أنا متزوج منذ سنة، ولدي ابنة رضيعة، ذهبت للعيش ببلد آخر مع العائلة، ومع مرور الأيام لاحظت تغير طباع الزوجة، وكثرة عدم الاحترام، الكلام الزائد، والتعالي علي، فاستعملت كل الطرق المذكورة في الشرع، ورغم ذلك هي مصرة في نشوزها، واستعلائها علي، فقررتُ العودة إلى بلدي الأصلي مع كل العائلة، لكنها أبت الرجوع، ولم ترد الاستغناء عن عملها رغم أنني ذكرت عند العقد الشرعي أن بعد أن يرزقنا الله بأطفال يجب أن تمتنع عن العمل، فحاولت أن أقنعها، وتكلمت مع والديها، ورغم محاولتهم أبت الرجوع معي، مع أني هددتها بالطلاق إذا لم تأتي، فنشزت، واختارت البقاء، والمخاطرة بفراق ابنتنا عن أبيها على طاعة زوجها والرجوع معه، فالآن أنا أحاول إيجاد حل من أجل ابنتنا الرضيعة، فلا أستطيع تركها هناك؛ لأني أرى الخطر التي هي فيه.
سؤالي الآن:
هل يجوز لي التعايش معها في بيت واحد من أجل ابنتنا لفترة مؤقتة، مع التنازل عن الكلام، والمعاشرة والاكتفاء بالسلام، والكلام الضروري مع العلم أن بقائي معها في بيت واحد من غير طلاقها من أجل مصلحة البنت؛ لأنني لا أرى أي فرصة للرجوع إليها لما قامت به من نشوز، وتفضيل العمل على الزوج والبنت؟ وإن كان جائزا، هل يمكن شرح كيفية النفقة عليها؟
إبقاء الزوجة الناشز من أجل رعاية الأولاد دون إعطائها حقوقها
السؤال: 443253
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
يلزم الزوجة طاعة زوجها، والانتقال معه إذا أراد الانتقال إلى بلد آمن، ما لم تكن اشترطت عند العقد الإقامة في بلد معين.
قال في “كشاف القناع” (5/ 187): ” (وللزوج … السفر بها أي بزوجته؛ لأنه صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يسافرون بنسائهم.
إلا أن يكون السفر مَخُوفا؛ بأن كان الطريق أو البلد الذي يريده مَخوفا، فليس له السفر بها بلا إذنها، لحديث: (لا ضرر ولا ضرار).
أو شرطت بلدها؛ فلها شرطها لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج) ” انتهى.
ثانيا:
إذا أبت الزوجة الانتقال مع زوجها، كانت ناشزا، وسقطت نفقتها لذلك.
قال ابن قدامة رحمه الله: ” (والناشز لا نفقة لها، فإن كان لها منه ولد، أعطاها نفقة ولدها) معنى النشوز معصيتها لزوجها فيما له عليها، مما أوجبه له النكاح.
وأصله [أي: النشوز] من الارتفاع، مأخوذ من النَّشَز، وهو المكان المرتفع، فكأن الناشز ارتفعت عن طاعة زوجها، فسميت ناشزا.
فمتى امتنعت من فراشه، أو خرجت من منزله بغير إذنه، أو امتنعت من الانتقال معه إلى مسكن مثلها، أو من السفر معه، فلا نفقة لها ولا سكنى، في قول عامة أهل العلم؛ منهم الشعبي ، وحماد، ومالك، والأوزاعي، والشافعي، وأصحاب الرأي، وأبو ثور.
وقال الحكم: لها النفقة.
وقال ابن المنذر: لا أعلم أحدا خالف هؤلاء إلا الحكم ” انتهى من “المغني” (8/236).
ثالثا:
يجوز إبقاء الزوجة دون إعطائها حقوقها، إذا كان ذلك بالتراضي معها؛ لمصلحة الأولاد ونحو ذلك.
قال ابن القيم رحمه الله: ” الرجل إذا قضى وطرا من امرأته، وكرهتها نفسه، أو عجز عن حقوقها، فله أن يطلقها، وله أن يخيرها إن شاءت أقامت عنده، ولا حق لها في القسم والوطء والنفقة، أو في بعض ذلك بحسب ما يصطلحان عليه، فإذا رضيت بذلك، لزم، وليس لها المطالبة به بعد الرضى” انتهى من “زاد المعاد” (5/139).
ودليل ذلك: حديث ابْنِ عَبَّاسٍ قال، قَالَ: خَشِيَتْ سَوْدَةُ أَنْ يُطَلِّقَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: لاَ تُطَلِّقْنِي وَأَمْسِكْنِي، وَاجْعَلْ يَوْمِي لِعَائِشَةَ، فَفَعَلَ فَنَزَلَتْ: (فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) فَمَا اصْطَلَحَا عَلَيْهِ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ. رواه الترمذي (3040) وصححه الألباني في “صحيح الترمذي”.
وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها في قوله: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا) قَالَتْ: هِيَ الْمَرْأَةُ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ، لاَ يَسْتَكْثِرُ مِنْهَا، فَيُرِيدُ طَلاَقَهَا، وَيَتَزَوَّجُ غَيْرَهَا، تَقُولُ لَهُ: أَمْسِكْنِى وَلاَ تُطَلِّقْنِى، ثُمَّ تَزَوَّجْ غَيْرِى، فَأَنْتَ فِى حِلٍّ مِنَ النَّفَقَةِ عَلَيَّ، وَالْقِسْمَةِ لِي، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى (فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَصَّالَحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) رواه البخاري (4910)، ومسلم (3021).
والناشز سقط حقها في النفقة، وفي القسم-عند وجود أكثر من زوجة-، وبقي حقها في الوطء والاستمتاع، فإن رضيت بإسقاطه، والبقاء مع الزوج معلقة، لا هي زوجة ولا مطلقة، فلا حرج في ذلك.
رابعا:
إذا لم تشأ الإنفاق عليها لنشوزها، أو لرضاها بعدم النفقة، فإنك تنفق على ابنتك، وتتولى زوجتك الإنفاق على نفسها لطعامها وكسوتها.
وأما أجرة السكن، فلا يلزمها شيء منها؛ لأن سكنها تابع لسكن ابنتك.
والنصيحة لك، إذا بلغ الأمر بكما هذا المبلغ: أن تسرحها بإحسان، وتتزوج أخرى، تعفها، وتعفك. ولك أن تشترط عليها حاضنة ابنتك، وتشترط ذلك لزوجتك الجديدة.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب