جاء النص على أن للملائكة مهام موكلة إليهم؛ مثل سوق السحاب حيث شاء الله تعالى، وإنبات النبات، وإنزال المطر، فكيف نجمع بين هذا وبين العلم التجريبي؟
هل الكون يتحرك بسنن وقوانين، أم بتدبير الملائكة الموكلة به؟
السؤال: 415798
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
قد كلّف الله تعالى الملائكة بمهام في هذا الكون لا تعملها إلا بأمره سبحانه وتعالى، كما في قوله تعالى: (فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا) الذاريات/4.
وقوله تعالى: (فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا) النازعات/5.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
” وكل حركة في السماوات والأرض: من حركات الأفلاك، والنجوم، والشمس، والقمر، والرياح، والسحاب، والنبات، والحيوان، فهى ناشئة عن الملائكة الموكلين بالسماوات والأرض، كما قال تعالى: ( فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا )، وقال: ( فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا ).
وهي الملائكة عند أهل الإيمان وأتباع الرسل عليهم السلام…
وقد دل الكتاب والسنة على أصناف الملائكة، وأنها موكلة بأصناف المخلوقات، وأنه سبحانه وكل بالجبال ملائكة، ووكل بالسحاب والمطر ملائكة، ووكل بالرحم ملائكة تدبر أمر النطفة حتى يتم خلقها، ثم وكل بالعبد ملائكة لحفظه، وملائكة لحفظ ما يعمله وإحصائه وكتابته…
فالملائكة أعظم جنود الله تعالى. ومنهم:
المرسلات عرفا، والناشرات نشرا، والفارقات فرقا، والملقيات ذكرا، ومنهم: النازعات غرقا، والناشطات نشطا، والسابحات سبحا، فالسابقات سبقا فالمدبرات أمرا، ومنهم: الصافات صفا، فالزاجرات زجرا، فالتاليات ذكرا …
فلفظ “المَلَك” يشعر بأنه رسول منفذ لأمر غيره، فليس لهم من الأمر شيء، بل الأمر كله لله الواحد القهار، وهم ينفذون أمره:
( لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ، يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ )، (يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ )، ( لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ).
ولا تتنزل إلا بأمره، ولا تفعل شيئا إلا من بعد إذنه ” انتهى من “إغاثة اللهفان” (2/ 842- 843).
واعتقاد هذا لا يعني رد ما نتيقن من وجوده من سنن بثّها الله تعالى في خلقه؛ لأن الأمرين لا يتناقضان عقلا، ولا واقعا.
فلا يلزم من تصرف الملائكة، بطلان السنن، ولا يلزم من إثبات السنن، إبطال عمل الملائكة وتدبيرها، بل العقل له القدرة على تصور أن السنن هذه هي أثر تدبير الملائكة وتصرفها المأمورة به.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
” وأما ” الرعد والبرق ” ففي الحديث المرفوع في الترمذي وغيره، أنه سئل عن الرعد قال: ( ملك من الملائكة موكل بالسحاب معه مخاريق من نار، يسوق بها السحاب حيث شاء الله ). وفي مكارم الأخلاق للخرائطي: عن علي أنه سئل عن الرعد فقال: ( ملك، وسئل عن البرق فقال: مخاريق بأيدي الملائكة – وفي رواية عنه – مخاريق من حديد بيده ). وروي في ذلك آثار كذلك.
وقد روي عن بعض السلف أقوال لا تخالف ذلك، كقول من يقول: إنه اصطكاك أجرام السحاب بسبب انضغاط الهواء فيه، فإن هذا لا يناقض ذلك، فإن الرعد مصدر رعد يرعد رعدا. وكذلك الراعد يسمى رعدا. كما يسمى العادل عدلا. والحركة توجب الصوت، والملائكة هي التي تحرك السحاب وتنقله من مكان إلى مكان، وكل حركة في العالم العلوي والسفلي فهي عن الملائكة، وصوت الإنسان هو عن اصطكاك أجرامه، الذي هو شفتاه ولسانه وأسنانه ولهاته وحلقه. وهو مع ذلك يكون مسبحا للرب. وآمرا بمعروف وناهيا عن منكر.
فالرعد إذا صوت يزجر السحاب، وكذلك البرق، قد قيل: لمعان الماء، أو لمعان النار، وكونه لمعان النار أو الماء، لا ينافي أن يكون اللامع مخراقا بيد الملك، فإن النار التي تلمع بيد الملك كالمخراق، مثل مزجي المطر. والملك يزجي السحاب كما يزجي السائق للمطي.
والزلازل من الآيات التي يخوف الله بها عباده، كما يخوفهم بالكسوف وغيره من الآيات.
والحوادث لها أسباب وحكم، فكونها آية يخوف الله بها عباده هي من حكمة ذلك.
وأما أسبابه: فمن أسبابه انضغاط البخار في جوف الأرض، كما ينضغط الريح والماء في المكان الضيق، فإذا انضغط، طلب مخرجا، فيشق ويزلزل ما قرب منه من الأرض ” انتهى من “مجموع الفتاوى” (24/ 263–264).
والحاصل:
أنه لا تنافي بين إثبات السنن الكونية، والأسباب الحسية لما يقع في الكون كله، وبين إثبات الأسباب الغيبية لذلك؛ كما أن الموت يحدث بأسباب حسية، يعلم كثير منها للناس، من مرض، أو حادث، أو قتل ظاهر، ونحو ذلك، وسببه الغيبي: انتهاء أجله، وقبض الملك لروحه.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب