كنت أبحث في فضائل الصحابي الجليل ابن مسعود، وقرات في كتاب ابن عبدالبر “الاستيعاب” حديثا مفاده أن ابن مسعود هو عاشر العشرة المبشرين بالجنة، وقد حسنه ابن عبدالبر، وهذا مختلف عن باقي روايات الحديث التي قرأتها، ولم يذكر فيها ابن مسعود رضي الله عنه.
سؤالي هو:
هل يصح هذا الحديث؟ وهل جمع بعض أهل العلم بينه وبين الرواية الأخرى التي لم يذكر فيها ابن مسعود، أم إن للحديث علة ما؟ وإن لم يصح، فهل هناك أحاديث أخرى بُشِّر فيها ابن مسعود رضي الله عنه بالجنة؟
هل ثبت أن عبد الله بن مسعود هو عاشر العشرة المبشرين بالجنة؟
السؤال: 428733
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
هذا الخبر رواه ابن عبد البر في “الاستيعاب” (3 / 988)، عن عَلِيّ بْن عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُقْبَةَ.
وابن عساكر في “تاريخ دمشق” (33/93) عن محمد بن الحسين الحنيني، حدثنا أبو حذيفة.
عن سُفْيَان الثَّوْرِيّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ هِلالِ بْنِ يَسَافٍ، عَنِ ابْنِ ظَالِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: ” كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِرَاءٍ، فَذَكَرَ عَشَرَةً فِي الْجَنَّةِ: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَطَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عوف، وسعد بن مالك، وسعيد ابن زَيْدٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عنهم”.
لكن في سنده أبو حذيفة، وأبو حذيفة تلميذ سفيان: هو موسى بن مسعود متكلم في حفظه وليس من أوثق أصحاب سفيان الثوري.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
” موسى بن مسعود النَّهْدي، أبو حُذَيفة البصري: صدوقٌ سَيِّىَءُ الحِفظِ، وكان يصحِّف ” انتهى.
وقد خولف فروي من طرق أخرى من دون ذكر عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
كما عند أبي داود (4648)، قال: حدَّثنا محمدُ بنُ العلاء، عن ابن إدريس، أخبرنا حُصينٌ، عن هلال بن يِسافٍ، عن عبدِ الله بن ظالم. وسفيانُ، عن منصورٍ، عن هلالِ بنِ يِسافِ، عن عبدِ الله بن ظالم المازنيِّ -ذكر سفيانُ رجلاً فيما بينه وبين عبد الله ابن ظالم المازنيِّ-، قال: سمعتُ سعيدَ بنَ زيدِ بنِ عمرِو بنِ نُفَيلٍ قال: لَمَّا قَدِمَ فلانٌ إلى الكوفة أقام فلانٌ خطيباً، فأخذ بيدي سعيدُ بنُ زيدٍ، فقال: ألا ترى إلى هذا الظالم، فأشهَدُ على التسعةِ إنَّهم في الجنَّة، ولو شَهِدْتُ على العاشر لم إيثَمْ، قال ابن إدريس: والعرب تقول: آثم – قلت: ومَنِ التِّسعةُ؟ قال: ( قال رسولُ الله-صلى الله عليه وسلم- وهو على حراء: ( اثْبُتْ حِرَاءُ إِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ، أَوْ صِدِّيقٌ، أَوْ شَهِيدٌ ) قُلْتُ: وَمَنِ التِّسْعَةُ؟ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَطَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ)، قُلْتُ: وَمَنِ الْعَاشِرُ؟ فَتَلَكَّأَ هُنَيَّةً ثُمَّ قَالَ:( أَنَا ).
قال أبو داود: رواه الأشجعيُّ، عن سفيان، عن منصور، عن هلال ابن يساف، عن ابن حيَّان، عن عبدِ الله بن ظالم، بإسناده نحو معناه.
قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى:
” أما حديث سعيد بن زيد، فيرويه عبد الله بن ظالم المازني عنه قال: ( أشهد على التسعة أنهم في الجنة، ولو شهدت على العاشر لم آثم، قيل: وكيف ذاك، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بحراء، فقال: (فذكره) ، قيل: ومن هم؟ قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف، قيل: فمن العاشر؟ قال: أنا ).
أخرجه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، وابن حبان، والحاكم، وأحمد، وقال الترمذي: ” حديث حسن صحيح “.
قلت: وإسناده حسن، رجاله ثقات رجال مسلم غير المازني هذا، فقد ذكره ابن حبان في “الثقات” وروى عنه جماعة وتابعه أبو إسحاق عند أبي نعيم ” انتهى من “السلسلة الصحيحة” (2/ 531).
وهذه الرواية، وإن لم تصح؛ فإنه رضي الله عنه تتناوله النصوص العامة في تبشير الصحابة، خاصة الأوائل منهم بالحسنى والرضوان.
كقول الله تعالى:
(لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) الحديد/10.
وروى الإمام أحمد في “المسند” (7 / 98 – 99) عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: ” أَنَّهُ كَانَ يَجْتَنِي سِوَاكًا مِنَ الْأَرَاكِ، وَكَانَ دَقِيقَ السَّاقَيْنِ، فَجَعَلَتِ الرِّيحُ تَكْفَؤُهُ، فَضَحِكَ الْقَوْمُ مِنْهُ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مِمَّ تَضْحَكُونَ؟)
قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللهِ، مِنْ دِقَّةِ سَاقَيْهِ.
فَقَالَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَهُمَا أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ أُحُدٍ).
وقال محققو المسند:
” صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن من أجل عاصم، وهو ابن أبي النجود، وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين غير حماد – وهو ابن سلمة – فمن رجال مسلم.
عبد الصمد: هو ابن عبد الوارث…
وأورده الهيثمي في “المجمع ” (9 /289)، وقال: ” رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني من طرق … وأمثل طرقها فيه عاصم بن أبي النجود، وهو حسن الحديث على ضعفه، وبقية رجال أحمد وأبي يعلى رجال الصحيح “.
وله شاهد من حديث علي تقدم برقم (920) بإسناد حسن ” انتهى.
وروى الإمام أحمد في “مسنده” (23276): عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُلُوسًا فَقَالَ: ( إِنِّي لَا أَدْرِي مَا قَدْرُ بَقَائِي فِيكُمْ، فَاقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي ـ وَأَشَارَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ ـ وَتَمَسَّكُوا بِعَهْدِ عَمَّارٍ، وَمَا حَدَّثَكُمْ ابْنُ مَسْعُودٍ فَصَدِّقُوهُ ). وحسنه محققو ط الرسالة.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب