أحسن الله إليكم أصبحنا نرى في الآونة الأخيرة هلال الشهر في أول ليلته كبيرا نوعا ما فهل وقعت علامة انتفاخ الأهلة كما في الحديث او لا وما هو الضابط في معرفة ذلك لأني رأيت بعض من ينشر هذا الحديث ويقول وقعت العلامة فنصحته وقلت له من سبقك في هذا من اهل العلم فقال هذا الأمر ظاهر وبين والله المستعان واذا رئي في أول ليلة كبيرا هل يكون فطرنا اليوم الذي قبله خطأ؟
هل انتفاخ الأهلة من علامات الساعة؟
السؤال: 449638
ملخص الجواب
وردت عدة أحاديث تفيد أن انتفاخ الأهلة من علامات الساعة، ولكن أسانيدها ضعيفة ولا يصح منها شيء، ولا اعتبار في كبر الهلال وصغره في ثبوت الصوم وغيره من الأحكام، بل العبرة بالرؤية الشرعية للهلال.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
حديث انتفاخ الأهلة، قد ورد من طرق عدة:
الأول:
رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (10/ 198)، وابن عدي في "الكامل" (7 / 179)، والعقيلي في "الضعفاء" (2 / 351)، وورد في "فوائد تمام" (1 / 109)، من طريق: دُحَيْم، حدثنا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مِنِ اقْتِرَابِ السَّاعَةِ: انْتِفَاخُ الْأَهِلَّةِ.
وقال ابن عدي: " وعبد الرحمن بن يوسف ليس بمعروف، وهذا الحديث منكر عن الأعمش بهذا الإسناد، ولا أعرف لعبد الرحمن بن يوسف غيره." انتهى.
وقال العقيلي رحمه الله تعالى:
" عبد الرحمن بن يوسف، عن الأعمش: مجهول أيضا في النسب والرواية، حديثه غير محفوظ، ولا يعرف إلا به " انتهى.
وقال ابن الجوزي رحمه الله تعالى:
" هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " انتهى. "العلل المتناهية" (2 / 850 – 851).
الثاني:
رواه الطبراني في "الأوسط" (7 / 65)، و"مسند الشاميين" (4 / 297)، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَزْرَقُ الْأَنْطَاكِيُّ، حدثَنَا أَبِي، حدثَنَا مُبَشِّرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مِنِ اقْتَرَابِ السَّاعَةِ: انْتِفَاخُ الْأَهِلَّةِ، حَتَّى يُرَى الْهِلَالُ لَلَيْلَةٍ، فَيُقَالُ: هُوَ لِلَيْلَتَيْنِ .
ثم قال الطبراني في "الأوسط": " لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ إِلَّا شُعَيْبٌ، تَفَرَّدَ بِهِ: مُبَشِّرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ " انتهى.
ورواه في "المعجم الصغير" (2/ 115 – 116)، فقال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَزْرَقِ الْأَنْطَاكِيُّ، بِأَنْطَاكِيَةَ ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مُبَشِّرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ… فذكر الحديث.
والحديث في إسناده شيخ الطبراني ووالده وهما مجهولان.
قال الهيثمي رحمه الله تعالى: " ولم أجد من ترجمه " انتهى. "مجمع الزوائد" (3 / 146).
الثالث:
رواه الطبراني في "المعجم الصغير" (2 / 260 – 261)، قال: حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ خَالِدٍ الْمِصِّيصِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْكَبِيرِ بْنُ الْمُعَافَى بْنِ عِمْرَانَ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ ذَرِيحٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مِنِ اقْتِرَابِ السَّاعَةِ أَنْ يُرَى الْهِلَالُ قَبَلًا ، فَيُقَالُ لِلَيْلَتَيْنِ ، وَأَنْ تُتَّخَذَ الْمَسَاجِدَ طُرُقًا ، وَأَنْ يَظْهَرَ مَوْتُ الْفُجَاءَةِ .
ومعنى: (قبلا): أي واضحا بيّنا في أول ليلته.
قال ابن الأثير رحمه الله تعالى:
" أي يرى ساعةَ ما يطلع، لعِظَمه ووضوحه، من غير أن يُتطلَّب " انتهى. "النهاية في غريب الحديث" (4 / 8).
ثم قال الطبراني: " لَمْ يَرْوِهِ عَنِ الشَّعْبِيِّ إِلَّا الْعَبَّاسُ بْنُ ذَرِيحٍ ، وَلَا عَنْهُ إِلَّا شَرِيكٌ، تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ الْكَبِيرِ " انتهى.
وهذا الإسناد فيه:
شيخ الطبراني الْهَيْثَمُ بْنُ خَالِدٍ الْمِصِّيصِيُّ.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعلى:
" الهيثم بن خالد بن يزيد المصيصي، نزيل بغداد، مولى عثمان: ضعيف " انتهى. "تقريب التهذيب" (ص 577).
ورواه الضياء في "المختارة" (6 / 305): أَخْبَرَنَا شِهَابُ بْنُ مَحْمُودٍ الْحَاتِمِيُّ بِهَرَاةَ، أَنَّ عَبْدَ السَّلامِ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ أَخْبَرَهُمْ، أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مَسْعُودٍ الْفَارِسِيُّ، أخبرنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، قِيلَ لَهُ: حَدَّثَكُمْ يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ، حدثَنَا يُوسُفُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، حدثَنَا عَبْدُ الْكَبِيرِ بْنُ الْمُعَافَى، حدثَنَا شَرِيكٌ. فذكره.
قال الدارقطني رحمه الله تعالى:
" غريب من حديث الشعبي عنه، تفرد به العباس بن ذريح عنه، وتفرد به شريك عن العباس " انتهى. "أطراف الغرائب والأفراد" (2 / 129).
ورواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (21 / 363) من حديث شريك مرسلا غير متصل الإسناد، حيث قال: حدثنا وَكِيعٌ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ الْعَبَّاسِ بْنِ ذُرَيْحٍ، عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مِنَ اقْتِرَابِ السَّاعَةِ أَنْ يُرَى الْهِلَالُ قَبْلًا، فَيُقَالُ: ابْنُ لَيْلَتَيْنِ.
وكذا رواه علي بن الجعد في "المسند" (ص 348): عن شَرِيك، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ ذَرِيحٍ، عَنْ عَامِرٍ، رَفَعَهُ قَالَ: إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرَى الْهِلَالُ قَبَلًا، فَيُقَالُ هَذَا ابْنُ لَيْلَتَيْنِ، وَأَنْ يَمُرَّ الرَّجُلُ بِالْمَسْجِدِ فَلَا يُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، وَمَوْتُ الْفُجَاءَةِ.
وفي هذه الأسانيد شريك، وقد تُكلّم في ضبطه.
قال ابن أبي حاتم رحمه الله تعالى:
" سألت أبي عن شريك وأبي الأحوص أيهما أحب إليك؟ قال: شريك أحب إليّ، شريك صدوق، وهو أحب إليّ من أبي الأحوص، وقد كان له أغاليط.
… سألت أبا زرعة عن شريك؛ يحتج بحديثه؟ قال: كان كثيرَ الحديث، صاحب وهم، يغلط أحيانا " انتهى. "الجرح والتعديل" (4 / 367).
ورواه الداني في "السنن الواردة في الفتن" (4/ 791)، من طريق عاصم ابن بهدلة عن الشعبي مرسلا أيضا، قال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّبَعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ مَسْرُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ مِسْكِينٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنْجِرٍ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مِنْهَالٍ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ عَاصِمِ ابْنِ بَهْدَلَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( مِنِ اقْتِرَابِ السَّاعَةِ أَنْ يُرَى الْهِلَالُ ابْنُ لَيْلَةٍ كَأَنَّهُ ابْنُ لَيْلَتَيْنِ ).
وأيضا في (4 / 793)، قال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَرِيرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْرُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ مَوْتُ الْفَجْأَةِ ، وَأَنْ يُرَى الْهِلَالُ ابْنُ لَيْلَةٍ كَأَنَّهُ ابْنُ لَيْلَتَيْنِ.
وفي إسنادهما شيخ الداني علي بن محمد الربعي الحريري، ولم نقف على من وثقه.
الرابع:
رواه ابن الأعرابي في "المعجم" (3 / 933)، قال: حَدَّثَنَا أَبُو رِفَاعَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: مِنَ اقْتِرَابِ السَّاعَةِ انْتِفَاخُ الْأَهِلَّةِ، يَرَاهُ الرَّجُلُ لِلَيْلَةٍ يَحْسِبُهُ لِلَيْلَتَيْنِ.
وفي إسناده أبو حذيفة: وهو موسى بن مسعود النهدي، قد تُكلّم في ضبطه.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
" موسى بن مسعود أبو حذيفة النهدي، صدوق مشهور من مشيخة البخاري، تكلّم فيه أحمد وليّنه، حتى إن الترمذي ضعّفه، وقال ابن خزيمة: لا أحدث عنه. وقال أبو حفص الفلاس: لا يَروي عنه من يُبصر الحديث. وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالقوي عندهم " انتهى. "المغني" (2 / 687).
ولخّص حاله الحافظ ابن حجر بقوله:
" موسى بن مسعود النَّهدي، أبو حذيفة البصري: صدوق، سيء الحفظ، وكان يصحّف " انتهى. "تقريب التهذيب" (ص 554).
وقد تابعه أبو أسامة عن سفيان، كما في "فوائد ابن أخي ميمي الدقاق" (ص71)، قال: حدثنا عبدُاللهِ، قالَ: حدثنا عثمانُ، قالَ: حدثنا أبو أسامةَ، قالَ: حَدَّثَنَا سفيانُ الثوريُّ، عَنْ عَمرو بنِ قيسٍ، عَنْ عثمانَ بنِ الحارثِ، عَنْ أَبِي الودَّاكِ، عَنْ أَبِي سعيدٍ الخُدريِّ قالَ: ( مِن اقترابِ الساعةِ انتفاخُ الأَهِلَّةِ ).
لكن قد خالفه وكيع؛ فرواه عن سفيان من كلام أَبِي الودَّاكِ، كما عند ابن أبي شيبة في "المصنف" (21 / 363): وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ، قَالَ: مِنَ اقْتِرَابِ السَّاعَةِ انْتِفَاخُ الْأَهِلَّةُ .
ففي هذه الطريق اضطراب على سفيان، ووكيع من أوثق الرواة عن سفيان.
الخامس:
رواه البخاري في "التاريخ الكبير" (5 / 608) ، قال: قالَ ابنُ عَبادةَ: حدثنا يَعقوبُ، حدثنا محمدُ بنُ مَعْنٍ، عنْ عَمِّهِ، عن طَلْحَةَ بْن أَبِي حَدْرَدٍ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: أَشْرَاطُ السَّاعَةِ أَنْ تَرَوُا الهِلَالَ، يَقُولُونَ: لِلَيْلَتَيْنِ .
وهذا إسناد لا يصح.
ففيه يعقوب، والذي يروي عنه ابن عبادة هو: يعقوب بن محمد الزهري، وقد ضُعّف. ولخّص حاله الذهبي رحمه الله تعالى بقوله:
" ويعقوب ابن محمد منكر الحديث " انتهى. "المغني" (2 / 757).
وقال الشيخ الألباني: هو ابن كاسب.
وابن كاسب أيضا متكلم في ضبطه.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
" كان من علماء الحديث، لكنه له مناكير وغرائب " انتهى. "ميزان الاعتدال" (4 / 451).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" يعقوب بن حميد بن كاسب المدني، نزيل مكة، وقد ينسب لجده: صدوق ربما وهم " انتهى. "تقريب التهذيب" (ص 607).
وطلحة بن أبي حدرد مختلف في صحبته، ولم يقم دليل عليها.
وفي هذا الإسناد – أيضا – مجاهيل، كما قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى:
" وهذا إسناد مجهول، أورده البخاري في ترجمة طلحة بن أبي حدرد، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وكذلك صنع ابن أبي حاتم (2 / 1 / 472)، وأما ابن حبان فذكره في "الثقات" (4 / 394).
وعم محمد بن معن لم أعرفه… " انتهى. "السلسلة الصحيحة" (5 / 368).
وقد أورده الشوكاني في كتابه "الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة" (ص 460).
السادس:
رواه الداني من مرسل الحسن، حيث قال في "السنن الواردة في الفتن" (4 / 792 – 793): حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْرُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الطُّوسِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بِمَكَّةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغِ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ مِهْرَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرَى الْهِلَالُ لَلَيْلَةٍ فَيُقَالُ هُوَ لِلَيْلَتَيْنِ.
فمع كونه مرسلا غير متصل الإسناد ففيه: علي بن محمد، ومحمد بن الحسين لم نقف على توثيق لهما.
وداود الذي يروي عنه محمد بن إسماعيل الصائغ: هو ابن المحبر، وهو متروك الحديث.
فالحاصل؛ أن هذا الحديث ليس له إسناد صحيح يعتمد عليه في اثبات هذه العلامة.
ثانيا:
إضافة لما سبق من ضعف أسانيد هذا الحديث، فإن جعل (انتفاخ الأهلة ورؤية الهلال في أول ليلة كأنه ابن ليلتين) من علامات الساعة محل نظر، فإن هذا أمر يكثر حدوثه ووقوعه من قديم الزمان؛ فأحيانا يولد الهلال ويغيب قبل غروب الشمس، فلا يتمكن الناس من رؤيته فيكملوا عدة الشهر ثلاثين، ثم يرونه في الليلة التالية وهي أول ليلة من الشهر، ويكون له ليلتان من ولادته ويكون ظاهرا كبيرا بيّنا لكل ناظر.
ثم مثل هذا الانتفاخ وهو: ( أَنْ يُرَى الْهِلَالُ ابْنُ لَيْلَةٍ كَأَنَّهُ ابْنُ لَيْلَتَيْنِ )، الفرق بينهما طفيف، فقد يقع الوهم فيه من الناظرين، ومازال الناس يختلفون في تقدير مقدار الهلال.
ومن ذلك ما رواه الإمام مسلم (1088) عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ. قَالَ: خَرَجْنَا لِلْعُمْرَةِ. فَلَمَّا نَزَلْنَا بِبَطْنِ نَخْلَةَ قَالَ: تَرَاءَيْنَا الْهِلَالَ. فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: هُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ. وَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: هُوَ ابْنُ لَيْلَتَيْنِ. قَالَ: فَلَقِينَا ابْنَ عَبَّاسٍ. فَقُلْنَا: إِنَّا رَأَيْنَا الْهِلَالَ. فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: هُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ. وَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: هُوَ ابْنُ لَيْلَتَيْنِ. فَقَالَ: أَيَّ لَيْلَةٍ رَأَيْتُمُوهُ؟ قَالَ فَقُلْنَا: لَيْلَةَ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ مَدَّهُ لِلرُّؤْيَةِ. فَهُوَ لِلَيلةِ رأيتموه .
وبوّب عليه النووي بقوله: " باب: بيان أنه لا اعتبار بكبر الهلال وصغره " انتهى. "شرح صحيح مسلم" (7 / 198).
وروى الدارقطني في "السنن" (3 / 121) عَنْ شَقِيقٍ، قَالَ: جَاءَنَا كِتَابُ عُمَرَ وَنَحْنُ بِخَانِقِينَ، قَالَ فِي كِتَابِهِ: ( إِنَّ الْأَهِلَّةَ بَعْضُهَا أَكْبَرُ مِنْ بَعْضٍ، فَإِذَا رَأَيْتُمُ الْهِلَالَ نَهَارًا فَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى يَشْهَدَ شَاهِدَانِ ).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" -رواه – الدارقطني، والبيهقي، بإسناد صحيح…
وأخرجه ابن أبي شيبة، وسعيد بن منصور، وعبد الرزاق من رواية الأعمش، عن شقيق " انتهى. "التلخيص الحبير" (3 / 1470).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" قال إسحاق: " قد صح عن عمر أن الأهلة بعضها أعظم من بعض ظهورا, فإذا أصبحتم صياما؛ فما لم يشهد مسلمان أنهما أهلاَّه بالأمس عشيا: فلا تفطروا ".
فهذا الحق إن شاء الله، وهو الذي نعتمد عليه، وهو أكثر في الروايات.
فهذه الآثار في آخر الشهر، ولأن صوم يوم الثلاثين قد دخلوا فيه، والهلال يجوز أن يكون هلال الليلة التي قبله وهلال الليلة التي بعده؛ فلا يجوز الفطر مع الشك. . . .
ووجه الأول: ما علل به عمر رضي الله عنه من قوله: ( إن الأهلة بعضها أعظم من بعض )… " انتهى. "شرح العمدة – كتاب الصيام" (1 / 125).
وهذا الأمر إن لم يثر إشكالا حول متن الحديث – على القول بصحته -؛ فإنه يدعو إلى التريث في إسقاط هذه العلامة على كل ما يراه الإنسان من هلال يظنه منتفخا، بل على المسلم التأني وعدم الاستعجال، واتباع أهل العلم في هذا الباب، وعدم التقدم بين أيديهم في اسقاط علامات الساعة على وقائع الحياة، ونشر ذلك بين الناس.
وللفائدة تحسن مطالعة كتاب "معالم ومنارات في تنزيل نصوص الفتن والملاحم وأشراط الساعة على الوقائع والأحداث" وهو متوفر على الرابط الآتي.
ثالثا:
لم يعول الفقهاء على كبر الهلال وصغره في شيء من الأحكام.
وأصل ذلك كتاب عمر بن الخطاب رضي الله عنه، السابق ذكره؛ أن بعض الأهلة أكبر من بعض، فلا ينبغي الاشتغال بمثل ذلك، ولا جعله علامة صوم ولا فطر. وهذا ثابت عن عمر رضي الله عنه.
قال محمد بن ماهان: " وسئل أحمد -وأنا أسمع- عمن رأى الهلال قبل الزوال: أيفطر؟
قال: لا يفطر، إذا رأى قبل الزوال أو بعد الزوال، على حديث عمر ابن الخطاب: إذا رأيتم الهلال نهارًا فلا تفطروا". انتهى، من الجامع لعلوم الإمام أحمد – الفقه (7/ 357).
وينظر للفائدة: "المغني" (4/431) ط التركي.
وقال ابن العربي: "إذا رأى أحد الهلال كبيرا: قال علماؤنا: لا يعول على كِبَره ولا على صغره، وإنما هو من ليلته". أحكام القرآن (1/ 141)
وقال الشوكاني في "الفتح الرباني" (6/3003):
"لا اعتبار بكبر الهلال وصغره، وارتفاعه وانخفاضه، وهذا مجمع عليه [عند] علماء الإسلام، لا يختلفون فيه".
وقال الشيخ عبيد الله المباركفوري: "لا اعتبار بكبر الهلال وصغره، وإنما العبرة بالرؤية، أو بإكمال العدة ثلاثين". «مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (6/ 453).
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم في الفتاوى (4/ 173): " وفي معنى هذا جملة أحاديث تبين أنه لا اعتبار للحساب، ولا لضعف منازل القمر، ولكبر الأهلة وصغرها، وإنما الاعتبار الشرعي بالرؤية الشرعية". انتهى
ولذا، فإذا لم يثبت دخول الشهر بالرؤية، ثم رأيناه كبيرا: فليس لأحد أن يشغل الناس بمثل ذلك، ولا أن يشكك في فطر اليوم الذي قبله، بمجرد ما بدا له من "كبر الهلال".
قال الشيخ ابن عثيمين: "والقول بالشك هنا غير وارد إطلاقاً؛ لأن الأمر واضح، حتى لو فرض أننا لم نره ليلة الثلاثين من ذي الحجة ثم رأينا الهلال كبيراً رفيعاً، فلا حاجة للشك، ولا ينبغي أن نشك؛ لأن لدينا طريقاً شرعياً: (إن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين).
وإدخال الشكوك على النفوس مما يوجب القلق"انتهى، من فتاوى نور على الدرب للعثيمين (11/ 2 بترقيم الشاملة آليا).
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب