0 / 0

هل يرى المسلمون الله تعالى في ساحة الحساب وفي الجنة؟

السؤال: 395306

هل المؤمنون يرون ساق الله تعالى، أو ذات الله تعالى في الآخرة؟ وكيف يتم الجمع مع رؤيته في الجنة على إنها مفاجأة للمؤمنين، وأنها أحسن النعيم، علما أنهم قد رأوه سابقا يوم القيامة ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

من عقيدة أهل السنة والجماعة أن أهل الجنة يفوزون برؤية الله تعالى في الجنة.

قال الله تعالى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) القيامة/22–23.

ورؤية الله تعالى في الجنة هي أعظم نعيم أهلها.

عَنْ صُهَيْبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، قَالَ: يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا؟ أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ، وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ، فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ) رواه مسلم (181).

وثبت أيضا أنهم يرون الله تعالى في ساحة الحساب.

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ: ” قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ القِيَامَةِ؟

قَالَ: (هَلْ تُضَارُونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ وَالقَمَرِ إِذَا كَانَتْ صَحْوًا؟)

قُلْنَا: لاَ.

قَالَ: (فَإِنَّكُمْ لاَ تُضَارُونَ فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ يَوْمَئِذٍ، إِلَّا كَمَا تُضَارُونَ فِي رُؤْيَتِهِمَا، ثُمَّ قَالَ: يُنَادِي مُنَادٍ: لِيَذْهَبْ كُلُّ قَوْمٍ إِلَى مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ! فَيَذْهَبُ أَصْحَابُ الصَّلِيبِ مَعَ صَلِيبِهِمْ، وَأَصْحَابُ الأَوْثَانِ مَعَ أَوْثَانِهِمْ، وَأَصْحَابُ كُلِّ آلِهَةٍ مَعَ آلِهَتِهِمْ، حَتَّى يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ، مِنْ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ، وَغُبَّرَاتٌ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ.

ثُمَّ يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ تُعْرَضُ كَأَنَّهَا سَرَابٌ، فَيُقَالُ لِلْيَهُودِ: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟

قَالُوا: كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيْرَ ابْنَ اللَّهِ.

فَيُقَالُ: كَذَبْتُمْ، لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ صَاحِبَةٌ وَلاَ وَلَدٌ، فَمَا تُرِيدُونَ؟

قَالُوا: نُرِيدُ أَنْ تَسْقِيَنَا، فَيُقَالُ: اشْرَبُوا! فَيَتَسَاقَطُونَ فِي جَهَنَّمَ.

ثُمَّ يُقَالُ لِلنَّصَارَى: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟

فَيَقُولُونَ: كُنَّا نَعْبُدُ المَسِيحَ ابْنَ اللَّهِ، فَيُقَالُ: كَذَبْتُمْ، لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ صَاحِبَةٌ، وَلاَ وَلَدٌ، فَمَا تُرِيدُونَ؟

فَيَقُولُونَ: نُرِيدُ أَنْ تَسْقِيَنَا.

فَيُقَالُ: اشْرَبُوا! فَيَتَسَاقَطُونَ.

حَتَّى يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ مِنْ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ، فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا يَحْبِسُكُمْ وَقَدْ ذَهَبَ النَّاسُ؟

فَيَقُولُونَ: فَارَقْنَاهُمْ، وَنَحْنُ أَحْوَجُ مِنَّا إِلَيْهِ اليَوْمَ، وَإِنَّا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي: لِيَلْحَقْ كُلُّ قَوْمٍ بِمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ، وَإِنَّمَا نَنْتَظِرُ رَبَّنَا.

قَالَ: فَيَأْتِيهِمُ الجَبَّارُ فِي صُورَةٍ غَيْرِ صُورَتِهِ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا، فَلاَ يُكَلِّمُهُ إِلَّا الأَنْبِيَاءُ، فَيَقُولُ: هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ آيَةٌ تَعْرِفُونَهُ؟

فَيَقُولُونَ: السَّاقُ.

فَيَكْشِفُ عَنْ سَاقِهِ، فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ، وَيَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ لِلَّهِ رِيَاءً وَسُمْعَةً، فَيَذْهَبُ كَيْمَا يَسْجُدَ، فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقًا وَاحِدًا، ثُمَّ يُؤْتَى بِالْجَسْرِ فَيُجْعَلُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ .

قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الجَسْرُ؟

قَالَ: مَدْحَضَةٌ مَزِلَّةٌ، عَلَيْهِ خَطَاطِيفُ وَكَلاَلِيبُ، وَحَسَكَةٌ مُفَلْطَحَةٌ لَهَا شَوْكَةٌ عُقَيْفَاءُ، تَكُونُ بِنَجْدٍ، يُقَالُ لَهَا: السَّعْدَانُ، المُؤْمِنُ عَلَيْهَا كَالطَّرْفِ وَكَالْبَرْقِ وَكَالرِّيحِ، وَكَأَجَاوِيدِ الخَيْلِ وَالرِّكَابِ، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ، وَنَاجٍ مَخْدُوشٌ، وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، حَتَّى يَمُرَّ آخِرُهُمْ يُسْحَبُ سَحْبًا …) رواه البخاري (7439) ومسلم (183).

والحديث واضح الدلالة على رؤية الله تعالى.

قال الشيخ عبد الله الغنيمان:

” ومحل الشاهد من الحديث قوله: (فيأتيهم الجبار في صورة غير صورته، التي رأوه فيه أول مرة)، وقوله: (فيكشف عن ساق، فيسجد له كل مؤمن) مع قوله: (فإنكم لا تضارون في رؤية ربكم يومئذ، إلا كما تضارون في رؤيتهما) جوابا لسؤالهم: (هل نرى ربنا يوم القيامة) وهي كما ترى أدلة واضحة صريحة، وهذا من أوضح الأدلة على أن عموم أهل الموقف من الرجال، والنساء، والمنافقين، يرونه، فإن الناس يعمهم، والحشر مشترك بينهم.

فقد ظهر مراد النبي صلى الله عليه وسلم لكل عاقل عارف باللغة بقوله: (إنكم سترون ربكم كما ترون الشمس والقمر ليس دونهما سحاب) أن مراده رؤيتهم إياه بأبصارهم، لا يستريب في ذلك من عرف دلالة الألفاظ على المعاني، وليس في الممكن عبارة أوضح من هذا” انتهى من “شرح كتاب التوحيد” (2/133).

ولا تعارض بين الحديثين.

فالله تعالى لكمال عظمته وجلاله لا تحيط به الأبصار، قال الله تعالى:

(لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) الأنعام/103.

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:

” (لا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ) لعظمته، وجلاله وكماله، أي: لا تحيط به الأبصار، وإن كانت تراه، وتفرح بالنظر إلى وجهه الكريم، فنفي الإدراك لا ينفي الرؤية، بل يثبتها بالمفهوم. فإنه إذا نفى الإدراك، الذي هو أخص أوصاف الرؤية، دل على أن الرؤية ثابتة ” انتهى من “تفسير السعدي” (ص 268).

فلذا لا يمتنع أن تتنوع الرؤية، فتكون رؤيته في الجنة أكمل من الرؤية في ساحة الحساب.

لأن المقام مختلف والحال مختلف.

ففي ساحة الحساب المقام والحال ليس للتنعيم، وإنما هو مقام تعظيم ورهبة وامتحان؛ فالرؤية هناك تتناسب مع هذا الموقف.

ثم إنها ليست خاصة بالمؤمنين، بل ظاهر الحديث أن غير المؤمنين يرون ربهم أيضا، ولذا يراه المنافقون، لكنهم لا يتمكنون من السجود هناك.

وينظر تفصيل ذلك في جواب السؤال رقم: (256455). 

وأما في الجنة فالحال مختلف، فأهل الجنة يدخلونها على هيئة وخلقة صالحة لكمال التنعم برؤية الله تعالى، فيرونه رؤية تكريم وتنعيم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

” فإنه سبحانه وتعالى يتجلى للمؤمنين في عرصات القيامة بعد أن يحجب الكفار كما دلت عليه الأحاديث المتقدمة، ثم يتجلى لهم في الجنة عموما وخصوصا دائما أبدا سرمدا…

ثم إن هذا النوع من “الرؤية” الذي هو عام للخلائق قد يكون نوعا ضعيفا ليس من جنس “الرؤية” التي يختص بها المؤمنون؛ فإن “الرؤية” أنواع متباينة تباينا عظيما لا يكاد ينضبط طرفاها ” انتهى من “مجموع الفتاوى” (6/503).

ثم إنه ينبغي للمسلم أمام أخبار الغيب الثابتة الصحيحة أن يؤمن ويسلم بها ولا يتعمق في كيفيتها، فهذا لا مجال للعقل فيه. وما سألت عنه من رؤية الذات كلها، ونحو ذلك مما ورد في السؤال، هو من تكييف الرؤية، والتكلف في القول فيها؛ ويكفي المؤمن أن يعلم أن رؤية الله ثابتة في الدار الآخرة، وأن ذلك من أعظم نعيم أهل الجنة.

قال ابن رجب رحمه الله تعالى:

” ومما يدخل في النهي عن التعمق والبحث عنه: أمور الغيب الخبريّة التي أمر بالإيمان بها، ولم يبين كيفيتها، وبعضها قد لا يكون له شاهد في هذا العالم المحسوس، فالبحث عن كيفية ذلك هو مما لا يعني، وهو مما ينهى عنه، وقد يوجب الحيرة والشك، ويرتقي إلى التكذيب…

قال إسحاق بن راهويه: لا يجوز التفكر في الخالق، ويجوز للعباد أن يتفكروا في المخلوقين بما سمعوا فيهم، ولا يزيدون على ذلك، لأنهم إن فعلوا تاهوا، قال: وقد قال الله: ( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ )، فلا يجوز أن يقال: كيف تسبح القصاع، والأخونة، والخبز المخبوز، والثياب المنسوجة؟ وكل هذا قد صح العلم فيهم أنهم يسبحون، فذلك إلى الله أن يجعل تسبيحهم كيف شاء وكما يشاء، وليس للناس أن يخوضوا في ذلك إلا بما علموا، ولا يتكلموا في هذا وشبهه إلا بما أخبر الله، ولا يزيدوا على ذلك، فاتقوا الله، ولا تخوضوا في هذه الأشياء المتشابهة، فإنه يرديكم الخوض فيه عن سنن الحق ” انتهى من “جامع العلوم والحكم” (2/ 172–173).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android