في حديث (إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثا الي النار) ، روي فيه أن وقتها يشيب الصبي، وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى، وما هم بسكارى، الذي لم أفهمه، هل سيحشر الصبي صبيا والحامل حاملا؟
هل يوم القيامة يبعث الصبي صبيا والمرأة الحامل حاملا؟
السؤال: 393839
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
هذا الحديث رواه البخاري (3348)، ومسلم (222) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: يَا آدَمُ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، فَيَقُولُ: أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ، قَالَ: وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟، قَالَ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ، فَعِنْدَهُ يَشِيبُ الصَّغِيرُ، وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا، وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى، وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ).
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَيُّنَا ذَلِكَ الوَاحِدُ؟
قَالَ : (أَبْشِرُوا، فَإِنَّ مِنْكُمْ رَجُلًا وَمِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ أَلْفًا)، ثُمَّ قَالَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنِّي أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الجَنَّةِ)، فَكَبَّرْنَا، فَقَالَ: (أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الجَنَّةِ)، فَكَبَّرْنَا، فَقَالَ: (أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الجَنَّةِ)، فَكَبَّرْنَا، فَقَالَ: (مَا أَنْتُمْ فِي النَّاسِ إِلَّا كَالشَّعَرَةِ السَّوْدَاءِ فِي جِلْدِ ثَوْرٍ أَبْيَضَ، أَوْ كَشَعَرَةٍ بَيْضَاءَ فِي جِلْدِ ثَوْرٍ أَسْوَدَ).
وهذا الحديث هو بمعنى قول الله تعالى:
(يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) الحج/1 – 2.
قال النووي رحمه الله تعالى:
” قوله صلى الله عليه وسلم: ( فذاك حين يَشِيبُ الصَّغِيرُ، وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا، وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى، وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ) معناه موافقة الآية في قوله تعالى: ( إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ، يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ ) إلى آخرها، وقوله تعالى: (فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا).
وقد اختلف العلماء في وقت وضع كل ذات حمل حملها وغيره من المذكور، فقيل: عند زلزلة الساعة قبل خروجهم من الدنيا، وقيل: هو في القيامة ” انتهى من “شرح صحيح مسلم” (3 / 97).
وقال ابن الجوزي رحمه الله تعالى:
” وفي وقت هذه الزلزلة قولان:
أحدهما: أنها يوم القيامة بعد النشور.
… روى أبو سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يقول الله تعالى يوم القيامة لآدم: قم، فابعث بعث النار، فيقول: يا رب، وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين إلى النار، فحينئذ يشيب المولود، وتضع كل ذات حمل حملها )، وقرأ الآية. وقال ابن عباس: زلزلة الساعة: قيامها، يعني أنها تقارب قيام الساعة، وتكون معها.
وقال الحسن، والسدي: هذه الزلزلة تكون يوم القيامة.
والثاني: أنها تكون في الدنيا قبل القيامة، وهي من أشراط الساعة، قاله علقمة، والشعبي، وابن جريج ” انتهى من “زاد المسير” (5 /402 –403).
لكن حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه صريح في أن هذا يكون يوم القيامة بعد بعث الناس من قبورهم.
قال ابن حجر رحمه الله تعالى:
” قوله: (فذاك حين يشيب الصغير وتضع وساق إلى قوله قوله شديد)، ظاهره أن ذلك يقع في الموقف، وقد استُشكل بأن ذلك الوقت لا حمل فيه، ولا وضع، ولا شيب، ومن ثم قال بعض المفسرين إن ذلك قبل يوم القيامة، لكن الحديث يرد عليه ” انتهى من “فتح الباري” (11/390).
وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى:
” وأما حجة أهل القول الآخر القائلين: بأن الزلزلة المذكورة كائنة يوم القيامة بعد البعث من القبور، فهي ما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم من تصريحه بذلك. وبذلك تعلم أن هذا القول هو الصواب كما لا يخفى.
قال البخاري رحمه الله في “صحيحه” في التفسير في باب قوله: (وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى): حدثنا عمر بن حفص، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش، حدثنا أبو صالح، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يقول الله عز وجل يوم القيامة: يا آدم. فيقول: لبيك ربنا وسعديك. فينادى بصوت: إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثا إلى النار. قال: يا رب، وما بعث النار؟ قال: من كل ألف – أراه قال – تسعمائة وتسعة وتسعين، فحينئذ تضع الحامل حملها، ويشيب الوليد، وترى الناس سكارى، وما هم بسكارى، ولكن عذاب الله شديد …).
فحديث أبي سعيد هذا الذي اتفق عليه الشيخان كما رأيت، فيه التصريح من النبي صلى الله عليه وسلم بأن الوقت الذي تضع فيه كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى، وما هم بسكارى، بعد القيام من القبور كما ترى، وذلك نص صحيح صريح في محل النزاع ” انتهى من “أضواء البيان” (5 /12–14).
وبناء على هذا، فهل يبعث الصغير صغيرا، والحامل حاملا؟
ذهب جمع من أهل العلم إلى أن هذا مجرد تمثيل، أي: أن الهول يومئذ شديد بحيث لو وجدت فيه حامل لوضعت حملها ولو وجدت مرضع فيه لانشغلت بالهول عن ولدها.
قال ابن حجر رحمه الله تعالى:
” وأجاب الكرماني: بأن ذلك وقع على سبيل التمثيل والتهويل، وسبق إلى ذلك النووي فقال: فيه وجهان للعلماء فذكرهما، وقال: التقدير: أن الحال ينتهي إلى أنه، لو كانت النساء حينئذ حوامل لوضعت، كما تقول العرب: أصابنا أمر يشيب منه الوليد.
وأقول: يحتمل أن يحمل على حقيقته، فإن كل أحد يبعث على ما مات عليه، فتبعث الحامل حاملا، والمرضع مرضعة، والطفل طفلا، فإذا وقعت زلزلة الساعة، وقيل ذلك لآدم، ورأى الناس آدم وسمعوا ما قيل له؛ وقع بهم من الوجل ما يسقط معه الحمل، ويشيب له الطفل، وتذهل به المرضعة ” انتهى من “فتح الباري” (11/390).
وهذا الاحتمال الذي ذكره ابن حجر، رده الشيخ محمد الأمين الشنقيطي بحجة عدم وجود دليل عليه.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى:
” فإن قيل: هذا النص فيه إشكال؛ لأنه بعد القيام من القبور لا تحمل الإناث حتى تضع حملها من الفزع، ولا ترضع حتى تذهل عما أرضعت.
فالجواب عن ذلك من وجهين:
الأول: هو ما ذكره بعض أهل العلم، من أن من ماتت حاملا تبعث حاملا، فتضع حملها من شدة الهول والفزع، ومن ماتت مرضعة بعثت كذلك، ولكن هذا يحتاج إلى دليل.
الوجه الثاني: أن ذلك كناية عن شدة الهول؛ كقوله تعالى: (يوما يجعل الولدان شيبا)، ومثل ذلك من أساليب اللغة العربية المعروفة ” انتهى من “أضواء البيان” (5 /14–15).
لكن ظاهر هذا الحديث هو في نفسه دليل على أن الميت يبعث على الحال التي مات عليها، ثم بعد الحساب يدخل أهل النار على خلقة عظيمة ليذوقوا العذاب، ويدخل أهل الجنة على أحسن هيئة ليكتمل نعيمهم.
قال ابن حجر رحمه الله تعالى:
” وذكر الحليمي واستحسنه القرطبي: أنه يحتمل أن يحيي الله حينئذ كل حمل كان قد تم خلقه ونفخت فيه الروح، فتذهل الأم حينئذ عنه لأنها لا تقدر على إرضاعه إذ لا غذاء هناك ولا لبن، وأما الحمل الذي لم ينفخ فيه الروح فإنه إذا سقط لم يُحيَ؛ لأن ذلك يوم الإعادة، فمن لم يمت في الدنيا لم يحيى في الآخرة ” انتهى من “فتح الباري” (11/391).
وقال الشيخ محمد بن علي بن آدم الإثيوبي رحمه الله تعالى:
” هذا الذي ذكره الْحَليميّ، واستحسنه القرطبيّ هو الأقرب عندي، وحاصله أن كلّ أحد يُبعث على ما مات عليه، فتبعث الحامل حاملا، فإذا رأت هذا الهول تضع حملها، وكذلك الطفل، يُبعث طفلا، فيَشيب بسببه، والله تعالى أعلم ” انتهى من “البحر المحيط” (5/558).
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب