قرأت في موقع أن إنفاق الأب على ابنته في الضروريات فقط، وهي: المأكل، والمشرب، والملبس، وليس ملزما بتنزيه ابنته؛ لأنها كماليات، هل هذا القول صحيح؟
وإذا كان صحيح فكيف تتنزه المرأة بمفردها وهي لا تعمل؟ وكيف يكون السفر بمحرم فقط؟ أنا أريد أن أفهم؛ لأنني شعرت بالاستياء كثيرا، وشعرت أنني حمل على والدي.
هل الاب ملزم بالنفقات الكمالية لأولاده؟
السؤال: 415821
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولًا:
العلاقات بين الأرحام كالعلاقة مع الزوج قائمة على الإحسان والمودة والرحمة، ولا يظهر من سؤالك أن والدك اشتكى، أو أن هناك نزاعًا بينكما، وبالتالي فشعورك بأنك حمل على والدك لم نفهم دوافعه!! وسواء كانت نفقة التنزه والترفه واجبة على والدك أم لا، فهو يفعلها حبًا وكرامة لك، وهي تسعده بقدر ما تسعدك، فالعلماء يذكرون الواجبات؛ لأنها هي الحدود الشرعية عند النزاع، لكن الناس يفعلون في بيوتهم الواجب والمستحب والمباح لأنهم يحبون بعضهم ، ويحبون أن يسعد بعضهم بعضًا ، ولا يوجد في هذا حمل أو ثقل، بل هو حبيب إلى نفوسهم، فاقبلي عفو الله، وتنعمي بإحسان والدك إليك، وامتني له بذلك، واصرفي عنك تحزين الشيطان.
ثانيًا:
التقدير في النفقات قائم على العرف، فالزوج ينفق على زوجته بحسب ما تعارف عليه الناس، والأب ينفق على ابنته، بحسب ما تعارف عليه الناس، والولد قد ينفق على والده أو والدته إن احتاجا، ويكون تقدير هذه النفقة أيضا: بحسب ما تعارف عليه الناس… وهكذا .
قال الماوردي رحمه الله: “تستحق في نفقتها على الزوج: ما تحتاج إليه من الدُّهْن لترجيل شعرها، وتدهين جسدها؛ اعتبارا بالعرف، وأن من حقوقه عليها استعمال الزينة التي تدعوه إلى الاستمتاع بها، وذلك معتبر بعرف بلادها، فمنها ما يدَّهن أهله بالزيت، كالشام؛ فهو المستحَق لها، ومنها ما يدَّهن أهله بالشيرج، كالعراق، فهو المستحَق لها، ومنها ما لا يستعمل أمثالها فيه إلا ما طيب من الدهن بالبنفسج والورد، فتَستحِقُّ في دهنها ما كان مُطَيَّبا.
فأما مقداره: فمعتبر بكفاية مثلها.
وأما وقته: فهو كل أسبوع مرة، لأنه العرف” انتهى، من “الحاوي” (11/428).
وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: “أحد الرجال يأتي بالضروريات لزوجته، ولكن غير الضروريات لا يأتي بها… فهل له ذلك؟”
فأجاب الشيخ: “إذا تصالحوا لا بأس [أي: إذا تراضوا على ذلك]، أو إذا سمحت زوجته، وإلا فالواجب أن يُعطيها النفقة بالمعروف، المتعارف بين أهل بلده” انتهى، من “شرح رياض الصالحين، باب النفقة على العيال”.
ثالثا:
أما التنزُّه فليس هو من ضروريات الحياة، ولا حاجياتها ، بل هو من الكماليات ، وهو من باب “المباح” في أصله، وقد تقوى الحاجة المرء إليه في بعض الأحوال، فيترجح جانب فعله، وقد يترجح جانب تركه إذا خيفت منه مفسدة، أو لم يمكن ضبطه، في حاله، أو مكانه: بأدب الشرع.
والحاصل:
أن “التنزه” ليس داخلا في النفقة التي تجب للزوجة على زوجها، أو للقريب على قريبه المنفق عليه.
لكن لو أنفقا في ذلك بطيب نفس فهو إحسان منهما إلى الأولاد والزوجة .
وينبغي ألا تذهبي إلى أماكن التنزه منفردة ، بل يكون معك أحد محارمك أو رفقة ثقات ، وذلك لأن هذه الأماكن –في بلادكم- لا تخلو من الشباب الماجن ، فيخشى من ذهابك منفردة أن يتعرض أحدهم لك ، ولو بالكلام ، فيؤذيك ذلك.
وينظر جواب السؤال رقم: (6742) .
رابعًا :
بالنسبة لسفرك بمحرم: فهذا أيضًا من مسؤوليات والدك الواجبة عليه، إذا كان لسفرك حاجة معتبرة.
وقد دلت السنة الصحيحة الصريحة على أنه لا يجوز للمرأة أن تسافر إلا مع ذي محرم ، وهذا السفر لا يحدَّد بمسافة معينة، كما هو الحال في قصر الصلاة والفطر في الصوم، بل كل ما سمي سفرا، طويلا كان أو قصيرا، تُمنع المرأة منه إلا مع وجود المحرم .
لما روى البخاري (1729)، ومسلم (2391) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ.
وقد اتفق الفقهاء على تحريم سفر المرأة دون محرم؛ إلا في مسائل مستثناة، منها سفرها للحج الواجب، فمنهم من أجاز سفرها له مع الرفقة المأمونة.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : “قال البغوي: لم يختلفوا في أنه ليس للمرأة السفر في غير الفرض، إلا مع زوج أو محرم، إلا كافرة أسلمت في دار الحرب، أو أسيرة تخلصت.
وزاد غيره: أو امرأة انقطعت من الرفقة، فوجدها رجل مأمون؛ فإنه يجوز له أن يصحبها حتى يبلغها الرفقة” انتهى من “فتح الباري” (4/76).
وقال النووي رحمه الله في “شرح صحيح مسلم” مبينا أن السفر هنا لا يتقيد بمسافة معينة: “فالحاصل: أن كل ما يسمى سفرا، تُنهى عنه المرأة بغير زوج أو محرم، سواء كان ثلاثة أيام أو يومين أو يوما أو غير ذلك؛ لحديث ابن عباس الذي رواه مسلم: (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم). وهذا يتناول جميع ما يسمى سفرا والله أعلم” انتهى كلام النووي بتصرف .
وجاء في “فتاوى اللجنة الدائمة” (17/339): “يحرم على المرأة السفر بدون محرم مطلقا، سواء قصرت المسافة أم طالت” انتهى .
وعليه؛ فإذا كان الذهاب من مدينتك إلى هذا المكان يعد سفراً في عرف الناس، لم يجز لك الذهاب إليه بدون محرم، وإن كان لا يعد سفراً في العرف، فلا حرج عليك من الذهاب إليه بدون محرم، لكن مع الأمن في مكان ذهابك؛ وإلا، فليس لك أن تذهبي إلى مكان، تكونين فيه عرضة للسفهاء والسِّفلة من الناس، يعتدون عليك، أو يؤذونك.
ولتكميل الفائدة ينظر جواب السؤال رقم: (42220).
والله أعلم
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة