ما هي أصول الدين التي يكفر المعرض عن تعلمها؟ وهل الإعراض عن تعلم أركان الصلاة مثلا كفر؟
ما هو كفر الإعراض؟
السؤال: 397426
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
الإعراض لغة: الصدود. يقال: أعرض عن الشيء: صد عنه، بأن يوليه عُرضه – أي جانبه – ولا يقبل عليه، أو يلتفت إليه.
قال الفيومي: " وَأَعْرَضْتُ عَنْهُ أَضْرَبْتُ وَوَلَّيْتُ عَنْهُ وَحَقِيقَتُهُ جَعْلُ الْهَمْزَةِ لِلصَّيْرُورَةِ أَيْ أَخَذْتُ عُرْضًا أَيْ جَانِبًا غَيْرَ الْجَانِبِ الَّذِي هُوَ فِيهِ" انتهى من "المصباح المنير" (2/402).
وشر هذا الإعراض المؤدي إلى الكفر: أن يكون إعراضا تاما عن سماع الدين بالكلية، أو النظر في حججه من أصلها، أو عن تعلم الأصل الذي يدخل به الإنسان في الإسلام، مع قدرته على ذلك؛ لعدم الرغبة فيه، أو الإعراض عن قبوله، والانقياد القلبي له.
قال ابن القيم رحمه الله: " وأما كفر الإعراض: فأن يُعرض بسمعه وقلبه عن الرسول، لا يُصدِّقه ولا يكذبه، ولا يواليه ولا يعاديه، ولا يصغي إلى ما جاء به البتَّةَ، كما قال أحد بني عبد ياليل للنبي صلى الله عليه وسلم: والله أقول لك كلمة؛ إن كنت صادقا فأنت أجل في عيني من أن أرد عليك، وإن كنت كاذبا فأنت أحقر من أن أكلمك" انتهى من "مدارج السالكين" (1/ 347).
وقال أيضا: " الثالث: كفر إعراضٍ محض، لا ينظر فيما جاء به الرسول، ولا يحبه ولا يبغضه، ولا يواليه ولا يعاديه، بل هو معرض عن متابعته ومعاداته" انتهى من " مفتاح دار السعادة" (1/ 94).
وحال مثل هذا المعرض عن سماع الرسول، والنظر فيما جاء به: هو حال الكفار المحادين لله ورسوله، وإن لم يتبين له حقائق الدين والإيمان؛ فإنه هو الذي فوت على نفسه ذلك، وأعرض عن الحجة حتى فاتته، وعن الدين حتى لم يتبين له، وحجته داحضة عند ربه.
وقد ذم الله – في غير آية من كتابه – الكفار المكذبين بأنهم معرضون عن الحق بعد ما جاءهم، معرضون عما أنذروا به.
قال تعالى: أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ الأنبياء/24.
وقال تعالى:وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ الأنبياء/32.
وقال: وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ المؤمنون/71.
والآيات في هذا المعنى كثيرة.
قال العلامة الشنقيطي – في تفسير قول الله عز وجل: ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا ) الكهف/57.
" وَمَا ذَكَرَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، مِنْ أَنَّ الْإِعْرَاضَ عَنِ التَّذْكِرَةِ بِآيَاتِ اللَّهِ مِنْ أَعْظَمِ الظُّلْمِ: قَدْ زَادَ عَلَيْهِ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ بَيَانَ أَشْيَاءَ مِنَ النَّتَائِجِ السَّيِّئَةِ، وَالْعَوَاقِبِ الْوَخِيمَةِ النَّاشِئَةِ مِنَ الْإِعْرَاضِ عَنِ التَّذْكِرَةِ.
فَمِنْ نَتَائِجِهِ السَّيِّئَةِ: مَا ذَكَرَهُ هُنَا مِنْ أَنَّ صَاحِبَهُ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ ظُلْمًا.
وَمِنْ نَتَائِجِهِ السَّيِّئَةِ: جَعْلُ الْأَكِنَّةِ عَلَى الْقُلُوبِ حَتَّى لَا تَفْقَهَ الْحَقَّ، وَعَدَمُ الِاهْتِدَاءِ أَبَدًا، كَمَا قَالَ هُنَا مُبَيِّنًا بَعْضَ مَا يَنْشَأُ عَنْهُ مِنَ الْعَوَاقِبِ السَّيِّئَةِ: ( إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا ) [18 \ 57] .
وَمِنْهَا: انْتِقَامُ اللَّهِ جَلَّ وَعَلَا مِنَ الْمُعْرِضِ عَنِ التَّذْكِرَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ ) [32 \ 22] .
وَمِنْهَا: كَوْنُ الْمُعْرِضِ كَالْحِمَارِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ( فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ الْآيَةَ ) [74 \ 49 – 50] .
وَمِنْهَا: الْإِنْذَارُ بِصَاعِقَةٍ مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ( فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ الْآيَةَ ) [41 \ 13] .
وَمِنْهَا: الْمَعِيشَةُ الضَّنْكُ وَالْعَمَى، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ) [20 \ 124] .
وَمِنْهَا: سَلْكُهُ الْعَذَابَ الصَّعَدَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ( وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا ) [72 \ 17] .
وَمِنْهَا: تَقْيِيضُ الْقُرَنَاءِ مِنَ الشَّيَاطِينِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ( وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ) [43 \ 36] .
إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ النَّتَائِجِ السَّيِّئَةِ، وَالْعَوَاقِبِ الْوَخِيمَةِ النَّاشِئَةِ عَنِ الْإِعْرَاضِ عَنِ التَّذْكِيرِ بِآيَاتِ اللَّهِ جَلَّ وَعَلَا.
وَقَدْ أَمَرَ تَعَالَى فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِالْإِعْرَاضِ عَنِ الْمُتَوَلِّي عَنْ ذِكْرِهِ، الْقَاصِرِ نَظَرُهُ عَلَى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ مَبْلَغَهُ مِنَ الْعِلْمِ، فَلَا عِلْمَ عِنْدَهُ بِمَا يَنْفَعُهُ فِي مَعَادِهِ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ( فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ ) [53 \ 29 – 30] .
وَقَدْ نَهَى جَلَّ وَعَلَا عَنْ طَاعَةِ مِثْلِ ذَلِكَ الْمُتَوَلِّي عَنِ الذِّكْرِ الْغَافِلِ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: ( وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ) [18 \ 28] ، كَمَا تَقَدَّمَ إِيضَاحُهُ." انتهى، من "أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن" (3/309-310).
وأعظم الإعراض، الذي يخرج بالكلية من دين الإسلام: أن يكون قد سمع حجج الرسول، وسمع كلامه، وأتاه بيانه، وظهرت له حجته، غير أنه تولى عن طاعته بالكلية، وأعرض عن اتباعه، والانقياد لأمره، وشرعه.
قال الله تعالى: لَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ * وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ النور/46-52).
قال الشيخ السعدي، رحمه الله:
"يخبر تعالى عن حالة الظالمين، ممن في قلبه مرض وضعف إيمان، أو نفاق وريب وضعف علم، أنهم يقولون بألسنتهم، ويلتزمون الإيمان بالله والطاعة، ثم لا يقومون بما قالوا، ويتولى فريق منهم عن الطاعة توليا عظيما، بدليل قوله: وَهُمْ مُعْرِضُونَ؛ فإن المتولي، قد يكون له نية عود ورجوع إلى ما تولى عنه، وهذا المتولي معرض، لا التفات له ولا نظر لما تولى عنه.
وتجد هذه الحالة مطابقة لحال كثير ممن يدعي الإيمان والطاعة لله، وهو ضعيف الإيمان، وتجده لا يقوم بكثير من العبادات، خصوصا: العبادات التي تشق على كثير من النفوس، كالزكوات، والنفقات الواجبة والمستحبة، والجهاد في سبيل الله، ونحو ذلك.
وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أي: إذا صار بينهم وبين أحد حكومة، ودعوا إلى حكم الله ورسوله إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ يريدون أحكام الجاهلية، ويفضلون أحكام القوانين غير الشرعية على الأحكام الشرعية، لعلمهم أن الحق عليهم، وأن الشرع لا يحكم إلا بما يطابق الواقع.
وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ، أي: إلى حكم الشرع مُذْعِنِينَ؛ وليس ذلك لأجل أنه حكم شرعي، وإنما ذلك لأجل موافقة أهوائهم، فليسوا ممدوحين في هذه الحال، ولو أتوا إليه مذعنين، لأن العبد حقيقة: من يتبع الحق فيما يحب ويكره، وفيما يسره ويحزنه. وأما الذي يتبع الشرع عند موافقة هواه، وينبذه عند مخالفته، ويقدم الهوى على الشرع: فليس بعبد على الحقيقة.
قال الله في لومهم على الإعراض عن الحكم الشرعي: أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أي: علة، أخرجت القلب عن صحته، وأزالت حاسته، فصار بمنزلة المريض، الذي يعرض عما ينفعه، ويقبل على ما يضره، أَمِ ارْتَابُوا أي: شكوا، وقَلِقَت قلوبهم من حكم الله ورسوله، واتهموه أنه لا يحكم بالحق.
أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ أي: يحكم عليهم حكما ظالما جائرا، وإنما هذا وصفهم: بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ؛ وأما حكم الله ورسوله، ففي غاية العدالة والقسط، وموافقة الحكمة. وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ.
وفي هذه الآيات، دليل على أن الإيمان، ليس هو مجرد القول حتى يقترن به العمل، ولهذا نفى الإيمان عمن تولى عن الطاعة، ووجوب الانقياد لحكم الله ورسوله في كل حال، وأن من لم ينقد له دل على مرض في قلبه، وريب في إيمانه، وأنه يحرم إساءة الظن بأحكام الشريعة، وأن يظن بها خلاف العدل والحكمة." انتهى، من "تفسير السعدي" (571).
ثانيا:
بما سبق يتبين أن "كفر الإعراض": هو الإعراض عن سماع الحجة على دين الإسلام، أو تعلم ما يتبين له به صحة الدين، ويدخل به فيه، وترك العمل بذلك بالكلية.
قال الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله في بيان نواقض الإسلام: " العاشر: الإعراض عن دين الله تعالى، لا يتعلمه ولا يعمل به" انتهى .
قال الشيخ سليمان بن سحمان رحمه الله، بعد كلام له في تقرير مراد الشيخ:
" فتبين من كلام الشيخ: أن الإنسان لا يكفر – يعني: هذا النوع من الكفر – إلا بالإعراض عن تعلم الأصل الذي يدخل به الإنسان في الإسلام، لا ترك الواجبات والمستحبات." انتهى، من "منهاج أهل الحق والاتباع" (82).
وأما ما سوى ذلك مما قد يعرض المسلم عن تعلمه، وفهمه، والعمل به: فتعطَى كلُّ مسألة حقها؛ فمن أعرض عن تعلم أمر من أصول الدين الذي جاءه من عند الله، حتى وقع في الكفر، أو أنكر معلوما من الدين بالضرورة، أو استحل محرما، معلوم التحريم من دين الله: كفر بذلك.
ومن أعرض عن تعلم أمر، حتى ترك الواجب، فلم يعمل به، أو وقع في الحرام، لا عن استحلال لشيء من ذلك، بل على وجه المعصية: فإنه عاص بذلك الترك والإعراض، وإن لم يكفر بآحاد هذه المسائل.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" الجهل نوعان:
جهل يعذر فيه الإنسان، وجهل لا يعذر فيه. فما كان ناشئا عن تفريط وإهمال مع قيام المقتضي للتعلم; فإنه لا يعذر فيه، سواء في الكفر أو في المعاصي.
وما كان ناشئا عن خلاف ذلك، أي أنه لم يهمل ولم يفرط، ولم يقم المقتضي للتعلم، بأن كان لم يطرأ على باله أن هذا الشيء حرام; فإنه يعذر فيه، فإن كان منتسبا إلى الإسلام; لم يضره، وإن كان منتسبا إلى الكفر; فهو كافر في الدنيا، لكن في الآخرة أمره إلى الله على القول الراجح، يمتحن; فإن أطاع دخل الجنة، وإن عصى دخل النار. فعلى هذا من نشأ ببادية بعيدة ليس عنده علماء ولم يخطر بباله أن هذا الشيء حرام، أو أن هذا الشيء واجب; فهذا يعذر.
وله أمثلة:
منها: رجل بلغ وهو صغير، وهو في بادية ليس عنده عالم، ولم يسمع عن العلم شيئا، ويظن أن الإنسان لا تجب عليه العبادات إلا إذا بلغ خمس عشرة سنة، فبقي بعد بلوغه حتى تم له خمس عشرة سنة وهو لا يصوم ولا يصلي ولا يتطهر من جنابة; فهذا لا نأمره بالقضاء؛ لأنه معذور بجهله الذي لم يفرط فيه بالتعلم ولم يطرأ له على بال، وكذلك لو كانت أنثى أتاها الحيض وهي صغيرة، وليس عندها من تسأل، ولم يطرأ على بالها أن هذا الشيء واجب إلا إذا تم لها خمس عشرة سنة; فإنها تعذر إذا كانت لا تصوم ولا تصلي.
وأما من كان بالعكس، كالساكن في المدن يستطيع أن يسأل، لكن عنده تهاون وغفلة؛ فهذا لا يعذر؛ لأن الغالب في المدن أن هذه الأحكام لا تخفى عليه، ويوجد فيها علماء يستطيع أن يسألهم بكل سهولة; فهو مفرط، فيلزمه القضاء ولا يعذر بالجهل". انتهى من "القول المفيد شرح كتاب التوحيد" (1/173).
وبان بهذا أن النوع الثاني من الإعراض وهو ما يقع من المسلم: ليس كفرا في ذاته.
لكنه إن أعرض عما جاء به الرسول، وهو يعلم أن ذلك هو ما جاء به الرسول، فله حكم ما عمل، فإن كان كفرا، كفر بذلك، وإن كان معصية أو حدا ، فلكل أمر حكمه .
ولو أنه أعرض عن التعلم، لكنه لم يقع في الكفر، فإنه لا يكفر؛ لكن أبقى نفسه مع "الجاهلين"!!
وينظر للفائدة: "نواقض التوحيد" للدكتور عبد الله المعتق، وفيه مبحث عن "كفر الإعراض".
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب