قرأت هذا الكلام عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقال: “من أحوال القلب وأعماله ما يكون من لوازم الإيمان الثابتة فيه، بحيث إذا كان الإنسان مؤمنا؛ لزم ذلك بغير قصد منه ولا تعمد له، وإذا لم يوجد؛ دل على أن الإيمان الواجب لم يحصل في القلب؛ وهذا كقوله تعالى: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ)المجادلة/22، فأخبر أنك لا تجد مؤمنًا يواد المحادين لله ورسوله؛ فإن نفس الإيمان ينافي موادته، كما ينفي أحد الضدين الآخر، فإذا وجد الإيمان انتفى ضده وهو موالاة أعداء الله، فإذا كان الرجل يوالي أعداء الله بقلبه؛ كان ذلك دليلًا على أن قلبه ليس فيه الإيمان الواجب”، فأرجو أن توضحوا لي ما المقصود بهذا الكلام.
لا يجتمع الإيمان في القلب مع موالاة أعداء الله
السؤال: 390527
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
الإيمان بالله يستلزم البراءة من أعدائه، فلا يجتمع الإيمان بالله في القلب مع موالاة أعدائه، كما قال تعالى: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) المجادلة/ 22.
وقال تعالى: (وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) المائدة/81.
وهذا مراد شيخ الإسلام رحمه الله، فموالاة أعداء الله على دينهم، وحالهم الكفري: كفر ينافي ويضاد الإيمان الواجب.
وتتمة كلامه رحمه الله قوله: ” ومثله قوله تعالى في الآية الأخرى: ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون. ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون . فذكر جملة شرطية تقتضي أنه إذا وجد الشرط وجد المشروط بحرف ” لو ” التي تقتضي مع الشرط انتفاء المشروط فقال: ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء فدل على أن الإيمان المذكور ينفي اتخاذهم أولياء ويضاده، ولا يجتمع الإيمان واتخاذهم أولياء في القلب. ودل ذلك على أن من اتخذهم أولياء؛ ما فعل الإيمان الواجب من الإيمان بالله والنبي وما أنزل إليه.
ومثله قوله تعالى: (لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم) فإنه أخبر في تلك الآيات أن متوليهم لا يكون مؤمنا، وأخبر هنا أن متوليهم هو منهم؛ فالقرآن يصدق بعضه بعضا” انتهى من “مجموع الفتاوى” (7/17).
ومن ذلك قوله تعالى: (لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ) آل عمران/28.
قال الطبري رحمه الله في تفسيره: ” لا تتخذوا، أيها المؤمنون، الكفارَ ظهرًا وأنصارًا؛ توالونهم على دينهم، وتظاهرونهم على المسلمين من دون المؤمنين، وتدلُّونهم على عوراتهم؛ فإنه مَنْ يفعل ذلك (فليس من الله في شيء)، يعني بذلك: فقد برئ من الله وبرئ الله منه، بارتداده عن دينه ودخوله في الكفر (إلا أن تتقوا منهم تقاة )، إلا أن تكونوا في سلطانهم، فتخافوهم على أنفسكم ، فتظهروا لهم الولاية بألسنتكم، وتضمروا لهم العداوة ، ولا تشايعوهم على ما هم عليه من الكفر ، ولا تعينوهم على مُسلم بفعل” انتهى من “تفسير الطبري” (3/140).
وليعلم أن موالاة الكفار درجات، فمنها ما هو كفر أكبر، ومنها ما هو دون الكفر.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب