طلقني زوجي الأول طلاقا بائنا، وأنا أعلم أنه لا يحل لي الرجوع له حتى أنكح زوجا غيره، نكاح رغبة، لا نكاح تحليل، تزوجت ثانيا، وطلقت قبل الدخول، وطبعا لازلت لا أحل للأول، والآن أنا حزينة جدا، ولازلت أحب زوجي الأول، وادعو ربي أن يعيده لي بزواج يرضيه، يعني بعد نكاح ثانٍ نكاح رغبة، لكن هل هذا اعتداء في الدعاء؟
قرأت أن امراة مثلي تدعو كذلك، ولكن وهي متزوجة، فقالوا لها: هذا اعتداء؛ لأنه يعني الدعاء بالطلاق من الثاني، ولكن أنا لست متزوجة الآن، وأدعو ربي أن يعيدني للأول فيما يرضيه، وأزيد في الدعاء “إن لم يكن اعتداء في الدعاء” تحرزا من أن أدعو بإثم أو قطيعة، فهل دعائي هكذا مع الاحتراز كما بينت لكم جائز؟
تقدم لي كثير، ولكن لم أكن أبدا سعيدة مع شخص مثله، وأنا اعاني بشدة من هذه الفرقة، ولا يريحني أحيانا ويهدئ حالي إلا عندما أدعو ربي بهذا، تغمرني الطمانينة، واليقين بعدها، وتتحسن نفسيتي، موقنة بالاجابة، فهل يجوز هذا؟ وهل اذا اشتطرت في الزواج من رجل آخر أن يسرحني إن لم أحبه بعد الزواج، أو لم أكن سعيدة معه تحايل على التحليل؟ يعني إذا تزوجته وهو لا يعجبني، ولكن دون نية النشوز عليه، فقط اشترط إن لم أحبه بعد الزواج يطلقني، وأنا أعلم أنني أحب الأول، فهل هذا غش؟ قرأت أن التي تتزوج فقيرا عالمة بفقره ثم تطلب الطلاق لإعساره لترجع إلى الاول ففي هذا اختلاف.
تريد أن تشترط الطلاق إن لم تحبه لترجع لزوجها السابق!
السؤال: 399296
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
إذا كان زوجك قد طلقك ثلاث تطليقات، فإنك تبينين منه، ولا تحلين له حتى تنكحي زوجا غيره، نكاح رغبة لا نكاح تحليل، ثم يموت عنك أو يطلقك.
ولا حرج في دعائك أن يعيد الله لك زوجك الأول، لكن ينبغي أن تقيدي ذلك بما إذا كان خيرا لك؛ لأن العبد قد يدعو بالشيء فيستجيب الله له ولا يكون له فيه الخير.
ثانيا:
إذا تزوجت المرأة فقيرا عالمة بإعساره، ثم لم يقدر على نفقتها، ففي فسخ النكاح بالإعسار حينئذ خلاف بين الفقهاء، والجمهور على أن لها الفسخ.
وذهب ابن القيم رحمه الله إلى أنه ليس لها الفسخ، ورجحه الشيخ ابن عثيمين وقال: لكن يحق لها أن تعمل ولا يمنعها زوجها، وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله.
قال الشيخ بان عثيمين رحمه الله: ” المشهور من مذهب الإمام أحمد، أن لها الفسخ مطلقاً، سواء تزوجته وهو معسر عالمة بإعساره، أو تزوجته وهو معسر جاهلة بإعساره، أو تزوجته وهو موسر ثم أعسر، فالأحوال ثلاثة:
الحال الأولى: أن يكون معسراً ولم تعلم بإعساره، فالقول بأن لها فسخ النكاح قول قوي؛ لأنه غرَّها وخدعها، وكان عليه حين تزوجها وهو معسر أن يبين لها؛ لتدخل على بصيرة، وهذا أمر واضح، وعلته واضحة، وإذا كان الرسول صلّى الله عليه وسلّم تبرأ ممن غش، فهذا من أغش الغش.
الحال الثانية: إذا تزوجها وهو معسر، عالمة بعسرته، فلها أن تطالب بالنفقة على المذهب، وتقول: إما أن تطلق وإما أن تنفق؛ وعلة ذلك أن نفقتها تتجدد كل يوم، فإذا أسقطت نفقة غدٍ لم تسقط؛ لأنها لم تملكها بعد، وإسقاط الشيء قبل وجوبه لا عبرة به.
الحال الثالثة: تزوجته وهو موسر ثم افتقر بأمر الله لا بيده، فلها المطالبة بالنفقة للعلة السابقة، وهي أن الإنفاق عليها في مقابلة الاستمتاع، فإذا تعذر فلها أن تطالب بالفسخ، وهذا هو المشهور من المذهب.
واختار ابن القيم رحمه الله أنه لا فسخ لها إلاّ في الصورة الأولى، وهي إذا تزوجها معسراً جاهلة بإعساره، وقال: إنها في الصورة الثانية قد دخلت على بصيرة، فهي كما لو تزوجته وبه عيب من بخر، أو برص، أو غير ذلك من العيوب، فإنها لا تملك الفسخ بعد ذلك؛ لأنها رضيت به، وهي هنا رضيت به معيباً بالفقر، فلا تملك الفسخ.
وأما إذا كان غنياً ثم افتقر فإنه أيضاً لم يحصل منه جناية ولا عدوان، والله تعالى يقول: (وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا) الطلاق/7، وهذا لم يؤتَ شيئاً، فلا يكلفه الله.
فتعاليل ابن القيم رحمه الله قوية جداً، لكن الذين قالوا: إن لها الفسخ استدلوا بآثار، منها ما في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول، قال أبو هريرة: المرأة تقول: أنفق عليّ، أطعمني أو طلقني، فقيل لأبي هريرة: سمعت ذلك من النبي صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: لا، قالها أبو هريرة من كيسه، أي: استنبطها من الحديث.
قالوا: وهذا قول صحابي، وأيضاً نحن لا نكلفه ما لا يستطيع، لكن أيضاً لا نبقي هذه المرأة مع الضرر عليها؛ لأنها محبوسة على زوجها وليس لها ما تقيت به نفسها.
ولهذا ذهب بعض أهل العلم إلى قول جيد يجمع بين الحقوق، فقال: ليس لها الفسخ في الحالة الثالثة؛ لأن هذا ليس باختياره، وفي الحال الثانية ليس لها الفسخ؛ لأنها دخلت على بصيرة، ولكن لا يمنعها من التكسب؛ لأنه إذا كان ينفق عليها له الحق أن يمنعها من التكسب، فإذا كان لا ينفق، فليرخَّص لها في التكسب، وهذا قولٌ قوي، وإليه ذهب أبو حنيفة رحمه الله…
وعلى كل حال؛ فالقول الذي أطمئن إليه أنها لا تملك الفسخ، لكن لا يملك منعها من التكسب، وهذا في غير الصورة الأولى، وهي ما إذا تزوجته ولم تعلم بإعساره” انتهى من “الشرح الممتع” (13/491).
ثالثا:
إذا تزوجت المطلقة ثلاثا من معسر، ثم طلبت الفسخ لإعساره، فهذه الحيلة تجوز عند من يرى أن نية المرأة غير مؤثرة، أي لو تزوجت وهي تريد التحليل وتعزم على طلب الطلاق أو الفسخ.
وأما على القول بأن نيتها مؤثرة: فهذه الحيلة تكون محرمة؛ لما فيها من خداع الرجل، والمكر به.
وقد اختلف الفقهاء فيما لو نوت المرأة بزواجها من الثاني التحليل دون علم من تزوجها، وصورة ذلك أن تتزوج من الثاني بغرض التحليل، ثم تدعوه للطلاق أو الفسخ لترجع إلى الأول.
فذهب جماعة من أهل العلم، كالحسن وإبراهيم النخعي، وصححه بعض الحنابلة ، إلى أن ذلك من التحليل المحرم ، فلا تحل لزوجها الأول في الباطن ، أي فيما بينها وبين ربها .
وذهب آخرون إلى أن نيتها لا تؤثر، فإن طلقها الثاني حلت للأول، وإليه ذهب المالكية والحنابلة في المذهب.
والراجح الأول كما بينا في جواب السؤال رقم:(131290).
رابعا:
ومثل ذلك لو تزوجت، واشترطتِ الطلاق إن لم تحبه أو لم تكن سعيدة معه، فكل هذا راجع إلى نيتها التحليل، ولا يحصل لها التحليل بذلك كما قدمنا، وتأثم بحيلتها.
على أن هذا الشرط فاسد يبطل النكاح من أصله.
قال ابن قدامة رحمه الله: ” القسم الثالث: ما يبطل النكاح من أصله، مثل أن يشترطا تأقيت النكاح، وهو نكاح المتعة، أو أن يطلقها في وقت بعينه، أو يعلقه على شرط، مثل أن يقول: زوجتك إن رضيت أمها أو فلان، أو يشترط الخيار في النكاح لهما، أو لأحدهما، فهذه شروط باطلة في نفسها، ويبطل بها النكاح” انتهى من “المغني” (7/95).
فإذا اشتمل النكاح على اشتراط الطلاق المعلق على شرط، بطل النكاح.
فالنصيحة لك، أن تتركي الحيل، وأن تسلمي أمرك لله، وأن تقبلي بالزوج الصالح إذا جاءك، وأن تكون نيتك في النكاح الاستدامة، ولعل الله أن يعوضك خيرا.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة