هل قصة أسماء بنت يزيد التي سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن مكانة المرأة صحيحة
هل حديث “وافدة النساء” صحيح؟
السؤال: 443696
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
رُوي هذا الحديث من طريق ثلاثةٍ من الصحابة: (أسماء بنت يزيد، وابن عباس، وجابر بن عبد الله)، ولا يصح منها شيء.
وهذا تفصيل الكلام عليها.
أولا:
أمَّا حديث أسماء بنت يزيد:
فأخرجه بحشل في "تاريخ واسط" (ص75)، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" (6/3259)، من طريق أبي سعيد الساحلي عن مسلم بن عبيد عن أسماء بنت يزيد قالت:
أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو جالس مع أصحابه، فقلت: يا رسول الله، إني وافدة النساء إليك، إنه ليس من امرأة سمعت بمخرجي إليك إلا وهي على مثل رأيي، وإن الله تبارك وتعالى بعثك إلى الرجال والنساء، فآمنا بك وبالهدى الذي جئت به.
وإن الله قد فضلكم علينا معشرَ الرجال بالجماعة والجمعة، وعيادة المرضى، واتباع الجنائز، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله تعالى، وإن أحدكم إذا خرج غازيا أو حاجا أو معتمرا، حفظنا أموالكم، وغزلنا أثوابكم، وربينا لكم أولادكم.
وإنا -معشر النساء- مقصوراتٌ، محصوراتٌ، قواعدُ بيوتِكم، فما نشارككم فيه من الأجر؟.
فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه، بوجهه كله، فقال: سَمِعْتُمْ بِمِثْلِ مَقَالَةِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ؟.
قالوا: ما ظننا أن أحدا من النساء يهتدي إلى مثل ما اهتدت إليه هذه المرأة.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اعْلَمِي وَأَعْلِمِي مَنْ وَرَاءَكِ مِنَ النِّسَاءِ: أَنَّ حُسْنَ تَبَعُّلِ الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا وَاتِّبَاعِهَا مُوَافَقَتِهِ وَمَرْضَاتِهِ: يَعْدِلُ ذَلِكَ كُلَّهُ.
فانطلقت تهلل وتكبر وتحمد الله عز وجل، استبشارا.
وهذا سند ضعيف، أبو سعيد الساحلي مجهول لا يُعرف، ومسلم بن عبيد لم نقف له على رواية عن أسماء إلا هذا الحديث، ولا يعرف له سماع منها.
وقد فصل الكلام عليه وبين ضعفه الشيخ الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة (6242).
ثانيًا:
وأما حديث ابن عباس:
فأخرجه البزار في "مسنده" (11/377)، من طريق رشدين بن كُريب عن أبيه عن ابن عباس.
ورشدين بن كريب ضعيفٌ منكرُ الحديث كما قال الإمام أحمد والبخاري، وقال ابن معين: "ليس حديثه بشيء". ينظر: "تهذيب التهذيب" (3/279).
وقد رواه عنه: مندل بن علي وأخوه حبان، وكلاهما ضعيف.
وله طريق آخر عن ابن عباس، أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" من طريق القاسم بن فياض، عن خلاد بن عبد الرحمن، عن سعيد بن المسيب، سمع ابن عباس، قالت امرأة: يا رسول الله، ما جزاء غزو المرأة؟ قال: طاعةُ الزوج، واعترافٌ بحقه.
والقاسم ضعيف، قال ابن حبان في المجروحين: "كان ممن ينفرد بالمناكير عن المشاهير، فلما كثر ذلك في روايته بطل الاحتجاج بخبره".
وفي بيان ضعف حديث ابن عباس، ينظر: المجروحين لابن حبان (1/378)، العلل المتناهية في الأحاديث الواهية (2/140)، مجمع الزوائد (4/305)، السلسلة الضعيفة (5340).
ثالثًا:
وأمَّا حديث جابر بن عبد الله، فأخرجه ابن أبي الدنيا في كتابه "النفقة على العيال" (2/721) من طريق أبي إسماعيل المؤدب إبراهيم بن سليمان، عن الحجاج بن دينار، عن محمد بن علي الباقر، عن جابر بن عبد الله، قال:
بينا نحن قعودٌ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أتته امرأة، فقالت: السلام عليك يا رسول الله، أنا وافدة النساء إليك.
اللهُ رب الرجال ورب النساء، وآدمُ أبو الرجال وأبو النساء، بعثك الله إلى الرجال وإلى النساء، والرجال إذا خرجوا في سبيل الله فقتلوا: فأحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله، وإذا خرجوا: لهم من الأجر ما قد علموا؛ ونحن نخدمهم ونجلس، فما لنا من الأجر؟
قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أَقْرِئِي النِّسَاءَ عَنِّي السَّلَامَ، وَقُولِي لَهُنَّ: إِنَّ طَاعَةَ الزَّوْجِ تَعْدِلُ مَا هُنَاكَ، وَقَلِيلٌ مِنْكُنَّ تَفْعَلُهُ.
وقد حسن بعض الباحثين هذا الحديث، والصواب أنَّه حديث منكر، وبيان ذلك:
1-أنه حديثٌ فردٌ غريبٌ، تفرَّد به أبو إسماعيل إبراهيم بن سليمان المؤدب، وهو وإن كان ثقةً إلا أن له غرائب كثيرة، كما ذكر ابن عدي في "الكامل" (1/405)، وهذا من غرائبه.
وهو ليس من الحفاظ المتقنين، بل في مرتبة وسطى.
قال الحافظ الذهبي في "الميزان" (1/36): "ضعَّفه يحيى بن معين مرة، وقال أخرى: ليس بذاك، وقال هو وأحمد: ليس به بأس.
روى عن عاصم بن بهدلة ونحوه، ووثقه الدارقطني".
وكذا وثقه أبو داود وابن حبان والعجلي، ولخص حاله الحافظ ابن حجر في "التقريب" (ص90) بقوله: "صدوقٌ يُغرب". وينظر: "الضعفاء" للعقيلي (1/188)، "تهذيب التهذيب" (1/125).
2-أن أبا إسماعيل المؤدب لا يُعرف له سماع من الحجاج بن دينار، بل لا تُعرف له رواية عنه غير هذا الحديث.
ولم يذكره من ترجم له من السابقين في شيوخه، كالبخاري في التاريخ الكبير، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد.
وقد أخرجه الثعلبي في تفسيره "الكشف والبيان عن تفسير القرآن" (6/195) من رواية محمد بن مروان السُّدي عن الحجاج بن دينار، والسُّدي متهم بالكذب، فيخشى أن يكون أبو إسماعيل المؤدب أخذه عنه.
وكذا فإن من شيوخ أبي إسماعيل: رشدين بن كريب، وقد روى عنه أبو إسماعيل جزءًا من حديث ابن عباس في قصة وافدة النساء، فلا يبعد أن يكون مرجع روايته إليه، فوهم في إسناده وجعله من حديث جابر.
ينظر رواية أبي إسماعيل في "المعجم الكبير" للطبراني (11/411)، وينظر: "المصنف" لعبد الرزاق الصنعاني (7/238).
3- أنَّ الحجاج بن دينار غير مشهور بالرواية عن محمد بن علي الباقر، وجل ما رواه عنه بضعة آثار موقوفة.
ولذا، فهذا السند الذي وقع فيه التفرد في سائر طبقاته حتى ابن أبي الدنيا، لا يمكن أن يكون صحيحًا، ومثل هذا يستنكره الأئمة، كما قال الحافظ الذهبي في "الموقظة" (ص: 77): "فإن كان المنفردُ مِن طبقة مشيخة الأئمة: أطلقوا النكارة على ما انفرد به".
والحاصل:
لم نقف على أحد ممن يعتد بقوله في هذا العلم صحَّح الحديث أو حسَّنه من الأئمة السابقين أو المتأخرين، وإنما حسَّنه بعض الباحثين المعاصرين اغترارًا بظاهر السند.
والسند الذي اعتمد عليه بعض الباحثين في تحسين الحديث سند غريب، لا يُعرف، ولذا أعرض عنه أصحاب السنن والمسانيد، فلم يُرْوَ في دواوين السنة المشهورة، وشواهده ضعيفة لا تقوى على تعضيده.
وكما قال ابن عبد الهادي في "تنقيح التحقيق" (2/326) عن حديثٍ آخر: " وكيف يكون هذا الحديث صحيحا سالماً من الشذوذ والعلة، ولم يخرجه أحد من أئمة الكتب الستة، ولا المسانيد المشهورة، وهم محتاجون إليه أشد حاجة".
ملاحظة:
قد سبق لنا تحسين هذا الحديث اغترارا بظاهر إسناده، كما وقع لبعض الباحثين، وهو غلط، كما بينا هنا. وينظر ما سبق رقم (185336).
والله أعلم
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة