ قَدِيمٌ : فَقَدْ خَالَفَ أَيْضًا أَقْوَالَ السَّلَفِ، وَكَانَ فَسَادُ قَوْلِهِ ظَاهِرًا لِكُلِّ أَحَدٍ، وَكَانَ مُبْتَدِعًا قَوْلًا لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا قَالَتْهُ طَائِفَةٌ كَبِيرَةٌ مِنْ طَوَائِفِ الْمُسْلِمِينَ، بَلْ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِهِمْ بَرِيئُونَ مِنْ ذَلِكَ. وَمَنْ قَالَ: إنَّ الْحَرْفَ الْمُعَيَّنَ ، أَوْ الْكَلِمَةَ الْمُعَيَّنَةَ ، قَدِيمَةُ الْعَيْنِ : فَقَدْ ابْتَدَعَ قَوْلًا بَاطِلًا فِي الشَّرْعِ وَالْعَقْلِ.
وَمَنْ قَالَ: إنَّ جِنْسَ الْحُرُوفِ الَّتِي تَكَلَّمَ اللَّهُ بِهَا بِالْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ لَيْسَتْ مَخْلُوقَةً، وَإِنَّ الْكَلَامَ الْعَرَبِيَّ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ لَيْسَ مَخْلُوقًا، وَالْحُرُوفَ الْمُنْتَظِمَةَ مِنْهُ: جُزْءٌ مِنْهُ، وَلَازِمَةٌ لَهُ، وَقَدْ تَكَلَّمَ اللَّهُ بِهَا؛ فَلَا تَكُونُ مَخْلُوقَةً: فَقَدْ أَصَابَ.
وَإِذَا قَالَ: إنَّ اللَّهَ هَدَى عِبَادَهُ وَعَلَّمَهُمْ الْبَيَانَ، فَأَنْطَقَهُمْ بِهَا بِاللُّغَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَأَنْعَمَ عَلَيْهِمْ بِأَنْ جَعَلَهُمْ يَنْطِقُونَ بِالْحُرُوفِ الَّتِي هِيَ مَبَانِي كُتُبِهِ وَكَلَامِهِ وَأَسْمَائِهِ: فَهَذَا قَدْ أَصَابَ .
فَالْإِنْسَانُ وَجَمِيعُ مَا يَقُومُ بِهِ مِنْ الْأَصْوَاتِ وَالْحَرَكَاتِ وَغَيْرِهَا: مَخْلُوقٌ ، كَائِنٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ.
وَالرَّبُّ تَعَالَى بِمَا يَقُومُ بِهِ مِنْ صِفَاتِهِ وَكَلِمَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ : غَيْرُ مَخْلُوقٍ .
وَالْعِبَادُ إذَا قَرَءُوا كَلَامَهُ؛ فَإِنَّ كَلَامَهُ الَّذِي يَقْرَؤُونَهُ هُوَ كَلَامُهُ، لَا كَلَامُ غَيْرِهِ، وَكَلَامُهُ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ لَا يَكُونُ مَخْلُوقًا، وَكَانَ مَا يَقْرَؤُونَ بِهِ كَلَامَهُ مِنْ حَرَكَاتِهِمْ وَأَصْوَاتِهِمْ: مَخْلُوقًا.
وَكَذَلِكَ مَا يُكْتَبُ فِي الْمَصَاحِفِ مِنْ كَلَامِهِ: فَهُوَ كَلَامُهُ، مَكْتُوبًا فِي الْمَصَاحِفِ، وَكَلَامُهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَالْمِدَادُ الَّذِي يُكْتَبُ بِهِ كَلَامُهُ وَغَيْرُ كَلَامِهِ مَخْلُوقٌ " انتهى من "مجموع الفتاوى" (12/ 54-55) .
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة