يشاع أن أبا سفيان بن حرب شمت بالمسلمين يوم حنين، وقال لا تنتهي هريمتهم دون البحر، مع العلم أن هناك روايات عديدة تدل على ثباته وجهاده يوم حنين فما الصواب؟
هل قال أبو سفيان يوم حنين: ( لا تنتهي هزيمتهم دون البحر )؟
السؤال: 439508
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
أبو سفيان صخر بن حرب رضي الله عنه، كان رأس بني أمية، وسيدا من سادات قريش، أعلن إسلامه يوم الفتح، ويرى أهل السير أن حاله يوم إسلامه كان شبه مكره، ولذلك تألف النبي صلى الله عليه وسلم قلبه بالأموال من غنائم حنين، ثم صلح حاله، وتمكن الإسلام من قلبه، فجاهد في غزوة الطائف، وشهد من الفتوح معركة اليرموك.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
” رأس قريش، وقائدهم يوم أحد، ويوم الخندق.
وله هَنَات، وأمور صعبة، لكن تداركه الله بالإسلام يوم الفتح، فأسلم شِبْه مُكرهٍ خائف. ثم بعد أيام صلح إسلامه.
وكان من دهاة العرب، ومن أهل الرأي والشرف فيهم، فشهد حنينًا، وأعطاه صهرُه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من الغنائم مائة من الإبل، وأربعين أوقية من الدراهم؛ يتألفه بذلك.
ففرغ عن عبادة هبل، ومال إلى الإسلام.
وشهد قتال الطائف، فقُلعت عينُه حينئذ، ثم قُلعت الأخرى يوم اليرموك، وكان يومئذ قد حسن – إن شاء الله – إيمانه؛ فإنه كان يومئذ يُحرِّض على الجهاد.
وكان تحت راية ولده يزيد، فكان يصيح: يا نصر الله اقترب.
وكان يقف على الكراديس يُذَكِّر، ويقول:
اللهَ اللهَ، إنكم أنصار الإسلام، ودارة العرب، وهؤلاء أنصار الشرك، ودارة الروم؛ اللهم هذا يوم من أيامك، اللهم أنزل نصرك.
فإن صح هذا عنه، فإنه يُغبَط بذلك.
ولا ريب أن حديثه عن هرقل، وكتاب النبي صلى الله عليه وسلم: يدل على إيمانه، ولله الحمد ” انتهى من “سير أعلام النبلاء” (2 / 106 – 107).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
” وروى يعقوب بن سفيان، وابن سعد، بإسناد صحيح، عن سعيد بن المسيّب، عن أبيه، قال: فقدت الأصوات يوم اليرموك؛ إلا صوت رجل يقول: يا نصر اللَّه اقترب.
قال: فنظرت، فإذا هو أبو سفيان تحت راية ابنه يزيد.
ويقال: فُقئت عينه يومئذ ” انتهى من “الإصابة” (5 / 230).
ثانيا:
قال الطحاوي في “شرح مشكل الآثار” (6 / 412):
” وَجَدْنَا فَهْدًا قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ بُهْلُولٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إدْرِيسَ، عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ أَبِيهِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: ( لَمَّا انْهَزَمَ النَّاسُ يَوْمَ حُنَيْنٍ جَعَلَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ يَقُولُ: لَا تَنْتَهِي هَزِيمَتُهُمْ دُونَ الْبَحْرِ، وَصَرَخَ كَلَدَةُ بْنُ الْحَنْبَلِ وَهُوَ مَعَ أَخِيهِ لِأُمِّهِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ: أَلَا بَطَلَ السِّحْرُ الْيَوْمَ. فَقَالَ لَهُ صَفْوَانُ: اسْكُتْ فَضَّ اللهُ فَاكَ، فَوَاللهِ لَأَنْ يَرُبَّنِي رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ، أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ يَرُبَّنِي رَجُلٌ مِنْ هَوَازِنَ “.
وَوَجَدْنَا الرَّبِيعَ الْمُرَادِيَّ قَدْ حَدَّثَنَا، قَالَ: حَدَّثَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِسْحَاقُ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ بِإِسْنَادِهِ ” انتهى.
وهذا إسناده رواته ثقات إلا ما يوصف به ابن إسحاق من التدليس وقد صرح بالتحديث.
وهذا الكلام صدر من أبي سفيان، رضي الله عنه، يوم كان من المؤلفة قلوبهم، وقبل تمكن الإسلام من قلبه.
وأما بعد ما تمكن الإسلام من قبله، فلم يحفظ عنه بادرة نحو الإسلام وأهله، وقد حفظ عنه خلاف ذلك، من الجهاد، وصلاح الحال.
ثالثا:
أبو سفيان بن حرب، هو غير أبي سفيان الذي ثبت مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين.
فقد روى الإمام مسلم (1775) عن عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، قَالَ: ” شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ، فَلَزِمْتُ أَنَا وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ نُفَارِقْهُ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ بَيْضَاءَ، أَهْدَاهَا لَهُ فَرْوَةُ بْنُ نُفَاثَةَ الْجُذَامِيُّ، فَلَمَّا الْتَقَى الْمُسْلِمُونَ وَالْكُفَّارُ وَلَّى الْمُسْلِمُونَ مُدْبِرِينَ، فَطَفِقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْكُضُ بَغْلَتَهُ قِبَلَ الْكُفَّارِ، قَالَ عَبَّاسٌ: وَأَنَا آخِذٌ بِلِجَامِ بَغْلَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكُفُّهَا، إِرَادَةَ أَنْ لَا تُسْرِعَ، وَأَبُو سُفْيَانَ آخِذٌ بِرِكَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( أَيْ عَبَّاسُ، نَادِ أَصْحَابَ السَّمُرَةِ )، فَقَالَ عَبَّاسٌ: وَكَانَ رَجُلًا صَيِّتًا، فَقُلْتُ بِأَعْلَى صَوْتِي: أَيْنَ أَصْحَابُ السَّمُرَةِ؟ قَالَ: فَوَاللهِ، لَكَأَنَّ عَطْفَتَهُمْ حِينَ سَمِعُوا صَوْتِي عَطْفَةُ الْبَقَرِ عَلَى أَوْلَادِهَا، فَقَالُوا: يَا لَبَّيْكَ، يَا لَبَّيْكَ، قَالَ: فَاقْتَتَلُوا وَالْكُفَّارَ… “.
فتبين أن أبا سفيان المذكور هنا: هو أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي، ابن عمّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، وأخوه من الرضاعة.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
” أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي، ابن عمّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وأخوه من الرضاعة، أرضعتهما حليمة السعدية.
وكان ممن يشبه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم…
وكان أبو سفيان ممن يؤذي النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ويهجوه، ويؤذي المسلمين، وإلى ذلك أشار حسان بن ثابت في قصيدته المشهورة:
هجوتَ محمّدا فأجبت عنه … وعند اللَّه في ذاك الجزاء …
وأسلم أبو سفيان في الفتح، لقي النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وهو متوجّه إلى مكة فأسلم، ثم شهد حنينا، فكان ممن ثبت مع النبي صلى اللَّه عليه وسلّم.
وأخرج مسلم من طريق كثير بن العباس بن عبد المطلب، عن أبيه قصة حنين، قال:
( فطفق النبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم يركض بغلته نحو الكفار، وأنا آخذ بلجامها أكفّها، وأبو سفيان بن الحارث آخذ بركابه … الحديث. ” انتهى من “الإصابة في تمييز الصحابة” (12 / 303 – 305).
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب