0 / 0

هل كل العرب من ذرية إسماعيل عليه السلام؟

السؤال: 458860

حولَ كون إسماعيل والد العرب وأيضا عدنان؟ هل يعني ذلك أنَّ كل عربي من ذُريّة إسماعيل، والعديد من القبائل من عدنان؟ لا أفهم كيف من المفترض أن يعمل ذلك على أنَّ كلَّ عربي من ذُريّته. ألم يكن هناك أقوامٌ في الجزيرة العربية وإسماعيل أنجبَ ذريّةً مثل آدم؟ هل المصادر تقول هذا من القرآن أو الحديث؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

يتفق علماء الأنساب، على أن كل العرب الذي كانوا زمن مجيء الإسلام، يرجعون إلى فرعين: عدنان، وقحطان، مع اختلافهم في قضاعة، هل هي من عدنان أم من قحطان.

قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى:

” لا خلاف بَين أهل العلم بالنّسب أن العرب كلهَا بجمعها جِذمان -والجذم: الأصل-.

فأحدهما: عدنان.

والآخر: قحطان.

فإلى هذين الجذمين ينتهي كل عربي فِي الأرض، ولا يخلو أحد من العرب من أَن ينتمي إلى أحدهما، ولا بد أَن يقال عدناني أَو قحطاني ” انتهى. “الإنباه على قبائل الرواة” (ص30).

وقال ابن حزم رحمه الله تعالى:

” وأما قضاعة فمختلف فيه: فقوم يقولون: هو قضاعة بن معد بن عدنان، وقوم يقولون: هو قضاعة بن مالك بن حمير؛ فالله أعلم ” انتهى. “جمهرة أنساب العرب” (ص8).

ثم اتفقوا على أن عدنان من ولد إسماعيل عليه السلام.

قال ابن حزم رحمه الله تعالى:

” جميع العرب يرجعون إلى ولد ثلاثة رجال: وهم عدنان، وقحطان، وقضاعة.

فعدنان من ولد إسماعيل بلا شك فى ذلك، إلاّ أنّ تسمية الآباء بينه وبين إسماعيل قد جهلت جملة. وتكلم فى ذلك قوم بما لا يصحّ؛ فلم نتعرض لذكر ما لا يقين فيه؛ وأمّا كلّ من تناسل من ولد إسماعيل عليه السلام فقد غبروا ودثروا، ولا يعرف أحد منهم على أديم الأرض أصلا، حاشا ما ذكرنا من أنّ بنى عدنان من ولده فقط ” انتهى. “جمهرة أنساب العرب” (ص7).

لكن اختلفوا في قحطان.

قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى:

” الإختلاف فيما بين عدنان وإسماعيل، صلوات الله عليه، من عدد الآباء، كثير جدا نذكر منه في كتابنا هذا ما يقف به النّاظر فيه على البغية منه، وحسبه أن يعلم أنه لا خلاف بين جماعة أهل العلم بالنّسب وأيّام العرب: أن عدنان من ولد إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، وإنّما اختلفوا في قحطان… ” انتهى. “الإنباه على قبائل الرواة” (ص17).

فمنهم من يرى أنه ليس من ولد إسماعيل عليه السلام، ومما استدلوا به ما رواه الإمام أحمد في “المسند” (43 / 307) عَنْ عَائِشَةَ: ( أَنَّهُ كَانَ عَلَيْهَا رَقَبَةٌ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، فَجَاءَ سَبْيٌ مِنَ الْيَمَنِ مِنْ خَوْلَانَ، فَأَرَادَتْ أَنْ تَعْتِقَ مِنْهُمْ، فَنَهَانِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ جَاءَ سَبْيٌ مِنْ مُضَرَ مِنْ بَنِي الْعَنْبَرِ، فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ تَعْتِقَ مِنْهُمْ ).

وروى البخاري (2543) ومسلم (2525) عن جَرِير، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ القَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: مَا زِلْتُ أُحِبُّ بَنِي تَمِيمٍ مُنْذُ ثَلاَثٍ، سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِيهِمْ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ: ( هُمْ أَشَدُّ أُمَّتِي عَلَى الدَّجَّالِ، قَالَ: وَجَاءَتْ صَدَقَاتُهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذِهِ صَدَقَاتُ قَوْمِنَا، وَكَانَتْ سَبِيَّةٌ مِنْهُمْ عِنْدَ عَائِشَةَ، فَقَالَ: أَعْتِقِيهَا فَإِنَّهَا مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ).

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

” قوله: ( وَكَانَتْ سَبِيَّةٌ مِنْهُمْ عِنْدَ عَائِشَةَ )، أي: من بني تميم. والمراد بطن منهم أيضا.

وقد وقع عند الإسماعيلي من طريق أبي معمر عن جرير: ( وكانت على عائشة نسمة من بني إسماعيل، فقدم سبي خولان، فقالت عائشة: يا رسول الله! أبتاع منهم؟ قال: لا. فلما قدم سبي بني العنبر، قال: ابتاعي فإنهم ولد إسماعيل )…

وفيه الرد على من نسب جميع اليمن إلى بني إسماعيل، لتفرقته صلى الله عليه وسلم بين خولان وهم من اليمن، وبين بني العنبر وهم من مُضر ” انتهى من “فتح الباري” (5/ 172 – 173).

وقال ابن حزم رحمه الله تعالى:

” وأما قحطان، فمختلف فيه من ولد من هو؟ فقوم قالوا: هو من ولد إسماعيل عليه السلام. وهذا باطل بلا شك، إذ لو كانوا من ولد إسماعيل، لما خص رسول الله صلى الله عليه وسلم بنى العنبر بن عمرو بن تميم بن مرّ بن أدّ بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معدّ بن عدنان بأن تعتق منهم عائشة، إذ كان عليها نذر عتق رقبة من بنى إسماعيل. فصحّ بهذا أنّ في العرب من ليس من ولد إسماعيل. وإذ بنو العنبر من ولد إسماعيل، فآباؤه بلا شك من ولد إسماعيل؛ فلم يبق إلاّ قحطان وقضاعة ” انتهى من “جمهرة أنساب العرب” (ص7).

وبعضهم يرجعه إلى نسل إسماعيل عليه السلام، ومما احتجوا به ما رواه البخاري (3507) عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ رضي الله عنه قَالَ: ( خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَسْلَمَ يَتَنَاضَلُونَ بِالسُّوقِ فَقَالَ ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا، وَأَنَا مَعَ بَنِي فُلَانٍ لِأَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ، فَأَمْسَكُوا بِأَيْدِيهِمْ، فَقَالَ: مَا لَهُمْ؟ قَالُوا: وَكَيْفَ نَرْمِي وَأَنْتَ مَعَ بَنِي فُلَانٍ. قَالَ: ارْمُوا وَأَنَا مَعَكُمْ كُلِّكُمْ ).

وبوّب عليه بقوله: ” بَابُ نِسْبَةِ الْيَمَنِ إِلَى إِسْمَاعِيلَ، مِنْهُمْ أَسْلَمُ بْنُ أَفْصَى بْنِ حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ مِنْ خُزَاعَةَ ” انتهى.

قال ابن كثير رحمه الله تعالى:

” قيل: إن جميع العرب ينتسبون إلى إسماعيل بن إبراهيم، عليهما السلام والتحية والإكرام.

والصحيح المشهور: أن العرب العاربة قبل إسماعيل، وقد قدمنا أن العرب العاربة منهم؛ عاد، وثمود، وطسم، وجديس، وأميم، وجرهم، والعماليق، وأمم آخرون لا يعلمهم إلا الله. وكل هؤلاء كانوا قبل الخليل عليه الصلاة والسلام، وفي زمانه أيضا.

فأما العرب المستعربة: وهم عرب الحجاز، فمن ذرية إسماعيل بن ابراهيم عليهما السلام.

وأما عرب اليمن: وهم حِمْيَر؛ فالمشهور أنهم من قحطان، واسمه مهرم. قاله ابن ماكولا… وقيل: إن قحطان من سلالة إسماعيل عليه الصلاة والسلام، حكاه ابن إسحاق وغيره…

وقد ترجم البخاري في “صحيحه” على ذلك، فقال: “باب نسبة اليمن إلى إسماعيل عليه السلام”. حدثنا مسدد، حدثنا يحيى، عن يزيد بن أبي عبيد، حدثنا سلمة رضي الله عنه قال: ( خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على قوم من أسلم يتناضلون بالسوق فقال: ارموا بني إسماعيل، وأنا مع بني فلان – لأحد الفريقين – فأمسكوا بأيديهم فقال: ما لكم؟ ! قالوا: وكيف نرمي وأنت مع بني فلان؟ فقال: ارموا وأنا معكم كلكم ) انفرد به البخاري…

قال البخاري: وأسلم بن أفصى بن حارثة بن عمرو بن عامر من خزاعة، يعني: وخزاعة فرقة ممن كان تمزق من قبائل سبأ، حين أرسل الله عليهم سيل العرم كما سيأتي بيانه، وكانت الأوس والخزرج منهم. وقد قال لهم عليه الصلاة والسلام: ( ارموا بني إسماعيل )، فدل على أنهم من سلالته، وتأوله آخرون على أن المراد بذلك جنس العرب، لكنه تأويل بعيد؛ إذ هو خلاف الظاهر بلا دليل.

لكن الجمهور على أن العرب القحطانية، من عرب اليمن وغيرهم: ليسوا من سلالة إسماعيل ” انتهى. “البداية والنهاية” (3 / 100).

لكن رأى بعض أهل العلم أن هذا الحديث ليس بصريح في نسبة جميع القحطانية إلى إسماعيل عليه السلام؛ لأنه يحتمل أن هذه القبيلة بعينها يرجع نسبها إلى إسماعيل عليه السلام، أما باقي عرب اليمن فليسوا من نسله.

وقيل يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم نسبهم إلى إسماعيل عليه السلام من جهة الأمهات.

كما في حديث أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: ( دَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأَنْصَارَ فَقَالَ: هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ مِنْ غَيْرِكُمْ؟

قَالُوا: لاَ، إِلَّا ابْنُ أُخْتٍ لَنَا.

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ابْنُ أُخْتِ القَوْمِ مِنْهُمْ ) رواه البخاري (3528)، ومسلم (1059).

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

” وفي هذا الاستدلال نظر؛ لأنه لا يلزم من كون بني أسلم من بني إسماعيل أن يكون جميع من ينسب إلى قحطان من بني إسماعيل، لاحتمال أن يكون وقع في أسلم ما وقع في إخوتهم خزاعة من الخلاف: هل هم من بني قحطان أو من بني إسماعيل.

وقد ذكر ابن عبد البر من طريق القعقاع بن أبي حدرد في حديث الباب: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بناس من بني أسلم وخزاعة وهم يتناضلون، فقال: ‌ارموا بني إسماعيل )؛ فعلى هذا فلعل من كان هناك من خزاعة كانوا أكثر، فقال ذلك على سبيل التغليب.

وأجاب الهمداني النسابة عن ذلك بأن قوله لهم: ( يا بني إسماعيل ) لا يدل على أنهم من ولد إسماعيل من جهة الآباء، بل يحتمل أن يكون ذلك لكونهم من بني إسماعيل من جهة الأمهات، لأن القحطانية والعدنانية قد اختلطوا بالصهارة، فالقحطانية من بني إسماعيل من جهة الأمهات” انتهى. “فتح الباري” (6/ 539).

فالحاصل؛ أن الذي أجمع عليه النسابون أن العرب الباقية:

يرجع بعضها إلى عدنان: واتفقوا أنه من نسل إسماعيل عليه السلام.

وبعضها إلى قحطان، واختلفوا في قحطان، فمنهم من يرى أنه ليس من ولد إسماعيل عليه السلام.

وبعضها إلى قضاعة، وقضاعة بعضهم يجعلها من عدنان، وبعضهم ينسبها إلى قحطان.

ولا يعرف لغيرهم نسب باق، كما لا يعرف في نصوص الوحي ما يبطل هذا.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android