0 / 0

لماذا لم يسأل موسى رب العالمين حل جميع عقد لسانه في قوله (واحلل عقدة من لساني)؟

السؤال: 391278

لماذا لم يطلب موسي عليه السلام من الله سبحانه وتعالي أن يحل جميع لسانه، فقال: (واحلل عقدة من لساني)، ولم يقل، واحلل عقدة لساني؟ لماذا قال “من” فأصبحت من تبعيضية، وكما تعلمون قال الله تعالى: (قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى)؟، ملحوظة، أنا أعلم قصة لسانه، وأعلم أنه طلب ما يعينه علي تبيلغ الدعوة، ولكن أرجو التوضيح.

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

اختلف العلماء في معنى (من) في هذه الآية على أقوال:

الأول: أنَّها تبعيضية، وأن موسى عليه السلام سأل ربه سبحانه أن يزيل عقدة من عقد لسانه، وممن نص على جواز كونها للتبعيض:

1- “الشهاب الخفاجي” في حاشيته “عناية القاضي وكفاية الراضي”، (6/ 197)، قال: “فـ (من) ابتدائية، أي: عقدة ناشئة من لساني، أو: بمعنى (في)، أو: تبعيضية، والتقدير: من عقد لساني”.

2- “الآلوسي”، حكاية عمن قال إن عقد لسانه لم تنحل بالكلية “… أنه عليه السّلام لم يسأل حل عقدة لسانه بالكلية، بل ‌عقدة ‌تمنع ‌الإفهام ولذلك نكرها، ووصفها بقوله: (مِنْ لِسانِي)، ولم يُضِفْها مع أنه أخصر، ولا يصلح ذلك للوصفية إلا بتقدير مضاف، وجعل (مِنْ) تبعيضية، أي: عقدة كائنة من عقد لساني فإن العقدة للسان لا منه”، انتهى.

“تفسير الألوسي” (8/497).

ومن لم يقرر أن “من” هنا للتبعيض، فلا يلزم أن يكون قائلا بأن عقد لسان موسى عليه السلام قد انحلت جميعها بالكلية؛ فإن “التبعيض” هنا يمكن أن يستفاد من التنكير والإفراد، قال “الشنقيطي”: “قال بعض العلماء: دل قوله: (‌عُقْدَةً ‌مِنْ ‌لِسَانِي) بالتنكير والإفراد، وإتباعه لذلك بقوله: (يَفْقَهُوا قَوْلِي) على أنه لم يسأل إزالة جميع ما بلسانه من العقد، بل سأل إزالة بعضها الذي يحصل بإزالته فهم كلامه مع بقاء بعضها.

وهذا المفهوم دلت عليه آيات أخر، كقوله تعالى عنه: (وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا) الآية، وقوله تعالى عن فرعون: (أَمْ أَنَا خَيرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ).

والاستدلال بقول فرعون في موسى: فيه أن فرعون معروف بالكذب والبهتان. والعلم عند الله تعالى”، انتهى من”أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن” (4/506).

ولعل كلام القرطبي ينحو إليه، في قوله: “.. وقيل: لم تزل كلها، بدليل قوله حكاية عن فرعون: (ولا يكاد يبين) ، ولأنه لم يقل: احلل كل لساني ، فدل على أنه بقي في لسانه شيء من الاستمساك”، انتهى من “تفسير القرطبي” (11/192).

وينظر: “تفسير الرازي” (22/ 44).

وفي سبب ذلك يقول “ابن كثير” في “التفسير” (5/ 282) : “واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي وذلك لما كان أصابه من اللثغ، حين عرض عليه التمرة والجمرة، فأخذ الجمرة فوضعها على لسانه، كما سيأتي بيانه، وما سأل أن يزول ذلك بالكلية، بل بحيث يزول العي، ويحصل لهم فهم ما يريد منه، وهو قدر الحاجة.

ولو سأل الجميع لزال، ولكن الأنبياء لا يسألون إلا بحسب الحاجة، ولهذا بقيت بقية، قال الله تعالى إخبارا عن فرعون أنه قال: أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين أي: يفصح بالكلام”، انتهى .

وممن أشار إلى ذلك: “القسطلاني” في “إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري” (7/ 236).

الثاني: أن “من” (صلة)، أي: زائدة ، والمعنى: احلل عقدة لساني ، ولعل الطبري رحمه الله أشار إلى ذلك بقوله: «وقوله: واحلل عقدة من لساني يقول: وأطلق لساني بالمنطق»، انتهى من “التفسير” (16/53).

قال “مكي” في “الهداية الى بلوغ النهاية” (7/4631) بعد ذكر قصة الجمرة : “.. فهو الذي يقول الله واحلل عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُواْ قَوْلِي أي يفهموا عني ما أقول لهم، وأبلغهم عنك. ففعل الله به ما سأل.

وقيل: إنه إنما زال بعض ما كان في لسانه من الحبسة، ولم يزل كله، بدلالة قول فرعون أَمْ أَنَآ خَيْرٌ مِّنْ هذا الذي هُوَ مَهِينٌ وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ [الزخرف: 52].

وقد يجوز أن يكون كان هذا قبل أن يزيل الله ما كان به، ثم أزاله كله بعد ذلك. والله أعلم”، انتهى.

وأمَّا الجواب عن قول فرعون لعنه الله عن موسى عليه السلام وَلَا يَكَادُ يُبِينُ، فأحد أمرين:

1- أن المراد : لا يستطيع إظهار حجته.

2- أن المراد : الإشارة إلى ما كان عليه، لا أنها بقيت في لسانه.

قال “الواحدي” : فإن قيل: أليس موسى سأل الله أن يذهب الرُّتَّةَ من لسانه بقوله: وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي أعطاه ذلك بقوله: قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى؛ فكيف عابه فرعون باللثغة؟

والجواب عن هذا من وجهين: أحدهما: أن فرعون أراد: لا يكاد يبين حجته التي تدل على صدقه فيما يدعي، ولم يرد أنه لا يوضح ما يتكلم به، وهذا كذب من فرعون وعناد، بعد ما رأى من الآية، هذا معنى قول مقاتل.

والجواب الثاني: عابه بما كان عليه أولاً، وذلك أن موسى كان عند فرعون دهرًا وهو ألثغ لا يكاد يبين، فنسبه فرعون إلى ما عهده عليه من الرُّتَّةَ.

ويقوي الجواب الأول قوله تعالى: فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ ألا ترى أنه اقترح الآيات، ولم يكتف بما ظهر من معجزته، وليس للأمم أن يقترحوا من الآيات ما يريدون؛ بل إذا أتى الرسول بما فيه دلالة على صدقه، وجب الإيمان به” ، انتهى من “التفسير البسيط” (20/ 58 – 59).

وبكل حال؛ فإن “من” في الآية الكريمة: لا تتعين أن تكون للتبعيض، بدليل أن طائفة من السلف والمفسرين ذهبوا إلى أن الله تعالى قد أجاب سؤال موسى عليه السلام، وحل عقد لسانه “كلها” فلم يبق منها عقدة.

وعلى ذلك؛ فـ”من” تحتمل أنها “زائدة”، وتحتمل أيضا أن تكون لابتداء الغاية، أو لبيان الجنس.

وينظر: “مغني اللبيب” لابن هشام (399-400).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android