بعد الدراسة حول الزبير بن العوام صُدِمت، أردت أن أتثبّت ما إذا كانت الروايات عن ضرب زوجاته بلا رحمة صحيحة أم لا، قرأت أنّه ذات مرة قيّد اثنتين من زوجاته وضربهما، وأنّ امرأة تدعى أم كلثوم أرادت الطلاق منه بسبب عُنفِه، وأنّ الزبير كان يكره زوجته عتيقة لأنها ذهبت إلى المسجد، ثمّ في وقت الفجر يتصرّف كرجل، وفي الظلام يُضايق عتيقة حتى تخاف من الذهاب إلى للمسجد، هل هذه الروايات عن الزبير صحيحة؟ إذا كان كذلك، بالتالي كيف يكون من بين العشرة المباركين؟
ما صحة اختباء الزبير لزوجته عاتكة في الظلام حتى لا تذهب للمسجد؟
السؤال: 422436
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً:
الزبير بن العوام رضي الله من كبار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وخيارهم، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، ولا يسعنا إلا أن نحبه وأن نجله، وأن نعلم أنه لو كان ظالما أو جائرا ما نال هذا الفضل، ولعاتبه النبي صلى الله عليه وسلم أو أنكر عليه، فيحمل ما جاء عنه رضي الله عنه من ضربه لزوجاته أنه كان ضربا يُعذر فيه، ولا يكون به ظالما.
ولهذا لم يسع الصحابة للتفريق بينه وبين بناتهن، وقد روى ابن سعد في “الطبقات” (8/ 197) بسند صحيح عَنْ عِكْرِمَةَ: ” أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ كَانَتْ تَحْتَ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ. وَكَانَ شَدِيدًا عَلَيْهَا، فَأَتَتْ أَبَاهَا فَشَكَتْ ذَلِكَ إِلَيْهِ فَقَالَ: يَا بُنَيَّةُ اصْبِرِي فَإِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا كَانَ لَهَا زَوْجٌ صَالِحٌ ثُمَّ مَاتَ عَنْهَا فَلَمْ تَزَوَّجْ بَعْدَهُ، جُمِعَ بَيْنَهُمَا فِي الْجَنَّةِ”.
وهذا يعني أن شدته كانت مما تحتمل وتغتفر له، وإن كان هدي نبينا صلى الله عليه وسلم أكمل من ذلك، فعن عَائِشَةَ رضي الله عنه قالت : “ما ضَرَبَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شيئا قَطُّ بيده، ولا امْرَأَةً ولا خَادِمًا ؛ إلا أَنْ يُجَاهِدَ في سَبِيلِ اللَّهِ” رواه مسلم (2328).
ثانيا:
لا يصح ما روي في قصة الزبير وزوجته عاتكة. وقد رواها الخرائطي في كتابه “اعتلال القلوب”، ص226 وفيها: “فَلَمَّا خَلَتْ بِزَوْجِهَا الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ فَاسْتَأْذَنَتْ لَيْلَةً أَنْ تَخْرُجَ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَشَقَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَكَرِهَ أَنْ يَمْنَعَهَا لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ) فَأَذِنَ لَهَا ثُمَّ انْكَمَأَ لَهَا فِي مَوْضِعٍ مُظْلِمٍ مِنَ الطَّرِيقِ، فَلَمَّا مَرَّتْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى بَعْضِ جَسَدِهَا، فَكَرَّتْ رَاجِعَةً تُسَبِّحُ. فَسَبَقَهَا الزُّبَيْرُ إِلَى الْمَنْزِلِ، فَلَمَّا دَخَلَتْ قَالَ لَهَا: مَا رَدَّكِ عَنْ وَجْهِكِ؟ قَالَتْ: كُنَّا نَخْرُجُ وَالنَّاسُ تُسَاسُ، فَأَمَّا الْيَوْمَ فَلَا، وَتَرَكَتْ طَلَبَ الْمَسْجِدِ”.
وفي إسنادها أحمد بن عبد الله بن عاصم وشيخه عبد الله بن عاصم، وهما مجهولان، ومحمد بن الضحاك لم يدرك الصديق-وقد ورد ذكره في أول القصة- ولا الزبير، فالخبر فيه جهالة عين، وانقطاع، فلا يصح.
والذي ننصحك به أن تقبل على شأنك، وأن تدع القصص والروايات التي لا ينبني عليها عمل لك، وأن تحرص على سلامة قلبك تجاه أصحاب النبي صلى الله وسلم، وأن توقن أن أصحابه خير أصحاب الأنبياء، وأنهم أفضل الناس بعد الأنبياء، ويكفيك ثناء الله تعالى عليهم في كتابه، وثناء الرسول صلى الله عليه وسلم عليهم في سنته.
رزقنا الله حبهم، وجمعنا بهم في جنته ومستقر رحمته.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب