0 / 0

هل صح خبر حفر يأجوج ومأجوج للسد كل يوم؟

السؤال: 440727

قرأت أن حديث حفر قوم يأجوج ومأجوج للسد ضعيف بسبب وجود انقطاع بالسند، وهو أن قتاده لم يسمع من أبي رافع، ويستشهدون بقول شعبة ـ وهو تلميذ قتادة وغيره ـ بعدم لقاء قتادة بأبي رافع، فهل هذا صحيح؟ وكيف نوثق بين هذا القول وبين تصحيح الشيخ الألباني للحديث مع الترمذي ورواية البخاري لحديث بسنده قتاده عن أبي رافع كحديث رقم: (7554) في "صحيح البخاري" وكحديث رقم (5190) بسنن أبي داوود؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

هذا الخبر رواه الإمام أحمد في "المسند" (13/369)، قال: حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو رَافِعٍ.

ورواه أيضا في "المسند" (13/370)، قال: حَدَّثَنَا حَسَنٌ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ.

والترمذي (3153)، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ – وَغَيْرُ وَاحِدٍ وَاللَّفْظُ لِابْنِ بَشَّارٍ -، قَالُوا: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ المَلِكِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ.

وابن ماجه (4080)، قال: حَدَّثَنَا أَزْهَرُ بْنُ مَرْوَانَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو رَافِعٍ.

وابن حبان (6829)، قال: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ زُهَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ الْعِجْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، يُحَدِّثُ عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّ أَبَا رَافِعٍ حَدَّثَهُ.

والطبري في "التفسير" (15/398)، قال: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: حدثنا يَزِيدُ، قَالَ: حدثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي رَافِع.

والحاكم في "المستدرك" (4/488)، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ هَانِئٍ، حدثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ الذُّهْلِيُّ، حدثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، حدثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ يَحْفِرُونَ كُلَّ يَوْمٍ، حَتَّى إِذَا كَادُوا يَرَوْنَ شُعَاعَ الشَّمْسِ، قَالَ الَّذِي عَلَيْهِمْ: ارْجِعُوا فَسَنَحْفِرُهُ غَدًا، فَيُعِيدُهُ اللَّهُ أَشَدَّ مَا كَانَ، حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ مُدَّتُهُمْ، وَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَهُمْ عَلَى النَّاسِ، حَفَرُوا، حَتَّى إِذَا كَادُوا يَرَوْنَ شُعَاعَ الشَّمْسِ، قَالَ: ارْجِعُوا، فَسَتَحْفِرُونَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَاسْتَثْنَوْا، فَيَعُودُونَ إِلَيْهِ، وَهُوَ كَهَيْئَتِهِ حِينَ تَرَكُوهُ، فَيَحْفِرُونَهُ وَيَخْرُجُونَ عَلَى النَّاسِ، فَيُنْشِفُونَ الْمَاءَ، وَيَتَحَصَّنُ النَّاسُ مِنْهُمْ فِي حُصُونِهِمْ، فَيَرْمُونَ بِسِهَامِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ، فَتَرْجِعُ عَلَيْهَا الدَّمُ الَّذِي اجْفَظ، فَيَقُولُونَ: قَهَرْنَا أَهْلَ الْأَرْضِ، وَعَلَوْنَا أَهْلَ السَّمَاءِ، فَيَبْعَثُ اللَّهُ نَغَفًا فِي أَقْفَائِهِمْ فَيَقْتُلُهُمْ بِهَا .

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ دَوَابَّ الْأَرْضِ لَتَسْمَنُ وَتَشْكَرُ شَكَرًا مِنْ لُحُومِهِمْ.

وهذا الخبر مدار إسناده على رواة ثقات.

قال الحاكم: " هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الصحيحين، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ "، ووافقه الذهبي.

لكن حكم عليه الترمذي بالغرابة، فقال رحمه لله تعالى: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، إِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ هَذَا الوَجْهِ مِثْلَ هَذَا " انتهى.

ومعناه مما استنكر، لمخالفته لظاهر قول الله تعالى:

حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا * قَالُوا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا * قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا * آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا * فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا الكهف/93—97.

قال ابن كثير رحمه الله تعالى:

" وهذا إسناده قوي، ولكن في رفعه نكارة؛ لأن ظاهر الآية يقتضي أنهم لم يتمكنوا من ارتقائه ولا من نقبه، لإحكام بنائه وصلابته وشدته. ولكن هذا قد روي عن كعب الأحبار: أنهم قبل خروجهم يأتونه فيلحسونه حتى لا يبقى منه إلا القليل، فيقولون: غدا نفتحه. فيأتون من الغد وقد عاد كما كان، فيلحسونه حتى لا يبقى منه إلا القليل، فيقولون كذلك، ويصبحون وهو كما كان، فيلحسونه ويقولون: غدا نفتحه. ويلهمون أن يقولوا: "إن شاء الله"، فيصبحون وهو كما فارقوه، فيفتحونه. وهذا متجه، ولعل أبا هريرة تلقاه من كعب. فإنه كثيرا ما كان يجالسه ويحدثه، فحدث به أبو هريرة، فتوهم بعض الرواة عنه أنه مرفوع، فرفعه، والله أعلم.

ويؤكد ما قلناه – من أنهم لم يتمكنوا من نقبه ولا نقب شيء منه، ومن نكارة هذا المرفوع- …

عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتِ: ( اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَوْمٍ وَهُوَ مُحْمَرٌّ وَجْهُهُ وَهُوَ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدْ اقْتَرَبَ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ، وَحَلَّقَ – بِإِصْبَعِهِ الإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا – قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ ).

هذا حديث صحيح، اتفق البخاري ومسلم على إخراجه " انتهى من "تفسير ابن كثير" (5/ 198).

فمعنى الحديث مما يستنكر، لكن ما أشار إليه ابن كثير من وهم بعض الرواة عن أبي هريرة، هذا النقد قد يفهم منه أن الوهم واقع من أبي رافع وهو ثقة ثبت.

وإلى هذ أشار الشيخ عبد الرحمن المعلمي رحمه الله تعالى، حيث قال:

" وصنيع ابن كثير هنا غير جيد، من أوجه لا أطيل بذكرها…

وأبو رافع هو نفيع البصري مخضرم ثقة، لا يظن به أن يخطئ الخطأ الذي أشار إليه ابن كثير، فلو صح الخبر عنه، لزم تصحيحه عن أبي هريرة، ولو صح عن أبي هريرة لصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولو صح مع ذلك أن كعبا أخبر بما يشبهه، لكان محمله الطبيعي أن كعبا سمع الحديث من أبي هريرة أو غيره من الصحابة فاقتبس منه خبره.

لكن الخبر لم يصح عن أبي رافع، فلم يصح عن أبي هريرة، فلم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا ندري ممن سمعه قتادة، والله أعلم " انتهى من "الأنوار الكاشفة ضمن مجموع آثار الشيخ المعلمي" (12 / 256 — 258).

ويتأكد ذلك بغلبة الظن بانقطاع الإسناد، لوجود راو ساقط منه، فتضعيف الخبر بهذا الانقطاع أولى من توهيم الثقة.

ثم حاول ابن كثير في "البداية والنهاية"، أن يجمع بين الخبر والآية، حيث قال رحمه الله تعالى:

" فإن لم يكن رفع هذا الحديث محفوظا، وإنما هو مأخوذ عن كعب الأحبار، كما قاله بعضهم، فقد استرحنا من المؤونة.

وإن كان محفوظا، فيكون محمولا على أن صنيعهم هذا يكون في آخر الزمان عند اقتراب خروجهم، كما هو المروي عن كعب الأحبار، أو يكون المراد بقوله: (  وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا )، أي: نافذا منه، فلا ينفي أن يلحسوه ولا ينفذوه. والله أعلم.

وعلى هذا، فيمكن الجمع بين هذا وبين ما في "الصحيحين" عن أبي هريرة، رضي الله عنه: ( فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وعقد تسعين ). أي: فتح فتحا نافذا فيه. والله أعلم " انتهى من "البداية والنهاية" (2 / 559 – 560).

لكن الجمع بين الأدلة فرع عن تصحيح الحديث، وإسناد الخبر يدور على قتادة رضي الله عنه، وقد تكلموا في سماعه من أبي رافع، حيث نص بعض الأئمة على عدم سماعه منه.

وذهب بعض أهل العلم إلى إثبات سماعه منه لما ورد من تصريح قتادة بأن أبا رافع حدثه.

معتمدين على ما رواه البخاري (7553)، قال: " وقَالَ لِي خَلِيفَةُ بْنُ خيَّاط: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ: سَمِعْتُ أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، ‌عَنْ ‌أَبِي ‌رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النبي صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:  لَمَّا قَضَى اللَّهُ الْخَلْقَ، كَتَبَ كِتَابًا عِنْدَهُ: غَلَبَتْ – أَوْ قَالَ: سَبَقَتْ – رَحْمَتِي غَضَبِي، فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ .

ثم روى البخاري (7554)، قال: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي غَالِبٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ: أَنَّ أَبَا رَافِعٍ حَدَّثَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ:

سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يَقُولُ:  إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ كِتَابًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ: إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي، فَهُوَ مكتوب عنده فوق العرش.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

" قوله: ( سَمِعْتُ أَبِي ) هو سليمان بن طرخان التّيميّ، قوله: ( عن قتادة عن أبي رافع ) كذا وقع بالعنعنة، وفي السّند الّذي بعده التّصريح بالتّحديث من قتادة وأبي رافع عند مسلم وكذا بالسّماع لأبي رافع وأبي هريرة " انتهى من "فتح الباري" (13/526).

وقال رحمه الله تعالى معلقا على قول البخاري:

" بَابُ إِذَا دُعِيَ الرَّجُلُ فَجَاءَ هَلْ يَسْتَأْذِنُ.

قَالَ سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( هُوَ إِذْنُهُ ) ".

حيث قال الحافظ ابن حجر:

" قوله: (وقَالَ سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( هُوَ إِذْنُهُ ) … وقد أخرجه المصنف في "الأدب المفرد" وأبو داود من طريق عبد الأعلى بن عبد الأعلى عن سعيد بن أبي عروبة…

قال أبو داود: لم يسمع قتادة من أبي رافع، كذا في اللؤلؤي عن أبي داود. ولفظه في رواية أَبي الحسن بن العبد يقال لم يسمع قتادة من أبِي رافعٍ شيئا، كذا قال.

وقد ثبت سماعه منه في الحديث الّذي سيأتي في البخاريّ في كتاب التّوحيد من رواية سليمان التّيميّ عن قتادة أنّ أبا رافع حدّثه، وللحديث مع ذلك متابع أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" من طريق محمد بن سيرين عن أبي هريرة بلفظ: ( رسول الرجل إلى الرجل إذنه )، وأخرج له شاهدا موقوفا على ابن مسعود: ( قال إذا دعي الرجل فهو إذنه )، وأخرجه ابن أبي شيبة مرفوعا.

واعتمد المنذريّ على كلام أبي داود فقال: أخرجه البخاريّ تعليقا لأجل الانقطاع .

كذا قال، ولو كان عنده منقطعا لعلّقه بصيغة التّمريض كما هو الأغلب من صنيعه، وهو غالبا يجزم إذا صحّ السّند إلى من علَّق عنه، كما قال في الزّكاة " انتهى. "فتح الباري" (11/ 31 — 32).

لكن جزم البخاري لعله راجع إلى ما لهذا الإسناد من متابعات قد ساقها الحافظ نفسه.

ورأى من ينفي سماعه منه أن الرواية الأولى عند البخاري تبيّن وجود وهم في التصريح بالتحديث، فعند البخاري (7553)، قال: وقَالَ لِي خَلِيفَةُ بْنُ خيَّاط: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ: سَمِعْتُ أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، ‌عَنْ ‌أَبِي ‌رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النبي صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:  لَمَّا قَضَى اللَّهُ الْخَلْقَ، كَتَبَ كِتَابًا عِنْدَهُ: غَلَبَتْ – أَوْ قَالَ: سَبَقَتْ – رَحْمَتِي غَضَبِي، فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ .

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى:

"‌‌ ومنهم سليمان التيمي: أحد أعيان الأئمة البصريين.

قال أبو بكر الأثرم في كتاب "الناسخ والمنسوخ": كان التيمي من الثقات، ولكن كان لا يقوم بحديث قتادة.

وقال أيضا: لم يكن التيمي من الحفاظ، من أصحاب قتادة.

وذكر له أحاديث وهم فيها عن قتادة…

ومنها أنه روى عن قتادة: " أن أبا رافع حدثه"؛ ولم يسمع قتادة من أبي رافع شيئا.

وقد ذكر الأثرم في "العلل" أنه عرض هذا الكلام كله على أحمد، قال: فقال أحمد: هذا اضطراب، هكذا حفظت…

وحديث سليمان عن قتادة: " أن أبا رافع حدثه " قد خرجه البخاري في صحيحه، وهو في حديث: (إن الله كتب كتاباً فهو عنده أن رحمتي سبقت غضبي).

وكان شعبة ينكر سماع قتادة من أبي رافع.

وقال أحمد: لم يسمع قتادة من أبي رافع، نقله عنه الأثرم " انتهى من "شرح علل الترمذي" (2/ 788 — 790).

ووجود هذا الوهم من سليمان التيمي لا يطعن في صحة متن الحديث المذكور – لما قضى الله الخلق -؛ لأن البخاري قد أورده بإسناد آخر.

حيث رواه البخاري (3194)، قال: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ القُرَشِيُّ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  لَمَّا قَضَى اللَّهُ الخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابِهِ فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ العَرْشِ إِنَّ رَحْمَتِي غَلَبَتْ غَضَبِي .

والحاصل؛ أن هذا الاختلاف في سماع قتادة من أبي رافع يثير الشبهة، ويغلب به الظن بانقطاع الإسناد؛ لأن قتادة موصوف بالتدليس.

قال الذهبي رحمه الله تعالى:

" وهو حجة بالإجماع إذا بين السماع، فإنه مدلس معروف بذلك " انتهى من "سير أعلام النبلاء" (5/271).

وخبر يأجوج ومأجوج هذا، لم يتبيّن أن قتادة سمعه من أبي رافع، كما حقق ذلك الشيخ عبد الرحمن المعلمي، حيث قال رحمه الله تعالى:

" وهذا الحديث مداره على قتادة عن أبي رافع، عن أبي هريرة.

رواه عن قتادة فيما وقعت عليه ثلاثة: الأول: شيبان بن عبد الرحمن في "مسند أحمد".

الثاني: أبو عوانة في "سنن الترمذي"، و "مستدرك الحاكم".

الثالث: سعيد بن أبي عروبة في "تفسير ابن جرير"، و "سنن ابن ماجه"، و "مسند أحمد".

فأما شيبان وأبو عوانة ففي رايتهما: "… قتادة عن أبي رافع ".

وأما سعيد فرواه عنه فيما وقفت عليه ثلاثة:

الأول: يزيد بن زريع عند ابن جرير، وفيه أيضا " … قتادة عن أبي رافع".

الثاني: عبد الأعلى بن عبد الأعلى عند ابن ماجه، وفيه " … قتادة قال: حدث أبو رافع " هكذا نقله ابن كثير في "تفسيره" طبعة بولاق (6 / 173)، وطبعة المنار (5 / 333)، ومخطوط مكتبة الحرم المكي، وهكذا في "سنن ابن ماجه" نسخ مكتبة الحرم المكي المخطوطة وهي أربع، وطبعة عمدة المطابع بدلهي في الهند سنة 1273، ووقع في أربع نسخ مطبوعة هنديتين ومصريتين " … قتادة قال: حدثنا أبو رافع " مع أن سياق السند من أوله فيها هكذا: " حدثنا أزهر بن مروان، ثنا عبد الأعلى، ثنا سعيد، عن قتادة … " فلو كان في الأصل: "قال حدثنا" لاختصر في الأصول المخطوطة لهذه النسخ الأربع إلى "ثنا" كسابقيه في أثناء السند، ولكنّه جَهْلُ الطابعين، حسبوا أنه لا يقال: " حدث فلان "، وإنما يقال: " حدثنا فلان " فأصلحوه بزعمهم، وتبع متأخرهم متقدمهم، والله المستعان.

الثالث: روح بن عبادة عند أحمد وفيه: " … قتادة، ثنا أبو رافع "، وأحسب هذا خطأ من ابن المُذْهِب راوي المسند عن القَطِيعي، عن عبد الله بن أحمد، وفي ترجمته في "الميزان" و "اللسان" قول الذهبي: " الظاهر من ابن المذهب أنه شيخ ليس بمتقن، وكذلك شيخه ابن مالك، ومن ثم وقع في "المسند" أشياء غير محكمة المتن ولا الإسناد "، ومن المحتمل أن يكون الخطأ من روح، فإن كلا من يزيد وعبد الأعلى أثبت منه، وقتادة مشهور بالتدليس، فلو كان الخبر عند سعيد عنه مصرّحاً فيه بالسماع، لحرص سعيد على أن يرويه كذلك دائما، بل أطلق أبو داود أن قتادة لم يسمع من أبي رافع، وظاهره أنه لم يسمع منه شيئا، ولكن نظَّر فيه ابنُ حجر.

على كل حال، فلم يثبت تصريح قتادة في هذا بالسماع، فلم يصح الخبر عن أبي رافع… فلم يصح عن أبي هريرة، فلم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا ندري ممن سمعه قتادة، والله أعلم" انتهى من "الأنوار الكاشفة ضمن مجموع آثار الشيخ المعلمي" (12/ 256–258).

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

" أخرجه التّرمذيّ والحاكم من رواية أبي عوانة، وعبد بن حميد من رواية حمّاد بن سلمة، وابن حبّان من رواية سليمان التّيميّ، كلّهم: عن قتادة. ورجاله رجال الصّحيح إلّا أنّ قتادة مدلّس، وقد رواه بعضهم عنه فأدخل بينهما واسطة أخرجه ابن مردويه، لكن وقع التّصريح في رواية سليمان التّيميّ عن قتادة بأنّ أبا رافع حدّثه، وهو في صحيح ابن حبان، وأخرجه ابن ماجه من طريق سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة قال: حدّث أبو رافع. وله طريق آخر عن أبي هريرة أخرجه عبد بن حميد من طريق عاصم عن أبي صالح عنه لكنه موقوف " انتهى من "فتح الباري" (13/ 109).

والتصريح بالتحديث في رواية سليمان التيمي فيه نظر، لما سبق في كلام ابن رجب من أن لسليمان أوهاما في أحاديثه عن قتادة.

فالحاصل؛ أن هذا الخبر ضعيف لانقطاع سنده، ومن يرجّح القول بعدم سماع قتادة من أبي رافع، لا يطعن في متون كل أحاديث هذا الإسناد، بل ينظر في كل حديث على انفراد فينظر في طرقه ومتابعاته وشواهده، فلكل حديث نقد خاص.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى:

" يَعْرِض لمن قَصُر نقدُه وذوقُه عن نقد الأئمة وذوقهم، في هذا الشأن: نوعان من الغلط، نُنَبِّه عليهما لعظيم فائدة الاحتراز منهما.

أحدهما: أن يرى مثل هذا الرجل قد وُثِّق، وشُهِد له بالصّدق والعدالة، أو خُرِّج حديثه في الصحيح، فيجعل كلّ ما رواه على شرط الصحيح.

وهذا غلط ظاهر؛ فإنه إنما يكون على شرط الصحيح، إذا انتفت عنه العلل والشذوذ والنكارة وتوبع عليه، فأما مع وجود ذلك أو بعضه؛ فإنه لا يكون صحيحا، ولا على شرط الصحيح.

ومن تأمّل كلام البخاري ونظرائه في تعليله أحاديث جماعة أخرج حديثهم في "صحيحه" علم إمامته وموقعه مِن هذا الشأن، وتبيّن له حقيقة ما ذكرناه… " انتهى من "الفروسية" (ص 181).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android