0 / 0

تقديم الإمام البخاري على مسلم في الصنعة الحديثية

السؤال: 409108

قرأت أن الإمام أبو حاتم وأبو زرعة يقدمان مسلما على شيوخ عصرهما في معرفة الصحيح من الحديث، وطبعاً البخاري كان من شيوخ ذلك العصر، وبالتالي فإن أبا حاتم وأبا زرعة يقدمان مسلما على البخاري في معرفة صحة الحديث، فكيف يُقال: إن صحيح البخاري قد أجمعت الأمة على أنه أصح كتب الحديث؟ وهل الإجماع قد يرتبط بفترة زمنية محددة، أم أنه مطلق الزمان؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

ورد عن أبي زرعة وأبي حاتم الرازيان أنهما يفضلان الإمام مسلم على مشايخ عصرهما في معرفة الصحيح من الحديث.

قال الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى:

” أخبرني محمّد بن أحمد بن يعقوب، أخبرنا محمّد بن نعيم الضّبّيّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْل مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم قَالَ: سمعت أحمد بن سلمة يقول: رأيت أبا زرعة وأبا حاتم يقدمان مسلم بن الحجاج في معرفة الصحيح على مشايخ عصرهما ” انتهى من “تاريخ بغداد” (13/102).

وقال النووي رحمه الله تعالى:

” قال الحاكم أبو عبد الله: حدثنا أبو الفضل محمد بن ابراهيم، قال سمعت أحمد بن سلمة، يقول: رأيت أبا زرعة وأبا حاتم يقدمان مسلم بن الحجاج فى معرفة الصحيح على مشايخ عصرهما.

وفى رواية: فى معرفة الحديث” انتهى من “شرح صحيح مسلم” (1/10).

والأئمة البخاري ومسلم وأبو زرعة وأبو حاتم الرازيان أهل عصر واحد، فيعني هذا أنهم يفضلون الإمام مسلم بن الحجاج على البخاري رحمهم الله تعالى أجمعين.

لكن الذي تتابع عليه أهل العلم: هو تفضيل البخاري على مسلم، في المعرفة بالحديث وعلله وتمييز المقبول منه من المردود، بل الإمام مسلم نفسه يقرّ بذلك.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

” اتفاق العلماء على أن البخاري كان أجل من مسلم في العلوم، وأعرف بصناعة الحديث منه، وأن مسلما تلميذه وخِرِّيجُه ولم يزل يستفيد منه ويتبع آثاره، حتى لقد قال الدارقطني: لولا البخاري لما راح مسلم ولا جاء ” انتهى من”نزهة النظر” (ص 76).

وأولى ما يحمل عليه قول أبي حاتم وأبي زرعة، هو أن يقال: أن إعراضهما عن ذكر فضل البخاري ليس سببه أنهما يريان نزول مرتبة البخاري عن مرتبة مسلم، بل بسبب ما حصل للبخاري من محنة في مسألة عقدية، فأعرضا عنه بسبب ذلك وتركوا حديثه.

قال ابن أبي حاتم رحمه الله تعالى:

” محمد بن اسمعيل البخاري أبو عبد الله، قدم عليهم الرى سنة مائتين وخمسين، روى عن عبدان المروزى وأبي همام الصلت بن محمد، والفريابي، وابن أبي أويس.

سمع منه: أبي، وأبو زرعة، ثم تركا حديثه عندما كتب إليهما محمد بن يحيى النيسابوري أنه أظهر عندهم أن لفظه بالقرآن مخلوق” انتهى من “الجرح والتعديل” (7/171).

ولا شك أنهما إن تركا حديثه، فسيقترن بذلك ترك الثناء عليه واظهار علمه وتمكّنه.

فالحاصل؛ أن تفضيل أبي زرعة وأبي حاتم لمسلم على جميع شيوخ عصرهما، لا يُردّ بمثله الإطباق الحاصل على جلالة الإمام البخاري في نفسه، وعلى تقديمه على تلميذه: مسلم.

قال الإمام  الذهبي، رحمه الله، تعليقا على ذلك: ” قلت: إن تركا حديثه، أو لم يتركاه، البخاري ثقة مأمون محتج به في العالم.” انتهى من “سير أعلام النبلاء” (12/463).

ثم إن نفس النص المنقول فيه بيان سبب تركهما للرواية عن الإمام، وأنه هذا السبب لا مدخل له بالصنعة الحديثية، أو الرواية، ولا مدخل لها في تفضيل غيره عليه؛ بل لأجل مسألة عقدية، وهي مسألة اللفظ، وهي مسألة مشؤومة، ، حصل بسببها فتن ومحن لأئمة عظام، وحصل بها من الاختلاف والاضطراب فيما بين أهل الحديث، بعضهم وبعض، ما يطول وصفه هنا.

ينظر لمزيد من التفصيل حول قصة الإمام البخاري، مع محمد بن يحي الذهلي، عليهما رحمة الله، وما جرى له من الفتن بسبب مسألة “اللفظ”: “سير أعلام النبلاء” (12/453) وما بعدها.

وأما مسألة تقديم صحيح البخاري على صحيح مسلم فليست مسألة إجماعية، بل هو قول جماهير أهل العلم، وهو الصواب.

وإنما الاتفاق حاصل على أن الصحيحين كليهما أصح كتب بعد كتاب الله تعالى.

قال النووي رحمه الله تعالى:

” اتفق العلماء رحمهم الله على أن أصح الكتب بعد القرآن العزيز الصحيحان: البخاري، ومسلم، وتلقتهما الأمة بالقبول.

وكتاب البخاري أصحهما، وأكثرهما فوائد ومعارف ظاهرة وغامضة وقد صح أن مسلما كان ممن يستفيد من البخاري ويعترف بأنه ليس له نظير في علم الحديث، وهذا الذي ذكرناه من ترجيح كتاب البخاري هو المذهب المختار الذي قاله الجماهير وأهل الإتقان والحذق والغوص على أسرار الحديث ” انتهى من “شرح صيح مسلم” (1/14).

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

” ويلتحق بهذا التفاضل ما اتفق الشيخان على تخريجه بالنسبة إلى ما انفرد به أحدهما، وما انفرد به البخاري بالنسبة إلى ما انفرد به مسلم؛ لاتفاق العلماء بعدهما على تلقي كتابيهما بالقبول، واختلاف بعضهم في أيهما أرجح. فما اتفقا عليه أرجح من هذه الحيثية مما لم يتفقا عليه.

وقد صرح الجمهور بتقديم صحيح البخاري في الصحة، ولم يوجد عن أحد التصريح بنقيضه.

وأما ما نقل عن أبي علي النيسابوري، أنه قال: ” ما تحت أديم السماء أصح من كتاب مسلم “، فلم يصرح بكونه أصح من صحيح البخاري؛ لأنه إنما نفى وجود كتاب أصح من كتاب مسلم؛ إذ المنفي إنما هو ما تقتضيه صيغة “أفعل”، من زيادة صحة في كتاب شارك كتاب مسلم في الصحة، يمتاز بتلك الزيادة عليه، ولم ينف المساواة.

وكذلك ما نقل عن بعض المغاربة أنه فضل صحيح مسلم على صحيح البخاري، فذلك فيما يرجع إلى حسن السياق، وجودة الوضع والترتيب، ولم يفصح أحد منهم بأن ذلك راجع إلى الأصحية، ولو أفصحوا به لرده عليهم شاهد الوجود ” انتهى من “نزهة النظر” (ص73–74).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android