أردت الزواج من امرأة فكانت طريقة العقد أن قمت بالاتصال بوالدها وهي جالسة معي، وكان الإيجاب والقبول بيني وبينه، وفيما يتعلق بالشهود كانت أختاها وأمها عند الأب فشهدوا، وقمت بالاتصال بأحد المعارف (رجل) فسمع صيغة الإيجاب والقبول، وتأكدت منه أنه سمعها، ولكن الإشكال الآن هو أن الشاهد الذي اتصلت به لا يعرف المرأة، ولا يعرف أباها، ولا اسمها، ولا أي شيء عنها، ولم يرها، وإنما أخبرته أني سأعقد على امرأة، وأريده أن يشهد، فسمع الصيغة فقط، ولم يعلم أي شيء آخر، فهل هذا النكاح صحيح؟
هل يصح النكاح مع عدم معرفة الشهود للمرأة؟
السؤال: 402067
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
العقد المذكور لم يستوفِ شروط الصحة ، ويلزم إعادةُ عقدِه على الوجه المشروع المستكمل للشروط والأركان.
وقد تضمّن إجراءُ العقد المذكور أربعةَ إشكالات : إجراء عقد النكاح بوسائل الاتصال ، وشهادة النساء في عقد النكاح، وشهادة الأم لابنتها ، وشهادة مَن لم يعرف عين المرأة.
أمّا المسألة الأولى وهي عقد النكاح عبر وسائل الاتصال الحديثة فهي موضع خلاف بين أهل العلم المعاصرين ، والأقربُ صحةُ عقد النكاح بوسائل الاتصال المباشر إذا أُمن التلاعب ، وسَمع الشهودُ الإيجابَ والقبولَ مع معرفتهم بالزوجين وتوفرت أركان عقد النكاح وشروطه.
وينظر الفتاوى (2201) و(105531).
وأمّا المسألة الثانية: فيُشترط لصحةِ عقد النكاح أن يشهد عليه رجلان عدلان ؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا نِكاحَ إِلَّا بِوَليٍّ، وشاهِدَيْ عَدْلٍ أخرجه ابن حبان في صحيحه (9/386 رقم4075) ، والدارقطني (3/152 رقم3479)، وابن حزم في المحلى (9/465): مِن طريق ابن جريج ، عن سليمان بن موسى ، عن الزهري ، عن عروة به.
وقال ابنُ حبان: ” ولا يصحُّ في ذكر الشاهدين غير هذا الخبر ” ، وقال ابن حزم في المحلى : ” لا يصحّ في هذا الباب – يعني في ذكر شاهدَي عدل – شيءٌ غير هذا السند ، وفي هذا كفايةٌ ؛ لصحّته ” ، وصحّحه الألباني في إرواء الغليل (6/258) ، وذكر طرقه وشواهده .
وعن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه قال: ” لا نكاحَ إلا بوليٍّ وشاهدَي عدلٍ ” أخرجه البيهقي (14/144 رقم13843) من طريق سعيد بن المسيَّب عن عمر رضي الله عنه ، وقال البيهقي : ” هذا إسنادٌ صحيحٌ، وابنُ المسيّب كان يُقالُ: له روايةُ عمرَ رضي الله عنه ” . وقد سُئل الإمام أحمد – كما في تهذيب الكمال (11/73) – فقيل له: سعيدٌ عن عمر حجة؟ فقال: ” هو عندنا حجّةٌ، قد رأى عمرَ رضي الله عنه ، وسمع منه، وإذا لم يُقبل سعيدٌ عن عمر فمَن يُقبل؟! ” ، وقال أيضاً بعدها: ” مرسلاتُ سعيد بن المسيّب صحاحٌ، لا يُرى أصحّ مِن مرسلاته ” ، وحكى ابن القيم في زاد المعاد (5/183) إجماع أهل الحديث قاطبة على قبول رواية سعيد عن عمر رضي الله عنه .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ” لا نكاحَ إلا بولي مُرشد، وشاهدَي عدلٍ ” أخرجه الشافعي بهذا اللفظ في الأم (7/235) – ومِن طريقه البيهقي (14/106 رقم13767) . وقال الشافعي عن الأثر في الأم (5/180): ” وهو ثابت عن ابن عباس رضي الله عنهما وغيرِه من أصحاب رسول الله ” ، وصحّحه الألبانيُّ في إرواء الغليل (6/251) .
ولا تصح شهادة النساء في عقد النكاح عند كثير من العلماء ، ومنهم الشافعية والحنابلة :
قال ابن قدامة قي “المغني” (9/349) : ” ولا ينعقد – أي النكاح – بشهادة رجل وامرأتين ، وهذا قول النخعي والأوزاعي والشافعي … ، ولنا أنّ الزهري قال: مضت السنة مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تجوزَ شهادةُ النساء في الحدود، ولا في النكاح، ولا في الطلاق. رواه أبو عبيد في الأموال ” انتهى .
وذهب الحنفية إلى صحة النكاح إذا شهد عليه رجلٌ وامرأتان ، ولا تصح شهادة النساء منفردات :
قال في “الدر المختار” (5/465) : ” ونصابُها لغيرها -أي نصاب الشهادة لغير القصاص والحدود والولادة ونحوها- مِن الحقوق سواء كان الحقُّ مالًا أو غيرَه كنكاح وطلاق ووكالة ووصية واستهلال صبي ولو للإرث: رجلان .. ، أو رجل وامرأتان .. ، ولا تُقبل شهادة أربعٍ بلا رجل ؛ لئلا يكثرَ خروجُهن ، وخصهن الأئمة الثلاثة بالأموالِ وتوابعها ” انتهى .
واختار شيخ الإسلام ابن تيمية أنه لا يشترط الإشهاد، وأنه يكفي الإعلان والإشهار، واختاره من المعاصرين الشيخ ابن عثيمين .
انظر: “مجموع فتاوى ابن تيمية” (32/127)، “الاختيارات” (صـ 210)، “الشرح الممتع” (12/94).
وأما المسألة الثالثة فأكثر الفقهاء على أنه لا تجوز الشهادةُ للأصول والفروع :
جاء في “الهداية” للمرغيناني (3/ 122) مِن كتب الحنفية : ” ولا شهادة الوالد لولده وولد ولده، ولا شهادة الولد لأبويه وأجداده ” انتهى .
وقال الماوردي في “الحاوي الكبير” (17/163) : ” ولا تقبل شهادة الوالد لمولديه به وإن سفلوا ، ولا شهادة الولد لوالديه وإن بعدوا ، وهذا قول مالك وأبي حنيفة وجمهور الفقهاء ” انتهى .
وجاء في “الموسوعة الفقهية الكويتية” (6/ 261) : ” شهادة الفرع للأم وعكسه: لا تقبل شهادة أحدهما للآخر عند جماهير العلماء ، وبه قال شريح والحسن والشعبي والنخعي وأبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين عنه – وهي المذهب – وإسحاق وأبو عبيد وأصحاب الرأي ” انتهى .
وعليه؛ فلا تصح شهادة الأم لابنتها حتى عند القائلين بصحة شهادة النساء في النكاح، ولكن هذه المسألة ليست مؤثرة في المسألة لوجود امرأتين غير الأم ، وهما أختا الزوجة ، والشهادة بين الإخوة مقبولة عند جمهور أهل العلم، فشهادة الأختين كافية عند مَن يجيز شهادة النساء في النكاح، إذا وجد معهن رجلٌ صحيح الشهادة ، ولكن سيأتي في المسألة التالية حكم شهادة الرجل الذي معهن .
وأمّا المسألة الرابعة: فيُشترط في صحة الشهادة على عقد النكاح: معرفة المرأة المشهود عليها، أو معرفة ما يتحقق به تعيينها، بأن يشار إليها مع حضورها مثلًا ، أو معرفة أبيها مع ذكر ما يميزها إذا كان له بنات غيرها.
قال ابن قدامة في “المغني” (14/139): ” إذا عَرف المشهودَ عليه باسمه وعينه ونسبه، جاز أن يَشهد عليه، حاضرًا كان أو غائبًا.
وإن لم يَعرف ذلك، لم يجز أن يَشهد عليه مع غيبته، وجاز أن يشهد عليه حاضرًا، بمعرفة عينه ..
والمرأةُ كالرجل، في أنه إذا عرفها، وعرف اسمَها ونسبَها، جاز أن يَشهد عليها مع غيبتها.
وإن لم يعرفْها، لم يَشهد عليها مع غيبتِها . قال أحمد في رواية الجماعة: لا يشهد إلا لمن يعرف ، وعلى مَن يعرف ، ولا يشهد إلا على امرأة قد عرفها، وإن كانت ممّن قد عرف اسمَها، ودُعيت، وذَهبت، وجاءت، فليشهد، وإلا فلا يشهد . فأمّا إن لم يعرفها، فلا يجوز أن يشهد مع غيبتها ، ويجوز أن يَشهد على عينها إذا عرف عينَها ” انتهى.
وأما أن يشهد الشاهد على امرأة لا يعرفها، ولا يعرف نسبها ولا أهلها، وليست هي حاضرة في مجلس العقد، كما هو الحاصل في العقد المذكور: فلا يصح ذلك، ولا معنى للشهادة عليه، مع كل هذه الجهالات.
وبناء على ما سبق فيلزم السائل أنْ يعيد عقدَ النكاح على وجهٍ تتوفر فيه الشروطُ والأركان المعتبرة شرعًا .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة