مع الأدب مع حضرة الله تعالى أعلم أن من صفات الله تعالى: الصدق، وعدم إخلاف الوعود، سمعت اليوم من شخص أنه لله تعالى أن يضع جميع الصالحين بالنار، وأن يضع جميع المذنبين، والكافرين في الجنة، فنحن ملك له، وله كامل الإرادة، والتصرف، يرجى توضيح صحة هذا الكلام، مع الشرح الوافي.
هل يجوز لله تعالى تعذيب المطيع؟
السؤال: 413463
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
نفى الله سبحانه عن نفسه أنه يعذب المطيع والمصلح، وحرم على نفسه الظلم، وأوجب على نفسه أن يثيب المطيع، فقال: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) هود/117.
وقال تعالى: (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً) طه/112.
وقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً) يونس/44.
وقال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) فصلت/46.
وقال سبحانه: (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) الأنعام/ 54.
فالله سبحانه لا يعذب أهل الطاعة، وإنما يثيبهم ويكرمهم.
وقد بين الله تعالى لعباده عدم معنى يعود إليه، ولا غرض يليق بحكمته، وكماله من عذاب الطائعين والشاكرين، فقال: (مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا) النساء/147.
قال الإمام الطبري، رحمه الله: “يعني جل ثناؤه بقوله: (ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم ): ما يصنع الله، أيها المنافقون، بعذابكم، إن أنتم تُبتم إلى الله، ورجعتم إلى الحق الواجب لله عليكم، فشكرتموه على ما أنعم عليكم من نعمه في أنفسكم وأهاليكم وأولادِكم، بالإنابة إلى توحيده، والاعتصام به، وإخلاصكم أعمالَكم لوجهه، وترك رياء الناس بها، وآمنتم برسوله محمد صلى الله عليه وسلم فصدَّقتموه، وأقررتم بما جاءكم به من عنده فعملتم به؟
يقول: لا حاجة بالله أن يجعلكم في الدَّرك الأسفل من النار، إن أنتم أنبتم إلى طاعته، وراجعتم العمل بما أمركم به، وترك ما نهاكم عنه، لأنه لا يجتلب بعذابكم إلى نفسه نفعًا، ولا يدفع عنها ضُرًّا، وإنما عقوبته من عاقب من خلقه، جزاءٌ منه له على جرَاءته عليه، وعلى خلافه أمره ونهيه، وكفرانِه شكر نعمه عليه. فإن أنتم شكرتم له على نعمه، وأطعتموه في أمره ونهيه، فلا حاجة به إلى تعذيبكم، بل يشكر لكم ما يكون منكم من طاعةٍ له وشكر، بمجازاتكم على ذلك بما تقصر عنه أمانيكم، ولم تبلغه آمالكم.
(وكان الله شاكرا) لكم ولعباده على طاعتهم إياه، بإجزاله لهم الثوابَ عليها، وإعظامه لهم العِوَض منها”عليمًا” بما تعملون، أيها المنافقون، وغيركم من خير وشر، وصالِح وطالح، محصٍ ذلك كله عليكم، محيط بجميعه، حتى يجازيكم جزاءَكم يوم القيامة، المحسنَ بإحسانه، والمسيءَ بإساءته” انتهى من “تفسير الطبري” (9/342).
وقال الشيخ السعدي، رحمه الله: “أخبر تعالى عن كمال غناه وسعة حلمه ورحمته وإحسانه فقال: مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ، والحال أن الله شاكر عليم؛ يعطي المتحملين لأجله الأثقال، الدائبين في الأعمال، جزيل الثواب وواسع الإحسان، ومن ترك شيئًا لله أعطاه الله خيرًا منه. مع هذا يعلم ظاهركم وباطنكم، وأعمالكم وما تصدر عنه من إخلاص وصدق، وضد ذلك. وهو يريد منكم التوبة والإنابة والرجوع إليه، فإذا أنبتم إليه، فأي شيء يفعل بعذابكم؟ فإنه لا يتشفى بعذابكم، ولا ينتفع بعقابكم، بل العاصي لا يضر إلا نفسه، كما أن عمل المطيع لنفسه” انتهى من “تفسير السعدي” (211).
وهذا القول الذي ذكرته قد قال به بعض أهل العلم، معتمدين على أنه سبحانه لا يسأل عما يفعل، وأن الخلق ملك له يفعل فيه ما يشاء.
وهو قول غير صحيح لمصادمته للنصوص.
قال الشيخ عبد الرحمن بن قاسم، رحمه الله في تعليقه على قول السفاريني:
” وجاز للمولى يعذب الورى … من غير ما ذنب ولا جرم جرى
أي: وجاز للرب تعالى يعذب الخلق من غير ذنب، أي: إثم، ولا جرم، هو: الذنب عطفه عليه للإيضاح، جرى، أي: من العبد، ولا صدر عنه.
وليس هذا من قول السلف، ولا من الثناء على الله، والنصوص النافية للظلم، تثبت العدل في الجزاء، وأنه لا يبخس عاملا عمله، كتب على نفسه الرحمة، وحرم الظلم على نفسه، وقال: أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ [القلم: 35-36]، ويجب تنزيهه عن الظلم، كما نزه نفسه عنه، ومعلوم بالضرورة أن الله حكم عدل، يضع الأشياء في مواضعها، وإن كان وضعها في غير مواضعها غير ممتنع لذاته، لكنه لا يفعله لأنه لا يريده بل يكرهه ويبغضه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ليس من أهل السنة من يقول: إن الله يعذب نبيا، ولا مطيعا، ولا من يقول: إن الله يثيب إبليس وفرعون، بل: ولا يثيب عاصيًا على معصيته؛ وهو سبحانه القائم على كل نفس بما كسبت، مجازي المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته، الصادق الذي لا يخلف الميعاد، العدل الذي لا يجور ولا يظلم، ولا يخاف عباده منه ظلما، باتفاق جميع الكتب والرسل.
فكل ما منه تعالى يجمل … لأنه عن فعله لا يسأل
أي: فكل شيء يحسن من الله، وكل ما خلقه فهو نعمة وإحسان إلى عباده، يستحق عليه الشكر، وله سبحانه فيه حكمة تعود عليه، يستحق أن يُحمد عليها لذاته، لا يسأل عما يفعل، لتمام حكمته وحمده، وهم يُسألون؛ بل هو محسن عدل، كل نعمة منه فضل، وكل نقمة منه عدل، محسن إلى العبد بلا سبب منه، ولا يعاقبه إلا بذنبه، وإن كان قد خلق الأفعال كلها، لحكمة له في ذلك. فهو أحكم الحاكمين، لا يظلم مثقال حبة من خردل، وإن تك حسنة يضاعفها، فإذا ابتلى أحدا بالذنوب، فهي عقوبة على عدم فعل ما خلق لأجله وفطر عليه: فإنه خلق الخلق لعبادته وحده ودلهم عليه بالفطرة، وجعل لهم سمعا وأبصارا وأفئدة، وبعث الرسل لقيام الحجة، فمن لم يفعل ما أمر به بأن زين له الشيطان المعاصي عاقبه.” انتهى من “حاشية الدرة المضية” (53-54).
ثانيا:
قد جاء في السنة الصحيحة: (أَنَّ اللَّهَ لو عذَّبَ أهْلَ سَمَاوَاتِهِ وأهْلَ أرْضِهِ، لَعَذَّبَهُمْ وَهُوَ غيْرُ ظَالِمٍ لَهُمْ) ، وهذا حق، لكنه سبحانه لا يفعله، كما أخبر في كتابه.
روى أحمد وابن ماجه (77) واللفظ له عَنِ ابْنِ الدَّيْلَمِيِّ، قَالَ: “وَقَعَ فِي نَفْسِي شَيْءٌ مِنْ هَذَا الْقَدَرِ، خَشِيتُ أَنْ يُفْسِدَ عَلَيَّ دِينِي وَأَمْرِي، فَأَتَيْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ، فَقُلْتُ: أَبَا الْمُنْذِرِ، إِنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي نَفْسِي شَيْءٌ مِنْ هَذَا الْقَدَرِ، فَخَشِيتُ عَلَى دِينِي وَأَمْرِي، فَحَدِّثْنِي مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ، لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَنْفَعَنِي بِهِ.
فَقَالَ: لَوْ أَنَّ اللَّهَ عَذَّبَ أَهْلَ سَمَاوَاتِهِ وَأَهْلَ أَرْضِهِ، لَعَذَّبَهُمْ وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ لَهُمْ، وَلَوْ رَحِمَهُمْ لَكَانَتْ رَحْمَتُهُ خَيْرًا لَهُمْ مِنْ أَعْمَالِهِمْ، وَلَوْ كَانَ لَكَ مِثْلُ جَبَلِ أُحُدٍ ذَهَبًا، أَوْ مِثْلُ جَبَلِ أُحُدٍ تُنْفِقُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، مَا قُبِلَ مِنْكَ حَتَّى تُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ، فَتَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَأَنَّ مَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، وَأَنَّكَ إِنْ مُتَّ عَلَى غَيْرِ هَذَا دَخَلْتَ النَّارَ، وَلَا عَلَيْكَ أَنْ تَأْتِيَ أَخِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ، فَتَسْأَلَهُ.
فَأَتَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ، فَسَأَلْتُهُ، فَذَكَرَ مِثْلَ مَا قَالَ أُبَيٌّ وَقَالَ لِي: وَلَا عَلَيْكَ أَنْ تَأْتِيَ حُذَيْفَةَ.
فَأَتَيْتُ حُذَيْفَةَ، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ مِثْلَ مَا قَالَا، وَقَالَ: ائْتِ زيْدَ بْنَ ثابتٍ، فَاسْأَلْهُ.
فَأَتَيْتُ زيْدَ بْنَ ثابتٍ، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ يَقُولُ: «لوْ أَنَّ اللَّهَ عذَّبَ أهْلَ سَمَاوَاتِهِ وأهْلَ أرْضِهِ، لَعَذَّبَهُمْ وَهُوَ غيْرُ ظَالِمٍ لَهُمْ، وَلَوْ رَحِمَهُمْ لَكَانَتْ رَحْمَتُهُ خيْرًا لَهُمْ مِنْ أَعْمَالِهِمْ، وَلَوْ كَانَ لَكَ مِثْلُ أُحُدٍ ذَهَبًا، أوْ مِثْلُ جَبَلِ أُحُدٍ ذَهَبًا تُنْفِقُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، مَا قَبِلَهُ مِنْكَ حتَّى تُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ كُلِّهِ، فَتَعْلَمَ أنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، وَأَنَّكَ إِنْ مُتَّ عَلَى غيْرِ هَذَا دَخَلْتَ النَّارَ”.
والحديث: صححه الألباني في “صحيح ابن ماجه”، وقال شعيب في تحقيق المسند: إسناده قوي.
وتوجيه ذلك المعنى: أن طاعة العبد لا تساوي نعمة من نعم الله عليه، وتبقى بقية النعم عليه شكرها، فلو عذبه على ذلك، لم يكن ظالما له. ولهذا كان دخول العبد للجنة برحمته سبحانه وكرمه.
قال ابن القيم رحمه الله: ” فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن دخول الجنة ليس في مقابلة عمل أحد، وأنه لولا تغمد الله سبحانه لعبده برحمته لما أدخله الجنة، فليس عمل العبد وإن تناهى، موجبا بمجرده لدخول الجنة، ولا عوضا لها، فإن إعماله وإن وقعت منه على الوجه الذي يحبه الله ويرضاه، فهي لا تقاوم نعمة الله التي أنعم بها عليه في دار الدنيا، ولا تعادلها؛ بل لو حاسبه لوقعت أعماله كلها في مقابلة اليسير من نعمه، وتبقى بقية النعم مقتضية لشكرها، فلو عذبه في هذه الحالة لعذبه وهو غير ظالم له، ولو رحمه لكانت رحمته خيرا له من عمله؛ كما في السنن من حديث زيد بن ثابت وحذيفة وغيرهما مرفوعا إلى النبي أنه قال: ( إن الله لو عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته خيرا لهم من أعمالهم )” انتهى من “مفتاح دار السعادة” (1/21).
وقال ابن أبي العز، رحمه الله: “وهَذا الحَدِيثُ مِمّا يَحْتَجُّ بِهِ الجَبْرِيَّةُ، وأمّا القَدَرِيَّةُ فَلا يَتَأتّى عَلى أُصُولِهِمُ الفاسِدَةِ! ولِهَذا قابَلُوهُ إمّا بِالتَّكْذِيبِ أوْ بِالتَّأْوِيلِ!!
وأسْعَدُ النّاسِ بِهِ أهْلُ السُّنَّةِ، الَّذِينَ قابَلُوهُ بِالتَّصْدِيقِ، وعَلِمُوا مِن عَظَمَةِ اللَّهِ تَعالى وجَلالِهِ، قَدْرَ نِعَمِ اللَّهِ عَلى خَلْقِهِ، وعَدَمَ قِيامِ الخَلْقِ بِحُقُوقِ نِعَمِهِ عَلَيْهِمْ، إمّا عَجْزًا، وإمّا جَهْلًا، وإمّا تَفْرِيطًا وإضاعَةً، وإمّا تَقْصِيرًا فِي المَقْدُورِ مِنَ الشُّكْرِ، ولَوْ مِن بَعْضِ الوُجُوهِ. فَإنَّ حَقَّهُ عَلى أهْلِ السَّماواتِ والأرْضِ أنْ يُطاعَ فَلا يُعْصى، ويُذْكَرَ فَلا يُنْسى، ويُشْكَرَ فَلا يُكْفَرَ، وتَكُونَ قُوَّةُ الحُبِّ والإنابَةِ، والتَّوَكُّلِ والخَشْيَةِ والمُراقَبَةِ والخَوْفِ والرَّجاءِ -: جَمِيعُها مُتَوَجِّهَةً إلَيْهِ، ومُتَعَلِّقَةً بِهِ، بِحَيْثُ يَكُونُ القَلْبُ عاكِفًا عَلى مَحَبَّتِهِ وتَأْلِيهِهِ، بَلْ عَلى إفْرادِهِ بِذَلِكَ، واللِّسانُ مَحْبُوسًا عَلى ذِكْرِهِ، والجَوارِحُ وقْفًا عَلى طاعَتِهِ.
ولا رَيْبَ أنَّ هَذا مَقْدُورٌ فِي الجُمْلَةِ، ولَكِنَّ النُّفُوسَ تَشِحُّ بِهِ، وهِيَ فِي الشُّحِّ عَلى مَراتِبَ لا يُحْصِيها إلّا اللَّهُ تَعالى. وأكْثَرُ المُطِيعِينَ تَشِحُّ بِهِ نَفْسُهُ مِن وجْهٍ، وإنْ أتى بِهِ مِن وجْهٍ آخَرَ. فَأيْنَ الَّذِي لا تَقَعُ مِنهُ إرادَةٌ تُزاحِمُ مُرادَ اللَّهِ وما يُحِبُّهُ مِنهُ؟ ومَنِ الَّذِي لَمْ يَصْدُرْ مِنهُ خِلافُ ما خُلِقَ لَهُ، ولَوْ فِي وقْتٍ مِنَ الأوْقاتِ؟ فَلَوْ وضَعَ الرَّبُّ سُبْحانَهُ عَدْلَهُ عَلى أهْلِ سَماواتِهِ وأرْضِهِ، لَعَذَّبَهُمْ بِعَدْلِهِ، ولَمْ يَكُنْ ظالِمًا لَهُمْ.
وغايَةُ ما يُقَدَّرُ، تَوْبَةُ العَبْدِ مِن ذَلِكَ واعْتِرافُهُ، وقَبُولُ التَّوْبَةِ مَحْضُ فَضْلِهِ وإحْسانِهِ، وإلّا فَلَوْ عَذَّبَ عَبْدَهُ عَلى جِنايَتِهِ لَمْ يَكُنْ ظالِمًا ولَوْ قُدِّرَ أنَّهُ تابَ مِنها. لَكِنْ أوْجَبَ عَلى نَفْسِهِ – بِمُقْتَضى فَضْلِهِ ورَحْمَتِهِ – أنَّهُ لا يُعَذِّبُ مَن تابَ، وقَدْ كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ، فَلا يَسَعُ الخَلائِقَ إلّا رَحْمَتُهُ وعَفْوُهُ، ولا يَبْلُغُ عَمَلُ أحَدٍ مِنهُمْ أنْ يَنْجُوَ بِهِ مِنَ النّارِ، أوْ يَدْخُلَ الجَنَّةَ، كَما قالَ أطْوَعُ النّاسِ لِرَبِّهِ، وأفْضَلُهُمْ عَمَلًا، وأشَدُّهُمْ تَعْظِيمًا لِرَبِّهِ وإجْلالًا: لَنْ يُنْجِيَ أحَدًا مِنكُمْ عَمَلُهُ قالُوا: ولا أنْتَ يا رَسُولَ اللَّهِ؟ قالَ: ولا أنا، إلّا أنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحْمَةٍ مِنهُ وفَضْلٍ
وسَألَهُ الصِّدِّيقُ دُعاءً يَدْعُو بِهِ فِي صَلاتِهِ، فَقالَ: قُلْ: (اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، ولا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلّا أنْتَ، فاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِن عِنْدِكَ وارْحَمْنِي، إنَّكَ أنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ).
فَإذا كانَ هَذا حالُ الصِّدِّيقِ، الَّذِي هُوَ أفْضَلُ النّاسِ بَعْدَ الأنْبِياءِ والمُرْسَلِينَ – فَما الظَّنُّ بِسِواهُ؟ بَلْ إنَّما صارَ صِدِّيقًا بِتَوْفِيَتِهِ هَذا المَقامَ حَقَّهُ، الَّذِي يَتَضَمَّنُ مَعْرِفَةَ رَبِّهِ، وحَقَّهُ وعَظَمَتَهُ، وما يَنْبَغِي لَهُ، وما يَسْتَحِقُّهُ عَلى عَبْدِهِ، ومَعْرِفَةَ تَقْصِيرِهِ. فَسُحْقًا وبُعْدًا لِمَن زَعَمَ أنَّ المَخْلُوقَ يَسْتَغْنِي عَنْ مَغْفِرَةِ رَبِّهِ ولا يَكُونُ بِهِ حاجَةٌ إلَيْها! ولَيْسَ وراءَ هَذا الجَهْلِ بِاللَّهِ وحَقِّهِ غايَةٌ! ! فَإنْ لَمْ يَتَّسِعْ فَهْمُكَ لِهَذا، فانْزِلْ إلى وطْأةِ النِّعَمِ، وما عَلَيْها مِنَ الحُقُوقِ، ووازِنْ مِن شُكْرِها وكُفْرِها، فَحِينَئِذٍ تَعْلَمُ أنَّهُ سُبْحانَهُ لَوْ عَذَّبَ أهْلَ سَماواتِهِ وأرْضِهِ، لَعَذَّبَهُمْ وهُوَ غَيْرُ ظالِمٍ لَهُمْ” انتهى من “شرح الطحاوية” (2/662-663).
ثالثا:
ما جاء في سؤال من قولك: ” مع الأدب مع حضرة الله تعالى” فإن هذا اللفظ وهو “حضرة” لا يستعمل في حق الله تعالى، وإنما يقال: مع جلال الله وعظمته، ونحو ذلك.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب