هل يمكن الاعتماد على كتاب “نزهة المجالس” للصفوري، والوثوق بما فيه من أحاديث وقصص؟
هل كتاب (نزهة المجالس) للصفوري من الكتب المعتمدة؟
السؤال: 428151
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
كتاب “نزهة المجالس ومنتخب النفائس” لمؤلفه عبد الرحمن الصفوري المتوفى سنة 894 هـ رحمه الله تعالى.
هو من كتب الوعظ، قسمه مؤلفه على أبواب علمية أودع فيها جملة من الأخبار والقصص والحكايا مجردة من أسانيدها، إن كان لها أسانيد أصلا، ومن غير تمييز بين صحيح وضعيف وموضوع مكذوب، واعتنى بذكر غرائب الأخبار، وقد منع من التدريس بسببه.
والصفوري مصنف كتاب “نزهة المجالس” لا يعرف من شخصيته العلمية إلا بأنه منسوب إلى أهل العلم وله مصنفات، وكانت له مجالس للدرس.
جاء في “الأعلام” للزركلي (3/310):
” الصَّفُّوري( ت 894 هـ = 1489 م) – يستبعد أن تكون وفاته في هذه السنة كما سيتبين من كلام ابن الحمصي –
عبد الرحمن بن عبد السلام بن عبد الرحمن بن عثمان الصفوري الشافعيّ: مؤرخ أديب من أهل مكة – الظاهر أنه من أهل دمشق كما سيأتي -. نسبته إلى صفورية في الأردن. من كتبه (المحاسن المجتمعة في الخلفاء الأربعة )… و (نزهة المجالس، ومنتخب النفائس) وكتاب (الصيام)… و (صلاح الأرواح والطريق إلى دار الفلاح) … ” انتهى.
والغريب أنه رغم مصنفاته، وجلوسه للتدريس في الجامع الأموي، لم نقف له على ترجمة في الكتب المؤرخة لعصره، ككتاب “الضوء اللامع” للسخاوي، وغيره؛ إلا ما ذكره ابن الحمصي رحمه الله تعالى:
” وفي يوم الخميس خامس عشر – جمادى الأولى من سنة 899 هـ -، منعت زين الدين الصفوري، المحدث من القراءة بالجامع الأموي، ومن غيره، وأمرت بشيل كرسيه من الجامع الأموي، وسببه أنه جمع كتاباً سماه: “نزهة المجالس”، وذكر فيه أحاديث موضوعة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أحضر الكتاب المذكور، وذكر أنه تاب ورجع عن الأحاديث الموضوعة التي فيه، وأنه لا يعود لذلك، والله يعلم المفسد من المصلح ” انتهى. “حوادث الزمان ووفيات الشيوخ والأقران” (ص 245).
ولعل وجه منعه، أنه يذكر الحديث الموضوع، مع علمه بذلك وغير مبيّن له، وليس بسبب الجهل بدرجته، ومما قد يشير إلى هذا، قوله في كتابه: “نزهة المجالس” (2 / 206):
” وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( من أراد أن ينظر إلى آدم في عمله، وإلى نوح في فهمه، وإلى إبراهيم في علمه، وإلى موسى في زهده، وإلى محمد في بهائه فلينظر إلى علي بن أبي طالب ) ذكره ابن الجوزي ” انتهى.
فنسب الخبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم بصيغة الجزم، ونص على أن ابن الجوزي ذكره وأغفل ذكر مصدره، وابن الجوزي رحمه الله تعالى إنما ذكر نحوه في “الموضوعات” ناصا على أنه موضوع، حيث قال رحمه الله تعالى:
” الحديث العشرون في تشبيهه بالأنبياء: … أبو عمر الأزدي، عن أبي راشد الحبراني، عن أبي الحمرا، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، ونوح في فهمه، وإبراهيم في حكمه، ويحيى بن زكريا في زهده، وموسى بن عمران في بطشه فلينظر إلى علي بن أبي طالب “.
هذا حديث موضوع، وأبو عمر متروك ” انتهى من “الموضوعات” (1 / 370).
ومن يفعل مثل هذا التدليس القبيح: يسقط الثقة في نقله، والاعتبار لما يورده؛ والله يعلم المفسد من المصلح!!
وقد يخلّ أيضا بدقة النقل، ومن ذلك قوله في صفة الصراط:
” قال ابن الجوزي رحمه الله هو شعرة من جفن مالك خازن النار، طولها ألف عام ” انتهى. “نزهة المجالس” (2/44).
وإنما ذكره ابن الجوزي بصيغة التمريض غير مثبت له، حيث قال:
” وقد قيل: إنّه شعرة من جفن مالك خازن جهنّم يمدها على متن جهنّم ” انتهى. “بستان الواعظين” (ص 48).
وقد ينقل القول ولا يتثبت مما ينقله، ولا يتحقق منه، ومن ذلك قوله:
” تكلم ابن الجوزي في معنى قوله تعالى: ( كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ) عامين، فأعجب بنفسه، فوثب إليه رجل من المجلس فقال: يا ابن الجوزي! ما يصنع ربنا في هذه الساعة؟
فسكت، وختم المجلس.
ثم قال في الثاني والثالث.
فرأى في تلك الليلة النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال: يا ابن الجوزي! أتدري من السائل؟ قلت: لا، يا نبي الله. قال: الخضر، فإذا سألك فقل له شؤون يبديها ولا يبتديها.
فلما أصبح قال له: ما يصنع ربنا في هذه الساعة؟ قال: شئون يبديها ولا يبتديها، فقال الخضر: صلى وسلم على من علمك في المنام ” انتهى من “نزهة المجالس” (2 / 263 – 264).
وهذه الحكاية تتعارض مع ما عرف من اعتقاد ابن الجوزي بموت الخضر عليه السلام، وألف فيه مصنفا مشهورا بين أهل العلم.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
” وقد تصدى الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي، رحمه الله في كتابه: عجالة المنتظر في شرح حالة الخضر للأحاديث الواردة في ذلك من المرفوعات، فبين أنها موضوعات، ومن الآثار عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم، فبيّن ضعف أسانيدها ببيان أحوالها، وجهالة رجالها، وقد أجاد في ذلك وأحسن الانتقاد.
وأما الذين ذهبوا إلى أنه قد مات، ومنهم البخاري، وإبراهيم الحربي، وأبو الحسين ابن المنادي، والشيخ أبو الفرج بن الجوزي، وقد انتصر لذلك وألف فيه كتابا سماه: ” عجالة المنتظر في شرح حالة الخضر ” فيحتج لهم بأشياء كثيرة …” انتهى من “البداية والنهاية” (2/265).
والصفوري شديد العناية بالأخبار الغرائب، وهو أمر مذموم غير محمود؛ لأن الغرائب محل الضعيف والمكذوب.
ومن ذلك قول الصفوري في “نزهة المجالس” (2/3):
” حكاية: اشترت عائشة جارية فنزل جبريل عليه السلام وقال: يا محمد أخرج هذه الجارية من بيتك فإنها من أهل النار، فأخرجتها عائشة ودفعت إليها شيئا من التمر فأكلت الجارية نصف تمرة ودفعت النصف إلى فقير رأته في الطريق فجاء جبريل وقال: يا محمد إن الله تعالى يأمرك أن ترد الجارية فإن الله تعالى أعقها من النار لأنها تصدقت بنصف تمرة ذكره ابن الجوزي ” انتهى.
فقد أغفل ذكر المصدر الذي نقل منه، فيحتمل أن ابن الجوزي ذكره مبينا عدم صحته، أو أن الصفوري لم ينقله من كتب ابن الجوزي مباشرة، فتساهل في نسبته.
ولم نقف عليه في شيء من كتب ابن الجوزي المتاحة لنا؛ ولا حتى في موضوعاته!!
والحاصل:
أن هذا الكتاب لا يوثق به، ولا ينصح بقراءته، لكثرة ما فيه من المجازفات والمكذوبات، والنقول التي لا يوثق بها.
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم:(92781).
وفي كتب الزهد والرقائق والترغيب والترهيث، الكثيرة المعلومة، لأهل العلم الثقات ما يغني عنه.
ومن أجل هذه الكتب: كتاب “رياض الصالحين” للإمام النووي، رحمه الله. ثم كتاب الترغيب والترهيب، للإمام المنذري، رحمه الله.
ومن سمت همته للكتب المسندة للأئمة المتقدمين، حصل خيرا كثيرا، ومن ذلك: الزهد والرقائق، لابن المبارك، والزهد للإمام أحمد، ولأبي داود، والأدب لابن أبي شيبة، والأدب المفرد للإمام البخاري. ونحو ذلك من الكتب النافعة.
وفي كتب ابن القيم الوعظية والتربوية: خير كثير لطالب العلم. ومثل ذلك كتب ابن رجب الحنبلي، رحمة الله على الجميع.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة