بنتي التي عمرها 14 سنة لا تستطيع الصيام؛ لأنها مصابة بمرض السكري، فهل يجب عليَّ إخراج كفارة عنها؟ أقصد هل هذه الكفارة جزء من النفقة الواجبة عليّ بوصفي أبوها؟ وإذا لم تكن كذلك فهل تعد ديْنا عليها إلى أن يكون لديها مالها الخاص؟
هل تدخل الفدية والكفارة في النفقة على الأبناء أو الزوجة؟
السؤال: 453668
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
إذا كانت الفتاة بالغة ولا تستطيع الصوم لمرض، فإن كان يرجى برؤه، لزمها القضاء إذا برَأَت؛ لقوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) البقرة/183- 184.
وإن كان مرضها لا يرجى برؤه، لزمها الفدية؛ لقوله تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) البقرة/184.
روى البخاري (4505) عن ابْنُ عَبَّاسٍ قال: “لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ، هُوَ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْمَرْأَةُ الْكَبِيرَةُ لَا يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا؛ فَيُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا”.
وقال البخاري رحمه الله في صحيحه: ” بَاب قَوْلِهِ: (أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) …
وَأَمَّا الشَّيْخُ الْكَبِيرُ إِذَا لَمْ يُطِقْ الصِّيَامَ، فَقَدْ أَطْعَمَ أَنَسٌ بَعْدَ مَا كَبِرَ، عَامًا أَوْ عَامَيْنِ، كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا، خُبْزًا وَلَحْمًا، وَأَفْطَرَ”.
واختلف الفقهاء في القدر الواجب من الطعام، والمفتى به عندنا: أنه نصف صاع عن كل يوم، وذلك يعادل كيلو ونصف الكيلو تقريبا، فيجزئ عن الشهر إخراج 45 كيلو من الأرز، يجوز إعطاؤها لمسكين واحد أو لعدة مساكين، كما يجزئ أن يصنع طعاما، أو يخرج ثلاثين وجبة من الطعام، كما فعل أنس رضي الله عنه.
جاء في “فتاوى اللجنة الدائمة” (10/198): ” ومتى قرر الأطباء أن هذا المرض الذي تشكو منه، ولا تستطيع معه الصوم: لا يرجى شفاؤه، فإن عليك أن تطعم عن كل يوم مسكينًا نصف صاع من قوت البلد، من تمر أو غيره، عن الشهور الماضية والمستقبلة، وإذا عشيتَ مسكينًا، أو غديته بعدد الأيام التي عليك: كفى ذلك، أما النقود فلا يجزئ إخراجها ” انتهى.
ثانيا:
تلزم الفدية في مال الفتاة إن كان لها مال، فإن تبرع والدها أو غيره بإخراجها عنها بعلمها: جاز.
فإن لم يكن لها مال، ولم يتبرع أحد بإخراجها عنها:
فمن الفقهاء من قال: إنها تبقى دينا في ذمتها.
قال في “كشاف القناع” (2/310): “(ولا يسقط الإطعام) عن العاجز عن الصوم لكبر أو مرض يرجى برؤه (بالعجز) عنه كفدية الحج، فمتى قدر عليه أطعم”.
وقال في (2/ 313): “(ولا يسقط الإطعام [أي عن الحامل والمرضع] بالعجز)؛ كالدين، (وكذا) الإطعام (عن الكبير، و) المريض (الميئوس) منه. وتقدم” انتهى.
وقال الخطيب الشربيني في “مغني المحتاج” (2/174): “وقضية إطلاق المصنف [أي النووي] أنه لا فرق في وجوب الفدية بين الغني والفقير، وفائدته استقرارها في ذمة الفقير، وهو الأصح على ما يقتضيه كلام الروضة وأصلها، وجرى عليه ابن المقري.
وقول المجموع: ينبغي أن يكون الأصح هنا عكسه، كالفطرة؛ لأنه عاجز حال التكليف بالفدية، وليس في مقابلة جناية ونحوها= تبع فيه القاضي، وهو مردود بأن حق الله تعالى المالي إذا عجز عنه العبد وقت الوجوب، يثبت في ذمته، وإن لم يكن على وجه البدل، إذا كان بسبب منه؛ وهو هنا كذلك، إذ سببه فطره، بخلاف زكاة الفطر” انتهى.
ومن أهل العلم من قال: إذا لم يستطع الفدية، سقطت عنه.
قال ابن قدامة رحمه الله في “المغني” (3/151): “والشيخ الهرم له ذمة صحيحة، فإن كان عاجزا عن الإطعام أيضا فلا شيء عليه، و لا يكلف الله نفسا إلا وسعها [البقرة: 286] ” انتهى.
وقال ابن بهاء البغدادي الحنبلي في “فتح الملك العزيز” (3/346): “فإن كان عاجزًا عن الإطعام: فلا شيء عليه، ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، والمريض الذي لا يرجى برؤه حكمه حكم الشيخ فيما ذكرنا”.
وقال الطحطاوي الحنفي في “حاشيته على مراقي الفلاح” ص: 66 : “فإن لم يقدر من تجوز له الفدية على الفدية، لعسرته: يستغفر الله سبحانه، ويستقيله، أي يطلب منه العفو عن تقصيره في حقه” انتهى.
وهذا القول، هو اختيار الشيخ ابن عثيمين، رحمه الله. قال: ” إذا أعسر المريض الذي لا يرجى برؤه أو الكبير، فإنها تسقط عنهما الكفارة؛ لأنه لا واجب مع العجز، والإطعام هنا ليس له بدل”. انتهى، من “الشرح الممتع” (6/340).
وفي التعليق على قول صاحب “الفروع”: ” ولا يسقط الإطعام بالعجز ، ذكره في المستوعب ، وهو ظاهر كلام أحمد، واختاره صاحب المحرَّر كالدين، وذكر ابن عقيل، والشيخ: يسقط”. انتهى.
قال الشيخ ابن عثيمين، رحمه الله: ” قوله: والشيخ هو: ابن قدامة رحمه الله، وهذا القول هو الصحيح بلا شك، فإذا عجز عن الإطعام سقط، فكل الواجبات إذا عجز عنها الإنسان سقطت، فإن كان لها بدل أتى ببدلها، وإن لم يكن لها بدل سقطت، والمؤلف رحمه الله في قوله: ولايسقط الإطعام بالعجز قاس ذلك على الدَّين، وهذا القياس غير صحيح؛ لأن الدين حق لآدمي، وحق الآدمي لا يسقط بالعجز عنه، وأما الكفارة فهي حق لله عز وجل، وقد عفا عنها سبحانه فقال: لايكلف الله نفساً إلا وسعها [البقرة: 286] ، وهذا لا يستطيع فيكون غير مكلف بها”. انتهى، من “التعليق على حقيقة الصيام، ومسائل مختارة من الفروع” (118).
ثالثا:
لا يلزم الأب أو غيره إخراج الكفارة عن بنته أو أمه أو زوجته؛ لأن الكفارة ليست من جنس النفقات، فلا تجب عمن تجب نفقته، بل تجب على صاحبها؛ لأنها عبادة متعلقة به.
سئل الشيخ ابن عثيمين سؤال: أدرك جدتي رمضان وهي لا تقدر على الصوم، وأبي كان يتساهل في هذا الأمر من ناحية إطعام يوم محل هذا الفطر الذي تفطر أمه، وتوفيت جدتي، فماذا يجب عليه الآن؟ وهل لو أخرجت أنا الإطعام عنه يسقط عنه هذا الإثم؟
فأجاب: الإطعام ليس على أبيك؛ إذ لا يلزم الزوج أن يطعم عن صيام زوجته، ولا أمه أيضا، ولا كفارتها، مسائل العبادات تجب على كل إنسان بنفسه، ليست من جنس النفقات، النفقات صحيح أنها تجب على من تجب عليه النفقة حسب الشروط المعروفة عند العلماء، لكن الواجب الذي يتعلق بالعبادة على نفس المكلف.
على كل حال؛ إذا أحب الآن هو أو أحد إخوته أن يطعم عنها عن كل يوم مسكينًا، فهذا جيد” انتهى من “لقاء الباب المفتوح” (150/ 14).
والحاصل: أنه لا يلزمك إخراج الفدية عن ابنتك.
ونسأل الله أن يشفيها ويعافيها.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب