تنزيل
0 / 0
4,54224/05/2023

ما حكم رفع الصوت بجوار قبر النبي صلى الله عليه وسلم؟

السؤال: 457772

ما حكم رفع الصوت بجوار قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذا ما يحصل من رجال أمن الحرمين أحيانا عند تنظيم الزوار؟

ملخص الجواب

ينبغي على رجل الأمن الذي ينظم مرور الناس عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم خفض صوته؛ فهذا من تمام الأدب، وفيه مراعاة لحُرمة المسجد، فإن احتاج إلى رفع صوته لمصلحةٍ راعى أن يكون ذلك بأدبٍ ورفق.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا:

أمر الله تعالى عباده بالتأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيره، قال تعالى: (لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ‌وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) الفتح/9. 

ومن مظاهر توقير النبي صلى الله عليه وسلم عدم رفع الصوت فوق صوته ، فقد  نهى الله عن ذلك وجعله محبطاً للعمل، قال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا ‌تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ )الحجرات/2.

ثانيا:

رفع الصوت عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم أقل أحواله الكراهة؛ لأن حرمة النبي صلى الله عليه وسلم ميتا، كحرمته حيا، صلى الله عليه وسلم.

قال ابن كثير رحمه الله تعالى: ” فقد نهى الله عز وجل عن رفع الأصوات  بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، …

وقال العلماء: يكره رفع الصوت عند قبره، كما كان يكره في حياته؛ لأنه محترم حيا وفي قبره، صلوات الله وسلامه عليه ” انتهى من “تفسير ابن كثير” (7/ 367–368).

وقال ابن عطية في تفسيره (5/145): ” وكره العلماء رفع الصوت عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم. وبحضرة العالم وفي المساجد” انتهى.

وروى البخاري (470) عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: ” كُنْتُ قَائِمًا فِي المَسْجِدِ فَحَصَبَنِي رَجُلٌ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ، فَقَالَ: اذْهَبْ فَأْتِنِي بِهَذَيْنِ، فَجِئْتُهُ بِهِمَا، قَالَ: مِنْ أَيْنَ أَنْتُمَا؟

قَالاَ: مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ.

قَالَ: “لَوْ كُنْتُمَا مِنْ أَهْلِ البَلَدِ لَأَوْجَعْتُكُمَا، تَرْفَعَانِ أَصْوَاتَكُمَا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ”.

قال ابن رجب رحمه الله: ” إنما فرق عمر بين أهل المدينة وغيرها في هذا؛ لأن أهل المدينة لا يخفى عليهم حرمة مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتعظيمه، بخلاف من لم يكن من أهلها؛ فإنه قد يخفى عليه مثل هذا القدر من احترام المسجد، فعفى عنه بجهله” انتهى من “فتح الباري” (3/395).

وقال الأمين الشنقيطي رحمه الله: ” ومعلوم أن حرمة النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته، كحرمته في أيام حياته.

وبه تعلم: أن ما جرت به العادة اليوم من اجتماع الناس قرب قبره صلى الله عليه وسلم وهم في صخب ولغط، وأصواتهم مرتفعة ارتفاعا مزعجا؛ كله لا يجوز، ولا يليق، وإقرارهم عليه من المنكر.

وقد شدد عمر رضي الله عنه النكير على رجلين رفعا أصواتهما في مسجده صلى الله عليه وسلم” انتهى من “أضواء البيان” (7/403).

وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: ” وأما ما يفعله بعض الزوار من رفع الصوت عند قبره صلى الله عليه وسلم، وطول القيام هناك فهو خلاف المشروع؛ لأن الله سبحانه نهى الأمة عن رفع أصواتهم فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم، وعن الجهر له بالقول كجهر بعضهم لبعض، وحثهم على غض الصوت عنده … ولأن طول القيام عند قبره صلى الله عليه وسلم، والإكثار من تكرار السلام يفضي إلى الزحام وكثرة الضجيج وارتفاع الأصوات عند قبره صلى الله عليه وسلم، وذلك يخالف ما شرعه الله للمسلمين في هذه الآيات المحكمات، وهو صلى الله عليه وسلم محترم حيا وميتا، فلا ينبغي للمؤمن أن يفعل عند قبره ما يخالف الأدب الشرعي” انتهى من “مجموع فتاوى ابن باز” (16/108).

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: “من تمام الأدب: ألا يرفع الإنسان صوته عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم” انتهى من “لقاء الباب المفتوح” (110/15).

ثالثا:

يستثنى مما سبق رفع الصوت للحاجة والمصلحة المعتبرة؛ لأن القاعدة عند العلماء أن الكراهة تزول بالحاجة.

فكل رفع للصوت، لا مصلحة فيه شرعا: فهو منهي عنه، وكل رفع للصوت بسبب الحاجة أو المصلحة: فهو مباح.

وذلك أن بعض الصحابة رفعوا أصواتهم ليسمعهم النبي صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر، فعن أنس رضي الله عنه قال:” كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة، فقام إليه الناس فصاحوا، وقالوا: يا نبي الله! ‌قُحِط ‌المطر، ‌واحمر ‌الشجر، وهلكت البهائم” مسلم (897)؛ وأقرهم النبي صلى الله عليه وسلم، ودعا لهم.

قال ابن رجب رحمه الله تعالى:

” ورفع الأصوات في المسجد على وجهين:

أحدهما: أن يكون بذكر الله وقراءة القرآن والمواعظ وتعليم العلم وتعليمه، فما كان من ذلك لحاجة عموم أهل المسجد إليه، مثل الأذان والإقامة وقراءة الإمام في الصلوات التي يجهر فيها بالقراءة، فهذا كله حسن مأمور به.

وقد كان النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا خطب علا صوته واشتد غضبه كأنه منذر جيش يقول: ( ‌صَبَّحَكُمْ ‌وَمَسَّاكُمْ ) .

وكان إذا قرأ في الصلاة بالناس تُسْمَع قراءتُه خارج المسجد، وكان بلال يؤذن بين يديه، ويقيم في يوم الجمعة في المسجد…

وما لا حاجة إلى الجهر فيه، فإن كان فيه أذى لغيره ممن يشتغل بالطاعات، كمن يصلي لنفسه ويجهر بقراءته، حتى يغلط من يقرأ إلى جانبه … فإنه منهي عنه.

وقد خرج النبي صلّى الله عليه وسلّم ليلة على أصحابه وهم يصلون في المسجد ويجهرون بالقراءة، فقال: (‌ كُلَّكُمْ ‌يُنَاجِي ‌رَبَّهُ، فَلَا ‌يَجْهَرْ ‌بَعْضُكُمْ ‌عَلَى ‌بَعْضٍ بِالْقُرْآنِ ).

وفي رواية: ( فَلَا ‌يُؤْذِ ‌بَعْضكُم ‌بَعْضًا، وَلَا ‌يَرْفَعْ ‌بَعْضُكُمْ ‌عَلَى ‌بَعْضٍ فِي الْقِرَاءَةِ ) خرجه الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي من حديث أبي سعيد.

وكذلك رفع الصوت بالعلم ، زائدا على الحاجة : مكروه عند أكثر العلماء…

الوجه الثاني: رفع الصوت بالاختصام ونحوه من أمور الدنيا، فهذا هو الذي نهى عنه عمر وغيره من الصحابة. ويشبه: إنشاد الضالة في المسجد، وفي صحيح مسلم عن النبي صلّى الله عليه وسلّم كراهته والزجر عنه، من رواية أبي هريرة وبريدة.

وأشد منه كراهة: رفع الصوت بالخصام بالباطل في أمور الدين؛ فإن الله ذم الجدال في الله بغير علم، والجدال بالباطل، فإذا وقع ذلك في المسجد ورفعت الأصوات به تضاعف قبحه وتحريمه …” انتهى من “فتح الباري لابن رجب” (3/ 397-399).

وعلى ذلك؛ فالذي ينبغي على رجل الأمن الذي ينظم مرور الناس عند قبره صلى الله عليه وسلم أن يغض صوته، وألا يرفعه؛ تأدبا معه صلى الله عليه وسلم، ومراعاة لحرمة المسجد، ومنعا للتشويش على المصلين كذلك.

فإن احتاج إلى رفع صوته لأجل تنظيم حركة الزائرين، وتسهيل مرورهم، والنهي عن البدع التي قد تقع عنده، ولم يجد مندوحة عن ذلك، فلا حرج عليه إن شاء الله، فهو من جنس الوجه الأول الذي ذكره ابن رجب.

لكن على جميع العاملين في المسجد النبوي سواء كان مدنياً أو رجل أمن أن يحرص على أن يكون رفع صوته بأحسن ما يليق بالمقام.

وينبغي أن يكون قدوة حسنة في امتثال تمام الأدب في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ليعكس الصورة الحقيقية لأهل بلاد الحرمين الذين ينظر إليهم الزوار والمسلمون حول العالم بأنهم امتداد لأحفاد الصحابة، وهذا يجعلهم في مقام القدوة، وإن كل مسلم وزائر مخاطب بهذا الأدب.

والله أعلم.

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android
at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android