ما الموقف الشرعي من روايات وأخبار بني اسرائيل
الموقف الشرعي من الإسرائيليات
السؤال: 448489
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولًا:
تعد قضية (الإسرائيليات) ومدخلها في تفسير القرآن الكريم من القضايا الجدلية التي تثار بين فترة وأخرى، وتطلق على: “ما نُقل عن بني إسرائيل في أخبار أقوامهم، والأمم السابقة لأمة محمد، والمبدأ، والمعاد”، انتهى من” الإسرائيليات في تفسير ابن جرير الطبري” (29).
وبالنظر إلى كتب التفسير نجد أنه لم يخل زمن من أزمنته من رواية ونقل لتلك الإسرائيليات، ولم يكن هذا النقل ليحصل إلا إن دل دليل من قبل الشرع على جوازه، وعدم التحريج على من فعله.
وقد ورد جواز التحديث عن بني إسرائيل في السنة النبوية:
فعن عبد الله بن عمرو، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمدًا، فليتبوأ مقعده من النار)البخاري(3461).
قال “ابن كثير”: “وإنما أباح الشارع الرواية عنهم في قوله: وحدثوا عن بني إسرائيل، ولا حرج فيما قد يجوزه العقل، فأما فيما تحيله العقول ويحكم عليه بالبطلان، ويغلب على الظنون كذبه، فليس من هذا القبيل، والله أعلم”، انتهى من”تفسير ابن كثير”(7/394).
وقد قال “الشافعي”: “أباح الحديث عن بني إسرائيل عن كل أحد، وأنه من سمع منهم شيئًا، جاز له أن يحدث به عن كل من سمعه منه، كائنًا من كان، وأن يخبر عنهم بما بلغه، لأنه والله أعلم ليس في الحديث عنهم ما يقدح في الشريعة، ولا يوجب فيها حكمًا، وقد كانت فيهم الأعاجيب؛ فهي التي يحدث بها عنهم؛ لا شيء من أمور الديانة”.
“التمهيد”، لابن عبد البر(1/43).
وقد قسم العلماء الموقف من أخبار بني إسرائيل إلى ثلاثة أقسام:
1- ما علمنا صحته بشهادة شرعنا له بالصدق.
وهذا القسم نستغني بما ورد في شريعتنا عنه، كقصة أصحاب أهل الكهف.
ونستفيد مما ورد عن أهل الكتاب في إيضاح المعنى، وتعضيده، ومعرفة شيء من تفاصيل مجمله، والاتعاظ به والاعتبار.
2- ما علمنا كذبه بما في شرعنا مما يخالفه، فهذا باطل مردود.
3- ما لم نعلم صدقه ولا كذبه، فهذا موقوف لا نصدقه ولا نكذبه، وتجوز حكايته والاعتبار به، ويصح الاستشهاد به والاعتضاد.
انظر: مجموع الفتاوى: (13/ 366)، “الاستدلال على المعاني في تفسير الطبري” (507 – 510)، “المفسرون من الصحابة” (2/881).
ثانيًا:
باستقراء تفاسير الصحابة رضي الله عنهم نجد أنَّهم اعتمدوا على الإسرائيليات، ومثلت حيِّزًا من تفاسيرهم، فقد بلغت الإسرائيليات قرابة العشر (10%) من تفسير ابن عباس، و(8%) من تفسير ابن مسعود، فهل يمكن أن يكون ثم تناقضٌ بين أقوالهم، وأفعالهم؟!
الذي نجزم به؛ أنَّ ذلك لا يكون من باب التناقض، بل إنَّ: “موقف الصحابة والتابعين رضي الله عنهم من الروايات الإسرائيلية، يشبه إلى حد كبير موقفهم من التفسير بالرأي، فكما جاء عن بعضهم نقد الإسرائيليات وذمُّها والتحذير منها، جاء عن آخرين روايتها وتفسير القرآن بها، وسؤال علماء أهل الكتاب عنها، وهذان الموقفان قد يردان عن شخص واحد، فيُنقل عنه نقد رواية الإسرائيليات، ويُنقل عنه التحديث بها.
وهذا التعدد في المواقف يشبه ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في إباحته التحديث عن بني إسرائيل، وما ورد عنه من النهي عن سؤالهم، ومعاتبة من تتبع الروايات الإسرائيلية.
وهذا التعدد في المواقف لا يعني التناقض البتة، بل ينبغي حمل كل موقف على حالة بعينها”.
انظر: “المفسرون من الصحابة” (2/881)، “نقد الصحابة والتابعين للتفسير”(264).
قال “المعلمي اليماني”: “قلت: لعلَّه رضي الله عنه إنما أراد نهي المسلمين عن سؤال مَن لم يَزَلْ على كفره من أهل الكتاب، بدليل قوله: (فوالله لا يسألكم أحد منهم عن الذي أنزل عليكم)، فإنهم هم الذين لا يسألون المسلمين، فأما مَن أسلم منهم فإنه يسألنا كما لا يخفى.
أو لعلَّه إنما نهى من لم يرسخ الإيمان والعلم في قلبه، خوفًا عليه من الضلال.
وأظهر من ذلك: أن يكون إنما نهى عن سؤالهم للاحتجاج في الدين بما يحكونه، فأما ما كان من قَبِيل الوقائع التاريخية التي تتعلق بما في القرآن، فلم يكن هو ولا غيره يرى في ذلك حرجًا، كيف وقد صحَّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: بلِّغوا عني ولو آية، وحدَّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومَن كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار، رواه البخاريُّ وغيره.
ومَن تَتَبَّع ما يُرْوَى عن ابن عبَّاسٍ وغيره من الصحابة رضي الله عنهم من التفسير، عَلِمَ صحَّة ما قلناه. وفي تفسير ابن جريرٍ عدَّة آثارٍ في سؤال ابن عبَّاسٍ كعبَ الأحبار عن أشياء من القرآن، وسؤاله غير كعبٍ من أحبار اليهود، والله أعلم”.
ونبَّه على أمرٍ مهم، وهو قوله: «كان الصحابة رضي الله عنهم في غنى تامّ بالنسبة إلى سنة نبيهم، إن احتاج أحدٌ منهم إلى شيء، رجع إلى إخوانه الذين صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم وجالسوه، وكان كعب أعقل من أن يأتيهم فيحدثهم عن نبيهم، فيقولوا: مَنْ أخبرك؟ فإن ذَكَرَ صحابيًّا سألوه فيَبِين الواقع، وإن لم يذكر أحدًا كذَّبوه ورفضوه.
إنما كان كعب يعرف الكتب القديمة، فكان يحدِّث عنها بآداب، وأشياء في الزهد والورع، أو بقصص وحكايات تناسب أشياء في القرآن أو السنة، فما وافق الحقَّ قبلوه، وما رأوه باطلًا قالوا: مِنْ أكاذيب أهل الكتاب، وما رأوه محتملًا، أخذوه على الاحتمال، كما أمرهم نبيهم صلى الله عليه وسلم.
ذلك كان فنَّ كعب وحديثُه. ولم يرو عنه أحد من الصحابة إلا ما كان من هذا القبيل”.
“آثار الشيخ العلامة المعلمي اليماني”: (12/ 145 – 146)، (2/ 384 – 385).
والله أعلم
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب