عندي سؤال يتعلق برواية الأحاديث، لماذا ترد الكثير من الأحاديث لرواة معينين مثل أبي هريرة وابن عباس وغيرهم رضي الله عنهم، وبالمقابل لا نجد كثيرًا من الأحاديث لأعظم الصحابة قدرًا مثل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين؟ أليسوا أكثر الناس صحبة لنبينا صلى الله عليه وسلم، وبالتالي فقد سمعوا منه الكثير؟ هل هذه المعلومة صحيحة أساسا، وإن كانت صحيحة فلم ذلك؟
سبب قلة مرويات الخلفاء الراشدين؟
السؤال: 398868
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
الأحاديث التي رواها الخلفاء الراشدون الأربعة رضوان الله عليهم ليست بالقليلة، لكنها توصف بالقلة إذا قورنت بمرويات الرواة المكثرين من الصحابة كأبي هريرة رضي الله عنه.
فأبو بكر الصديق رضي الله عنه:” روى من الأحاديث (142) حديثا، اتّفق الشيخان على ستة، وانفرد البخاريّ بأحد عشر، ومسلم بحديث واحد ” انتهى. من “مشارق الأنوار الوهاجة” (3/ 36).
وعمر بن الخطاب: ” له خمسمائة وتسعة وثلاثون حديثا، اتفقا على عشرة، وانفرد البخاري بتسعة، ومسلم بخمسة عشر.
وعثمان بن عفان، له مائة وستة وأربعون حديثا، اتفقا على ثلاثة وانفرد البخاري بثمانية، ومسلم بخمسة.
وعلي بن أبي طالب، له خمسمائة حديث وستة وثمانون حديثا، اتفقا على عشرين، وانفرد البخاري بتسعة، ومسلم بخمسة عشر. انتهى من “ذخيرة العقبى” (2/203)، و (2/369)، و (2/457).
وسبب قلة أحاديثهم بالنسبة للمكثرين، ليس راجعا إلى قلة علمهم بسنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ وإنما للآتي:
أولا: أن وفاتهم تقدمت؛ فآخرهم وفاة وهو علي بن أبي طالب رضي الله عنه توفي سنة 40 هـ، ولم يعش أبو بكر رضي الله عنه بعد النبي صلى الله عليه وسلم سوى سنتين وأشهر يسيرة.
قال النووي رحمه الله تعالى:
” رُوي للصديق، رضى الله عنه، عن رسول الله – صلَّى الله عليه وسلّم – مائة حديث واثنان وأربعون حديثا، اتفق البخاري ومسلم منها على ستة، وانفرد البخاري بأحد عشر، ومسلم بحديث، وسبب قلة رواياته مع تقدم صحبته وملازمته النبي صلّى الله عليه وسلّم: أنه تقدمت وفاته قبل انتشار الأحاديث، واعتناء التابعين بسماعها وتحصيلها وحفظها” انتهى من “تهذيب الأسماء واللغات” (2/182).
بينما نجد من المكثرين من تأخرت وفاته جدا، فأنس بن مالك رضي الله عنه توفي سنة 93 هـ، وقد جاوز المائة فأخذ عنه أجيال من التابعين.
ثانيا: أنهم، مع تقدم وفاتهم، قد شغلوا بأعباء الخلافة عن الجلوس للتحديث والتعليم.
بخلاف غيرهم من المكثرين فقد تفرغوا لهذه المهمة – مهمة التحديث والتعليم – كحال أبي هريرة رضي الله عنه، كما يشير حديث عُرْوَة بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: ” أَلاَ يُعْجِبُكَ أَبُو فُلاَنٍ، جَاءَ فَجَلَسَ إِلَى جَانِبِ حُجْرَتِي، يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُسْمِعُنِي ذَلِكَ وَكُنْتُ أُسَبِّحُ، فَقَامَ قَبْلَ أَنْ أَقْضِيَ سُبْحَتِي، وَلَوْ أَدْرَكْتُهُ لَرَدَدْتُ عَلَيْهِ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَسْرُدُ الحَدِيثَ كَسَرْدِكُمْ” رواه البخاري (3568)، ومسلم (2493) وفي روايته: ” أَلَا يُعْجِبُكَ أَبُو هُرَيْرَةَ … “.
فنجد هؤلاء الخلفاء رضوان الله عليهم قلت مروياتهم الحديثية بسبب انشغالهم بأعباء الخلافة وعدم تفرغهم للتحديث.
وفي المقابل كثرت المرويات عنهم المتعلقة بالفتوى والقضاء بسبب طبيعة وظيفتهم في الحكم.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
“والذين حفظت عنهم الفتوى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مئة ونيّف وثلاثون نفسا، ما بين رجل وامرأة، وكان المكثرون منهم سبعة: عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وعائشة أم المؤمنين، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر.
قال أبو محمد بن حزم: ويمكن أن يجمع من فتوى كل واحد منهم سفر ضخم…
قال أبو محمد: والمتوسطون منهم فيما روي عنهم من الفتيا: أبو بكر الصديق، وأم سلمة، وأنس بن مالك، وأبو سعيد الخدري، وأبو هريرة، وعثمان بن عفان… ” انتهى. “إعلام الموقعين” (2/ 18-19).
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب