ورد حديث لعائشة رضي الله عنها تقول فيه للرسول صلى الله عليه وسلم: إن نبي الله سليمان له فرس لها أجنحة، وهو هذا الحديث:
” أنَّ النَّبيَّ قالَ لها يومًا: (ما هذا؟) قالَت: بَناتي، قال: (ما هذا الَّذي في وسْطِهِنَّ؟) قالَت: فرسٌ قال: (ما هذا الَّذي علَيهِ؟) قالَت جَناحانِ قال: (فرَسٌ لها جَناحانِ؟) قالَت : أوَ ما سمِعتَ أنَّهُ كانَ لسُلَيمانَ بنَ داودَ خيلٌ لَها أجنِحَةٌ فضحِكَ رسولُ اللهِ حتَّى بدَت نواجِذُهُ”.
فهل تقصد هنا أمنا عائشة أنه فعلا هنالك فرس لها أجنحة كانت عند سيدنا سليمان؟ حيث إنني كنت أعتقد أن الفرس المجنحة كائنات خيالية، لكن راودني الشك بسبب هذا الحديث ما إن لها وجود فعلا أم لا، أرجو تزويدي بالمعلومات.
هل كانت خيل سليمان عليه السلام لها أجنحة؟
السؤال: 426563
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
لم يرد في الكتاب أو السنة ما يدل على أنه كانت لسليمان عليه السلام خيل ذات أجنحة.
وإنما هي أقوال لبعض أهل العلم يذكرها أئمة التفسير، في تفسير قول الله تعالى:
(وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ، إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ) ص/30 – 31.
قال الطبري رحمه الله تعالى:
” حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: ” ( الصَّافِنَاتُ ) الخيل، وكانت لها أجنحة ” وأما الجياد، فإنها السِّراع، واحدها: جواد….
وذُكر أنها كانت عشرين فرسا ذوات أجنحة.
حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا مؤمل، قال: حدثنا سفيان، عن أبيه، عن إبراهيم التيمي، في قوله: ( إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ ) قال: كانت عشرين فرسا ذات أجنحة. ” انتهى من “تفسير الطبري” (20/ 82-83).
وقال ابن كثير رحمه الله تعالى:
” وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا مؤمل، حدثنا سفيان، عن أبيه سعيد بن مسروق، عن إبراهيم التيمي في قوله: (إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ) قال: كانت عشرين فرسا ذات أجنحة. كذا رواه ابن جرير.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة، حدثنا إبراهيم بن موسى، حدثنا ابن أبي زائدة، أخبرني إسرائيل، عن سعيد بن مسروق، عن إبراهيم التيمي، قال: كانت الخيل التي شغلت سليمان، عليه الصلاة والسلام عشرين ألف فرس، فعقرها وهذا أشبه. والله أعلم.
– وروى – أبو داود: عن عائشة رضي الله عنها قالت: ” قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ، أَوْ خَيْبَرَ وَفِي سَهْوَتِهَا سِتْرٌ، فَهَبَّتْ رِيحٌ فَكَشَفَتْ نَاحِيَةَ السِّتْرِ عَنْ بَنَاتٍ لِعَائِشَةَ لُعَبٍ، فَقَالَ: (مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ؟) قَالَتْ: بَنَاتِي، وَرَأَى بَيْنَهُنَّ فَرَسًا لَهُ جَنَاحَانِ مِنْ رِقَاعٍ، فَقَالَ: (مَا هَذَا الَّذِي أَرَى وَسْطَهُنَّ؟) قَالَتْ: فَرَسٌ، قَالَ: (وَمَا هَذَا الَّذِي عَلَيْهِ؟) قَالَتْ: جَنَاحَانِ، قَالَ: (فَرَسٌ لَهُ جَنَاحَانِ؟) قَالَتْ: أَمَا سَمِعْتَ أَنَّ لِسُلَيْمَانَ خَيْلًا لَهَا أَجْنِحَةٌ؟ قَالَتْ: فَضَحِكَ حَتَّى رَأَيْتُ نَوَاجِذَهُ ” انتهى من”تفسير ابن كثير” (7 / 64 — 65).
وقول عائشة رضي الله عنها: ” أَمَا سَمِعْتَ أَنَّ لِسُلَيْمَانَ خَيْلًا لَهَا أَجْنِحَةٌ؟”.
يدل على أنها لم تسمع عن هذه الخيل من النبي صلى الله عليه وسلم، وأيضا بدليل تعجبه صلى الله عليه وسلم من ذلك حيث قال: ( فَرَسٌ لَهُ جَنَاحَانِ؟).
فالظاهر أن هذا من الأخبار التي سمعها أهل المدينة من أهل الكتاب من اليهود.
ولعل النبي صلى الله عليه وسلم سكت عن موافقتها وعن الإنكار عليها؛ بسبب عدم ورود وحي في ذلك، وما يخبر به أهل الكتاب من أخبار الأنبياء السابقين – التي لم يأت فيها وحي للنبي صلى الله عليه وسلم – فإنهم لا يصدَّقون ولا يكذَّبون فيها.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : ” كَانَ أَهْلُ الكِتَابِ يَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ بِالعِبْرَانِيَّةِ، وَيُفَسِّرُونَهَا بِالعَرَبِيَّةِ لِأَهْلِ الإِسْلاَمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الكِتَابِ وَلا تُكَذِّبُوهُمْ، وَقُولُوا: ( آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا ) الآيَةَ) رواه البخاري (4485).
وعن ابْنُ أَبِي نَمْلَةَ الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا حَدَّثَكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَلَا تُصَدِّقُوهُمْ، وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ، وَقُولُوا: آمَنَّا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ، فَإِنْ كَانَ بَاطِلًا لَمْ تُصَدِّقُوهُ، وَإِنْ كَانَ حَقًّا لَمْ تُكَذِّبُوهُ) رواه أبوداود (3644)، وصححه الألباني في “سلسلة الأحاديث الصحيحة” (6/712).
قال ابن رسلان رحمه الله تعالى:
” ( قالت: أما سمعت أن ) أي: أنه كان ( لسليمان ) بن داود عليهما السلام ( خيلا لها أجنحة؟ ) تطير بها، فأما في الدنيا فلا أدري…
(قالت: فضحك) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (حتى رأيت نواجذه) النواجذ من الأسنان الضواحك، وهي التي تبدو عند الضحك…
وسبب تبسّمه، واللَّه أعلم، ملاطفة عائشة دون أن يقال: إن إقراره دليل وقوعه. لا سيما مع استبشاره بالضحك، إلا أن يبين ذلك. أو يقال: سكت عليه لأنه لم يوحَ إليه بإثبات ولا نفي ” انتهى من “شرح سنن أبي داود” (19/ 13—15).
تنبيه: قوله “تبسمه”: ثبت في الكتاب “تسميته”: وهو تحريف، والصواب ما أثبتناه.
فالحاصل؛ أنه لم يرد نص ثابت من الوحي بأنه كانت لسليمان عليه السلام خيل ذات أجنحة.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب