تنزيل
0 / 0

هل صح أن ابن عباس قال: (ما أنزل الله من السماء كتاباً إلا بالعبرانية)؟

السؤال: 403261

ما صحة الأثر المروي عن ابن عباس رضي الله عنهما في “كتاب اللغات في القرآن”
الأثر بالسند يقول:
أخبرنا الشيخ أبو محمد إسماعيل بن عمرو بن إسماعيل بن راشد الحدّاد المقرىء، قراءةً عليه، قال: حدّثني أبو أحمد عبد الله بن الحسين بن حسنون المقريء، قال حدَّثنا أحمد بن محمد بن سعيد بن أبان القرشي، قال حدثنا أبو جعفر محمد بن أيوب المقرئ، عن عبد الملك بن عبد العزيز ابن جُريج، عن عطاء، عن ابن عباس في قوله عز وجل: (بِلِسانٍ عَرَبِيٍ مُبين) قال: بلسان قريش، ولو كان غير عربي ما فهموه، وما أنزل الله عز وجل من السماء كتاباً إلا بالعبرانية، وكان جبريل عليه السلام يُترجم لكل نبي بلسان قومه، وذلك أن الله عز وجل قال (وَما أَرسَلنا مِن رَسولٍ إلّا بِلِسانِ قَومِهِ لِيُبَينَ)، وهل صحت أية طرق للأثر؟

ملخص الجواب

هذا الأثر لا يثبت عن ابن عباس، ونزول القرآن بلسان قريش ثابت صحيح، وأما أن الكتب السابقة كلها نزلت بالعبرانية فباطل.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

قال إسماعيل بن عمرو المقرىء:

” حدّثني أبو أحمد عبد الله بن الحسين بن حسنون المقريء، قال حدَّثناأبو العباس أحمد بن عبيد، قال: حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد بن أبان القرشي، قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن أيوب المقرئ، عن عبد الملك بن عبد العزيز ابن جُريج، عن عطاء، عن ابن عباس في قوله عز وجل: ( بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ) قال: بلسان قريش، ولو كان غير عربي ما فهموه. وما أنزل الله عز وجل من السماء كتاباً إلا بالعبرانية، وكان جبريل عليه السلام يُترجم لكل نبي بلسان قومه. وذلك أن الله عز وجل قال ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ) ” انتهى من “اللغات” (ص 19).

وبنحو هذا ورد في “لغات القبائل” المطبوع على أنه لأبي عبيد القاسم بن سلام، ورجح بعض الباحثين أنه هو نفسه الكتاب السابق “اللغات”، فورد فيه:

” أخبرنا الشيخ الفقيه الحافظ النبيه شرف الدين أبو الحسن علي بن المفضل بن علي المقدسي – رحمه الله – إجازة. قال: أخبرنا الشيخان الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد السلفي الأصبهاني، وشهاب الدين أبو عبد الله محمد بن يوسف القونوي، عن أبي العباس أحمد بن إبراهيم بن الخطاب، عن أبي محمد إسماعيل، عن ابن عمر بن إسماعيل المقري بن عبيد، عن الحسن بن محمد عن أحمد بن أبان القرشي عن أبي جعفر محمد بن أيوب عن عبد الملك بن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس – رضي الله عنهما – في قوله – عز وجل – ( بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ) . قال: بلسان قريش، ولو كان غير عربي ما فهموه، وما أنزل الله كتابا من السماء إلا بالعربية، وكان جبريل عليه السلام يترجم لكل نبي بلسان قومه، وذلك معنى قوله تعالى ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ) ” انتهى. “لغات القبائل” (ص 3 ترقيم الشاملة).

وجملة من رواة هذا الإسناد لم نستطع الوقوف على حالهم، ولا على أعيانهم.

وقد رواه أبو القاسم الرافعي القزويني في “التدوين في أخبار قزوين” بالشطر الأول منه فقط، من نفس الطريق، حيث قال:

” رأيت بخط القاسم بن نصر الحساني في كتاب مصنف في الوقف والابتداء: حَدَّثَنِي أَبُو يَعْقُوبَ إسحاق بن مندة المقرىء الْكَرَجِيُّ، حدثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْن سليمان بْن داؤد بْن عُقْبَةَ، حدثَنَا أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الأَعْظَمِ الْقَزْوِينِيُّ، حدثَنَا أبو الحسن الجوسقي المقرىء، حدثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سعيد ابن أبان القرشي المقرىء مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، حدثَنَا أبو جعفر المقرىء مُؤَدِّبُ جَعْفَر بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ( بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ). قَالَ: بلسان قريش؛ ولو كَانَ غير عَرَبِيٌّ مَا فَهِمُوهُ ” انتهى. “التدوين في أخبار قزوين” (1 / 297).

وهذا الشطر له ما يشهد له.

فقد ورد عن مجاهد تلميذ ابن عباس، روى ابن أبي شيبة في “المصنف” (16/403): حَدَّثنا زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ، عَنْ سَيف، قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ: ( نَزَلَ الْقُرْآنُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ، وَبِهِ كَلامُهُمْ ).

وثبت في الصحيح عن عثمان رضي الله عنه، فعن أَنَس بْنِ مَالِكٍ: ” أَنَّ حُذَيْفَةَ بْنَ اليَمَانِ قَدِمَ عَلَى عُثْمَانَ، وَكَانَ يُغَازِي أَهْلَ الشَّأْمِ فِي فَتْحِ أَرْمِينِيَةَ وَأَذْرَبِيجَانَ مَعَ أَهْلِ العِرَاقِ، فَأَفْزَعَ حُذَيْفَةَ اخْتِلاَفُهُمْ فِي القِرَاءَةِ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ لِعُثْمَانَ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، أَدْرِكْ هَذِهِ الأُمَّةَ، قَبْلَ أَنْ يَخْتَلِفُوا فِي الكِتَابِ اخْتِلاَفَ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى، فَأَرْسَلَ عُثْمَانُ إِلَى حَفْصَةَ: أَنْ أَرْسِلِي إِلَيْنَا بِالصُّحُفِ نَنْسَخُهَا فِي المَصَاحِفِ، ثُمَّ نَرُدُّهَا إِلَيْكِ، فَأَرْسَلَتْ بِهَا حَفْصَةُ إِلَى عُثْمَانَ، فَأَمَرَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدَ بْنَ العَاصِ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ فَنَسَخُوهَا فِي المَصَاحِفِ، وَقَالَ عُثْمَانُ لِلرَّهْطِ القُرَشِيِّينَ الثَّلاَثَةِ: إِذَا اخْتَلَفْتُمْ أَنْتُمْ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي شَيْءٍ مِنَ القُرْآنِ فَاكْتُبُوهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ، فَإِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ، فَفَعَلُوا حَتَّى إِذَا نَسَخُوا الصُّحُفَ فِي المَصَاحِفِ، رَدَّ عُثْمَانُ الصُّحُفَ إِلَى حَفْصَةَ، فَأَرْسَلَ إِلَى كُلِّ أُفُقٍ بِمُصْحَفٍ مِمَّا نَسَخُوا، وَأَمَرَ بِمَا سِوَاهُ مِنَ القُرْآنِ فِي كُلِّ صَحِيفَةٍ أَوْ مُصْحَفٍ أَنْ يُحْرَقَ” رواه البخاري (4987).

ورواه القزويني أيضا في “التدوين” (2/48) بنفس الطريق، عن عثمان بن موسى بن محمد، قال: حدثني محمد بن يحيى بن عبدي بقزوين، حدثنا أبو الحسن علي بن أبي علي المقرىء القرشي، حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد مؤدب جعفر بن سلمة، عن عبد الملك بن جريح، عن عطاء، عن ابن عباس: في قول الله تعالى: ( بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ )، قال: ( بلسان قريش ولو كان غير عربي ما فهموه، وما أنزل الله من السماء كتابا إلا بالعبرانية ).

وهذا إسناد واه؛ لأن فيه علي بن أبي علي القرشي.

قال ابن عدي رحمه الله تعالى:

“علي بن أبي علي القرشي يحدث عنه بقية.

مجهول ومنكر الحديث ” انتهى من “الكامل” (6/313).

والثابت أن الله تعالى أنزل كتبه بلسان أقوام رسله.

قال الله تعالى: ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ) إبراهيم/4.

ولم يثبت أن هؤلاء الاقوام كانت ألسنتهم كلهم عبرانية؛ بل قد تكون العبرانية وقد تكون غيرها.

روى الطبري في “التفسير” (13/593)، قال: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: حدثنا يَزِيدُ، قَالَ: حدثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ )، أَيْ: بِلُغَةِ قَوْمِهِ مَا كَانَتْ.

وأما عبارة: ” وكان جبريل عليه السلام يُترجم لكل نبي بلسان قومه”.

فلم نقف لها على إسناد صحيح، وقد رواها ابن مردويه في “التفسير”، كما في “اللآلىء المصنوعة”، حيث قال السيوطي رحمه الله تعالى:

” قَال ابْن مرْدَوَيْه فِي “التَّفْسِير”: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن الْحَسَن الثَّقَفِيّ، حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن سلب، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر بْن عَيَّاش، عَن الْكَلْبِيّ، عَن أَبِي صالِح، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: ( كَانَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام يُوحَى إِلَيْهِ بِالْعَرَبِيَّةِ وَيَنْزِلُ هُوَ إِلَى كُلِّ نَبِيٍّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ ) ” انتهى من “اللآلىء المصنوعة ” (1/18).

وهو من رواية الكلبي عن أبي صالح، وهو طريق ضعيف جدا.

قال الذهبي رحمه الله تعالى:

” محمد بن السائب الكلبي الكوفي أبو النضر عن الشعبي تركوه، كذبه سليمان التيمي وزائدة وابن معين وتركه القطان وعبد الرحمن ” انتهى من “المغني في الضعفاء” (2/584).

وقال ابن أبي حاتم رحمه الله تعالى:

” باذام أبو صالح، ويقال باذان، مولى أم هانئ روى عن: أم هانئ، وابن عباس، وأبي هريرة.

روى عنه: إسماعيل بن أبي خالد… والكلبي…

أخبرنا أبو بكر ابن أبي خيثمه فيما كتب إلي، قال: سمعت يحيى بن معين يقول: أبو صالح مولى أم هانئ ليس به بأس، فإذا روى عنه الكلبي فليس بشيء، وإذا روى عنه غير الكلبي فليس به بأس؛ لأن الكلبي يحدث به مرة من رأيه، ومرة عن أبي صالح، ومرة عن أبي صالح عن ابن عباس ” انتهى من “الجرح والتعديل” (2 / 431 – 432).

والله أعلم.

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعتم بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android