هل يستحب للرجل ستر ما استطاع من بدنه كما في قصة موسى عليه السلام مع الحجر، أنه كان رجلاً حييا ستيراً، لا يرى من جلده شيء استحياءً منه؟
هل يستحب للرجل ستر ما استطاع من بدنه، اقتداء بموسى عليه السلام أنه كان لا يرى من جلده شيء؟
السؤال: 389070
Table Of Contents
أولا :
يجب على الرجل ستر عورته
الواجب على الرجل ستر عورته، وهي ما بين السرة والركبة عند جماهير أهل العلم.
قال ابن قدامة رحمه الله تعالى:
” ستر العورة عن النظر بما لا يصف البشرة واجب…
والكلام في حد العورة، والصالح في المذهب، أنها من الرجل ما بين السرة والركبة. نص عليه أحمد في رواية جماعة، وهو قول مالك، والشافعي، وأبي حنيفة وأكثر الفقهاء… ” انتهى. “المغني” (2 / 283 – 284).
وأما ما خرج عن حد العورة، فالمشروع فيه أن يستر ما يستره أهل المروءات والتقوى في بلده.
قال ابن بطال في “شرح البخاري” (9/123):
“الذي ينبغي للرجل أن يتزيا في كل زمان بزي أهله ، ما لم يكن إثماً ؛ لأن مخالفة الناس في زيهم ضرب من الشهرة” انتهى.
وقال ابن عقيل الحنبلي – كما في “مطالب أولي النهي” (1/279)- :
” لا ينبغي الخروج عن عادات الناس ، مراعاة لهم ، وتأليفا لقلوبهم ، إلا في الحرام إذا جرت عاداتهم بفعله ، أو عدم المبالاة به ، فتجب مخالفتهم رضوا بذلك أو سخطوا ” انتهى .
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم:(108255).
وجاء في “فتاوى اللجنة الدائمة – المجموعة الأولى” (24/ 11—12):
” لباس الرجل يكون ما بين نصف الساق إلى الكعب، وإذا كان المجتمع الذي يعيش فيه اعتادوا حدا معينا في ذلك، كألباسهم إلى الكعب، فالأفضل أن لا يخالفهم في ذلك، ما دام فعلهم جائزا شرعا. والحمد لله، وليس ذلك خاصا بالإزار ولا بالحج، بل يعم جميع الملابس.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
بكر أبو زيد ، عبد العزيز آل الشيخ، صالح الفوزان، عبد الله بن غديان، عبد العزيز بن عبد الله بن باز” انتهى.
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى:
” الستر مطلوب، والرجال والنساء يختلفون في هذا، فالمرأة عورة كلها وأمرها خطير، وقد سمعت أيها السائل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء) فالواجب على النساء التستر والعناية وعدم إظهار حجم الأعضاء بالملابس الضيقة أو الملابس الرقيقة.
الواجب عليهن أمر كبير، وواضح المعنى، وخطر تفريطها في ذلك ، فستر الأعضاء واجب عن غير المحارم، أما المحارم ؛ فالمحرم يباح له النظر إلى ما ظهر منها غالبًا من وجه وكفين وقدمين، ونحو ذلك كالقرط والحلق ونحو ذلك.
وأما الرجل: فأمره أوسع إذا ستر ما بين السرة والركبة بشيء صفيق متين يستر ما بين السرة والركبة فهذا كاف، فإن عورة الرجل ما بين السرة والركبة، فإذا ستر ذلك سترًا كافيًا يغطي العورة ولا يبينها لا عورة الفرج الدبر ولا الذكر ولا الخصيتين يكون ساترًا سترًا كافيًا فلا بأس بذلك.
وإذا كان في مواضع قد يستقبحون ظهور الصدور، أو ظهور الظهر، فستر ذلك عندهم؛ كان ذلك أكمل، فإن العرف يختلف والبلدان تختلف والمجامع تختلف، فلا ينبغي للإنسان أن يتساهل في مثل هذه الأمور بل ينبغي له أن يفعل ما لا يستنكر ولا يستقبح في عرف الناس، حتى لا يرمى بالتساهل في دينه أو يرمى بشيء آخر مما يضره …” انتهى. من “فتاوى الجامع الكبير” .
ثانياً:
المبالغة في تغطية جميع الجسد للرجل
والتنطع بستر جميع البشرة، زائدا على ما جرت عادة الرجال بستره، بحجة مزيد الحياء، ليس فيه فضل؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم وهو أكمل الأمة حياء، ولم يكن من هديه هذا التشدد، فقد كان يظهر شيئا من بدنه صلى الله عليه وسلم مما هو خارج عن حدود العورة، فكان يظهر من جسده عادة أسفل ساقيه.
قال ابن القطان الفاسي رحمه الله تعالى:
“والاتفاق أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له إزار لأنصاف ساقيه” انتهى من”الاقناع” (1/ 123).
بل أحيانا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعمد كشف كتفه وظهره إذا ترتب على ذلك مصلحة، كما في قصة إسلام سلمان الفارسي رضي الله عنه، حين التفت خلف النبي صلى الله عليه وسلم ليرى خاتم النبوة، فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، ألقى رداءه، فرأى سلمان رضي الله عنه خاتم النبوة بين كتفي النبي صلى الله عليه وسلم، فأسلم رضي الله عنه.
ثالثاً :
قصة موسى عليه السلام وأنه كان رجلاً حييا ستيرا
وأما ما ذكرته من قصة موسى عليه السلام التي رواها البخاري (3404)، ومسلم (339) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ مُوسَى كَانَ رَجُلًا حَيِيًّا سِتِّيرًا، لاَ يُرَى مِنْ جِلْدِهِ شَيْءٌ اسْتِحْيَاءً مِنْهُ، فَآذَاهُ مَنْ آذَاهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَقَالُوا: مَا يَسْتَتِرُ هَذَا التَّسَتُّرَ، إِلَّا مِنْ عَيْبٍ بِجِلْدِهِ: إِمَّا بَرَصٌ وَإِمَّا أُدْرَةٌ: وَإِمَّا آفَةٌ…).
فليس فيها ما يدل على فضيلة ستر الرجل لجميع جلده دوما؛ بحجة أنه الأكمل في الحياء؛ فلفظ: (لاَ يُرَى مِنْ جِلْدِهِ شَيْءٌ) لا يقصد به أن موسى عليه السلام كان يستر جميع بشرته بدون استثناء؛ وفي جميع الأحوال، بل المقصود بالجلد هنا جلد مخصوص، في حال مخصوص، وهو: جلد العورة أثناء الاغتسال.
وبيان هذا من أوجه:
الوجه الأول: أن القول بالعموم، يلزم منه أنه كان يستر وجهه وكفيه، وأنه كان يستر ما فطر الرجل على عدم الحياء من اظهاره كالقدمين والرقبة، وهذا بعيد.
الوجه الثاني: ما ورد في الحديث من قولهم: (مَا يَسْتَتِرُ هَذَا التَّسَتُّرَ، إِلَّا مِنْ عَيْبٍ بِجِلْدِهِ: إِمَّا بَرَصٌ وَإِمَّا أُدْرَةٌ)، وفي رواية آخرى متفق عليها كما سيأتي: (فَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا يَمْنَعُ مُوسَى أَنْ يَغْتَسِلَ مَعَنَا إِلَّا أَنَّهُ آدَرُ).
و الأدْرَةٌ، هي: ” نَفْخّةٌ فِي الْخُصْيَةِ، يُقَالُ رَجُلٌ آدَر …” انتهى من “النهاية في غريب الحديث” (1/31).
واتهام الرجل بأنه مريض الخصية لا يستدل عليه بستر الرجل ما بعد عن العورة كالذراعين والساقين، وإنما تقال لمن يبالغ في حفظ المكان الذي قد تظهر فيه هذه العلة وهي العورة؛ لأن بني إسرائيل كما جاء في الحديث لم يكونوا يعتنون بحفظ عوراتهم حال الاغتسال.
الوجه الثالث:
سياق الحديث هو عن تستر موسى عليه السلام أثناء الاغتسال.
قال ابن الملك رحمه الله تعالى:
” وقال: (إِنَّ مُوسَى كَانَ رَجُلًا حَيِيًّا سِتِّيرًا)؛ أي: مستحييا.
( سَتِيرا )؛ أي: مستورا، يعني: كان من شأنه أن يستر جميع بدنه عند اغتساله.
(لاَ يُرَى مِنْ جِلْدِهِ شَيْءٌ اسْتِحْيَاءً مِنْهُ، فَآذَاهُ مَنْ آذَاهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ) بأن نسبوا إليه العيوب.
(فَقَالُوا: مَا يَسْتَتِرُ هَذَا التَّسَتُّرَ، إِلَّا مِنْ عَيْبٍ بِجِلْدِهِ: إِمَّا بَرَصٌ وَإِمَّا أُدْرَةٌ) نفخة في الخصية ” انتهى من”شرح مصابيح السنة” (6/158).
ويدل لهذا الفهم الرواية الأخرى لهذا الحديث والتي هي عند البخاري (278) ومسلم (339) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَغْتَسِلُونَ عُرَاةً، يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، وَكَانَ مُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْتَسِلُ وَحْدَهُ، فَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا يَمْنَعُ مُوسَى أَنْ يَغْتَسِلَ مَعَنَا إِلَّا أَنَّهُ آدَرُ).
الوجه الرابع:
ما ورد في رواية للإمام مسلم (339) لهذا الحديث، ولفظها: (كَانَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ رَجُلًا حَيِيًّا، قَالَ، فَكَانَ لَا يُرَى مُتَجَرِّدًا، قَالَ فَقَالَ: بَنُو إِسْرَائِيلَ: إِنَّهُ آدَرُ، قَالَ: فَاغْتَسَلَ عِنْدَ مُوَيْهٍ، فَوَضَعَ ثَوْبهُ عَلَى حَجَرٍ …).
وقوله: (فَكَانَ لَا يُرَى مُتَجَرِّدًا)، والتجرّد: هو التعري.
والروايات تشرح بعضها بعضا.
قال العراقي رحمه الله تعالى:
“والروايات يفسر بعضها بعضا، والحديث إذا جمعت طرقه تبين المراد منه” انتهى من”طرح التثريب” (4/108).
فعند النظر إلى مجموع روايات هذا الحديث يتبيّن أن المقصود بعبارة: (لاَ يُرَى مِنْ جِلْدِهِ شَيْءٌ اسْتِحْيَاءً مِنْهُ) أي لا يتعرى ولا يتجرد من ثيابه أمام غيره عند الاغتسال، بل كان يتستر عليه السلام.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة