عندي شبهة عن لقمان عليه السلام، يزعم بعض الناس إن لقمان هو شخصية مقتبسة من حكيم آشوري اسمه احيقار، عاش في القرن السابع قبل الميلاد، وأقدم نص يتكلم عنه وجد في جزيرة الفيلة باللغة الآرامية، وكان هناك مستعمرة يهودية في ذلك الوقت والمكان، الشبه بين لقمان وأحيقار أن كلاهما حكيم، ويعظ ابنه، وكلاهما يقولان: يا بني عندما يعطيان حكمة، ولا يمكن أن يكون لقمان هو أحيقار؛ لأن أحيقار وثني. والله هذه الشبهة كانت تشغلني منذ فترة طويلة.
الرد على الادعاء بالتشابه بين لقمان الحكيم وأحيقار
السؤال: 390934
ملخص الجواب
أحيقار لا يمكن أن يكون هو لقمان، لعدة أسباب ليس هناك نقل موثق، ولا سبيل إلى وجود نقل موثق يثبت الحكم التي نقلت عن أحيقار. حتى يقال إنها سابقة على نصوص القرآن، خاصة إذا علمنا أن أقدم ما وقف عليه من ذلك من ذلك متأخر عن نزول القرآن بما يزيد هن سبعة قرون تقريباً. وأن التشابة بين بعض الحكم ـ على فرض ثبوته ـ وهو غير ممكن كما تقدم ـ لا يعني بحال اتحاد الشخصيتين، فضلا أن يدل على أن القرآن نسب حكمة أحيقار للقمان، إذ إن أحيقار من بيئة وثنية، وحكمة لقمان الثابتة عنه متضمنة لأجل معاني التوحيد وأعلى مطالب الإيمان. وينظر تفصيل ذلك في الجواب المطول
Table Of Contents
أولا:
من هو أحيقار؟
شخصية أحيقار، لم نقف لها على ذكر في كتب تواريخ المسلمين، وإنما يذكر في كتب أهل الكتاب، وقد اشتهر بالحكمة، ونسجت حوله عدد من الأساطير، ودخل قصتَه عبر مرور الزمن ما دخلها من زيادات القصاص، ونسج الروائيين.
والمشهور أنه كان كاتباً للملك الآشوري سنحاريب، ملك آشور ونينوى في ذلك الزمن، وقد عثر على شيء من الحكم المنسوبة إليه على أوراق البردي في جزيرة فِيَلَة المصرية قرب أسوان سنة 1906م, ضمن وثائق يهودية أخرى خلفتها جالية يهودية كانت تسكن هذه الجزيرة حوالي القرن الخامس ق.م، وتحتفظ مكتبة برلين ببقايا أوراق البردي التي تتضمن تلك الحكم الخالدة، كما تجد ذلك مثبتاً في بحث: ( أحيقار .. حكيم من الشرق الأدنى القديم ) لمؤلفه: أنيس فريحة. وهو يعتبر من أوسع ما كتب عن أحيقار بالعربية.
وفي هذا الكتاب (ص10) يقرر المؤلف أن هذه الأوراق وما تضمنته من رواية لقصة أحيقار، والحكم المنسوبة إليه، قد دخلها من زيادات القصاص والمحرفين من أهل الكتاب الشيء الكثير، وأن هذا يعتبر طوراً من الأطوار الأخيرة لرواية هذه القصص وتلك الحكم، في حين أن أصولها القديمة يتضح تأثرها بالديانة الوثنية.
ثانيا:
التعليق على الادعاء بوجود تشابه بين حكم لقمان وأحيقار
وأما تلبيس بعض ضلال الملاحدة، واستغلالهم وجود بعض التشابه بين بعض الحكم التي تنقل عن لقمان في كتاب الله، أو غيرها مما يتناقل في كتب الأدب والتاريخ، مع بعض الحكم المنقولة عن أحيقار في أسفار أهل الكتاب وتراثهم، بحجة أن أحيقار أقدم من لقمان، فهو قول في غاية السقوط، والبطلان، وحجتهم في هذا أوهى من بيت العنكبوت، ولولا أنها أثيرت من بعض الجهال، لكانت حكايتها كافية عن ردها وبيان بطلانه، لكن نذكر هنا بعض ما يدل على فساد هذه الشبهة وذلك من عدة وجوه:
أولها: أن كون أحيقار قبل لقمان ـ على فرض صحة ذلك تاريخيا ـ فإن ذلك لا يعني أن ما نسب إليه نقل عنه في ذلك التاريخ السحيق الذي كان موجودا فيه، بل أقرب نص فيه شيء من تلك الحكم التي قد تتشابه مع القرآن من بعض الوجوه، منقول من نصوص سريانية أقدمها يعود للقرن الثاني والثالث عشر الميلادي، أي هو متأخر كثيرا على الإسلام، فمن هو الأحرى أن يكون قد اقتبس حكمته من الآخر، خاصة إذا وضعنا في الاعتبار ما سبق من أن حكمة أحيقار دخلها من الزيادات والأساطير الكثير عبر مرور القرون والأزمان. وهذا مما يبطل شبهة هذا القائل من أساسها. ينظر (المصدر السابق ص28)
ثانيها: أنه لو فرض أن تلك الحكمة منقولة فعلا عن أحيقار من ذلك التاريخ السحيق، فأين ما يثبت أنها أقواله حقيقة، وليست منسوبة إليه، أو موضوعة عليه، إذ ليس لها أي إسناد يمكن الاعتماد عليه أو الاحتجاج به.
ثالثها: كيف يعارض ما هو قطعي الثبوت من كلام الله الكريم، المنقول بالتواتر القطعي جيلا بعد جيل، عن النبي الصادق الأمين ـ صلى الله عليه وسلم، عن روح القدس الأمين، عن ملك يوم الدين، أصدق القائلين جل جلاله وتقدست أسماؤه، بأخبار لا يعلم صدقها من كذبها وحِكَم لا يدرى من هو قائلها على الحقيقة.
رابعها: أنه من المحتمل جداً ـ على فرض ثبوت بعض هذه الحكم عن أحيقارـ أن يحصل شيء من التوافق في كلام الحكماء؛ لأن كثيراً من تلك الحكم هي من جملة الأخلاق والآداب التي تستحبها الطباع السليمة، وتدل عليها العقول الصحيحة.
لكن أين عند أحيقار أو غيره، إشراقة تلك الحكم العظيمة التي ذكرها الله سبحانه وتعالى، عن لقمان وهو يعظ ابنه في توحيد الله وتعظيمه، أو وهو يعظه في وجوب بره لوالديه وحسن مصاحبتهما بالمعروف؟! وأين في حكم أحيقار أو غيره بيان لقمان لابنه؛ عظيم قدرة الله وسعة علمه، وأمره إياه بإقام الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟!
وأما التماس شيء من التشابه بين تلك الحكم المأثورة عن لقمان، وتروى عنه بأسانيد لا يعلم صدقها من كذبها، مع حكم تنقل عن أحيقار – هي أبعد بكثير في الثبوت والثقة من التي قبلها -، ليخلُصَ من ذلك من يخلُصُ ـ بسذاجة متناهية، وجهل بكل معاني التوثيق والثقة، ومباعدة تامة للمعرفة بمنزلة المنقولات ودرجاتها ـ إلى إثارة شبهة حول التشكيك في صدق القرآن، وكونه من عند الله، فهذا كله أضغاث أوهام، وأغلاط متراكبة، وظلمات بعضها فوق بعض!!
ختاماً .. فقد أثبت الباحث السابق نفسه ـ بعد أن عانى الرجوع إلى كتب أهل الكتاب، وتتبع ما كتب عن أحيقار فيها وفي مراجعهم التاريخية والأدبية، ووقف على تلك النصوص السريانية، وترجمها للعربية ـ أنه لا يمكن أن يلتقي أحيقار بلقمان الذي ورد ذكره في القرآن، لأن أحيقار من بيئة وثنية!
فهل في العقل يا عبد الله أن تغتر بأن "أحيقار" يقول، إذا نصح لابنه : يابني … كل الناس يقولون ذلك؛ يابني!!
ونحن، حين ننصحك أن تدع الشبهات لأهلها، وتقبل على دينك، وكتاب ربك، ولا تصغي إلى الجهال، ولا تجعل دينك غرضا للشبهات، والجدال؛ نحن إذا نصحناك بذلك كله، فلا بِدع أن نقول لك: يابني …
فأين ذلك كله من لقمان الحكيم، وتوحيده، ودعائه إلى رب العالمين:
وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ لقمان/13
هذا مشرك بالله، وثني؛ فأين منه العبد الموحد، لقمان؟!
أيُّها المُنْكِحُ الثُّرَيّا سُهَيْلًا … عَمْرَكَ اللَّهَ كَيْفَ يَلْتَقِيانِ
هِيَ شامِيَّةٌ إذا ما اسْتَقَلَّتْ … وسُهَيْلٌ إذا اسْتَقَلَّ يَمانِ
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب