هل صحيح إن كان يوم الحساب في يوم كان مقداره ٥٠ ألف سنة، لكن بقاء جميع الناس فيه نصف اليوم وهو ٢٥ ألف سنة؟
هل يوم الحساب مقداره خمسين ألف سنة، والحساب يكون في نصفه؟
السؤال: 433917
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
يستدل أهل العلم لكون يوم الحساب مقداره خمسين ألف سنة، بقوله تعالى: تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ المعارج/4.
وقد ورد أن المراد بهذا اليوم يوم القيامة، عن ابن عباس وغيره.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
" وقوله: ( فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ )، فيه أربعة أقوال …
القول الرابع: أن المراد بذلك يوم القيامة، قال ابن أبي حاتم:
حدثنا أحمد بن سنان الواسطي، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس: ( فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ) قال: يوم القيامة.
وهذا إسناد صحيح.
ورواه الثوري عن سماك بن حرب، عن عكرمة ( فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ) يوم القيامة.
وكذا قال الضحاك، وابن زيد.
وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: ( تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ) قال: فهذا يوم القيامة، جعله الله تعالى على الكافرين مقدار خمسين ألف سنة " انتهى من "تفسير ابن كثير" (8/222).
ويدل على ذلك أيضا ما رواه الإمام مسلم (987) عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ، لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ، فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ، كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ، إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِمَّا إِلَى النَّارِ ….
ثانيا:
وأما كون الحساب لا يستوعب جميع اليوم، بل لا ينتصف اليوم إلا والناس قد نزلوا منازلهم من الجنة أو النار، فيدل عليه ظاهر قول الله تعالى: أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا الفرقان/24.
قال الشيخ المفسر محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى:
" هذه الآية الكريمة تدل على انقضاء الحساب في نصف نهار، لأن المَقِيل: للقيلولة أو مكانها، وهي الاستراحة نصف النهار في الحر.
وممن قال بانقضاء الحساب في نصف نهار: ابن عباس، وابن مسعود، وعكرمة، وابن جبير؛ لدلالة هذه الآية على ذلك، كما نقله عنهم ابن كثير وغيره… " انتهى من "دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب" (ص172).
وروى أبو يعلى بإسناد رواته ثقات، في "المسند" (10/415)، قال: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ مِقْدَارَ نِصْفِ يَوْمٍ مِنْ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، فَيَهُونُ ذَلِكَ الْيَوْمُ عَلَى الْمُؤْمِنِ كَتَدَلِّي الشَّمْسِ لِلْغُرُوبِ إِلَى أَنْ تَغْرُبَ).
قال الهيثمي رحمه الله تعالى:
"رواه أبو يعلى، ورجاله رجال الصحيح غير إسماعيل بن عبد الله بن خالد، وهو ثقة " انتهى من "مجمع الزوائد" (10/337).
وروى الحاكم في "المستدرك" (2/402)، قال: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَمْدَانَ الْجَلَّابُ، بِهَمْدَانَ، حدثنا أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، حدثنا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ، حدثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَيْسَرَةَ بْنِ حَبِيبٍ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: " لَا يَنْتَصِفُ النَّهَارُ مِنْ يَوْمِ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَقِيلَ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ، ثُمَّ قَرَأَ: (إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ) ".
قال الحاكم:" هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ ".
قال الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى:
" وهو يوم طويل مقداره خمسون ألف سنة، يوم طويل عظيم، لكن لا ينتصف إلا وقد صار أهل الجنة إلى منازلهم، قال تعالى: ( أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا ) عند نصف النهار قد وصلوا إلى منازلهم، وتبوءوا منازلهم، وتنعموا فيها " انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (28 / 36 – 37).
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب