جدتي أمية لا تقرأ، ولا تكتب، وتحفظ القرآن بسماعه، فهل يجوز لي تجاهل بعض الأخطاء، مثل: مخارج الحروف والحركات عندما تسمع ما حفظت، فأخشى بكثرة التصحيح تصعيب الحفظ عليها؟
هل يلزم تصحيح التلاوة لمن يصعب عليه التعلم؟
السؤال: 460971
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً:
لا شك أن إتقان تلاوة القرآن لا يأتي دفعة واحد؛ والإشقاق على المتعلم بتصحيح كل أخطائه في التلاوة مما يربك المتعلم ويعثره؛ ولذا كان التدرج في التعلم هدي قرآنيا ونبوياً.
قال الله تعالى: (وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ آل عمران :79 قال البخاري في صحيحه: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُونُوا رَبَّانِيِّينَ حُلَمَاءَ فُقَهَاءَ، وَيُقَالُ: الرَّبَّانِيُّ الَّذِي يُرَبِّي النَّاسَ بِصِغَارِ العِلْمِ قَبْلَ كِبَارِهِ. انتهى من “صحيح البخاري، ت: مصطفى البغا” (1/35).
وقال القرطبي في تفسير هذه الآية: وَالرَّبَّانِيُّ الَّذِي يُرَبِّي النَّاسَ بِصِغَارِ الْعِلْمِ قَبْلَ كِبَارِهِ، وَكَأَنَّهُ يَقْتَدِي بِالرَّبِّ سُبْحَانَهُ فِي تَيْسِيرِ الْأُمُورِ، رُوِيَ مَعْنَاهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. انتهى من “تفسير القرطبي” (4/122).
ثانياً:
المبتدئ بتعلم القرآن من الصغار أو الكبار، أجازت لهم الشريعة القراءة على القدر الذي يطيقونه، ولو وقعوا في الخطأ، مع وجوب التعلم لمن استطاع منهم، وفي الحديث : (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ. وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ، وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ، لَهُ أجران”) رواه مسلم (798).
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: ما حكم من يقرأ القرآن وهو يخطئ في التشكيل؟ هل يؤجر على ذلك؟
فأجاب: ” يشرع للمؤمن أن يجتهد في القراءة ويتحرى الصواب، ويقرأ على من هو أعلم منه حتى يستفيد ويستدرك أخطاءه، وهو مأجور ومثاب وله أجره مرتين إذا اجتهد وتحرى الحق؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الماهر في القرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجره مرتين) متفق على صحته عن عائشة رضي الله عنها، وهذا لفظ مسلم” انتهى من “مجموع فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز” (9/416).
وسئل رحمه الله: ما رأي سماحتكم في رجل يقرأ القرآن الكريم وهو لا يحسن القراءة، بسبب أنه لم يحصل على قسط وافر من التعليم، وهو في قراءته يلحن لحنا جليا، بحيث يتغير مع قراءته المعنى، ويحتج بحديث عائشة رضي الله عنها: (الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به) الحديث؟
فأجاب: ” عليه أن يجتهد ويحرص على أن يقرأه على من هو أعلم منه، ولا يدع القراءة؛ لأن التعلم يزيده خيرا، والحديث المذكور حجة له، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن وهو عليه شاق ويتتعتع فيه له أجران) رواه مسلم.
ومعنى يتتعتع: قلة العلم بالقراءة، وهكذا قوله: وهو عليه شاق، معناه قلة علمه بالقراءة، فعليه أن يجتهد ويحرص على تعلم القراءة على من هو أعلم منه، وفي ذلك فضل عظيم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) خرجه البخاري في صحيحه، فخيار المسلمين هم أهل القرآن تعلما وتعليما، وعملا ودعوة وتوجيها.” انتهى، من ” مجموع فتاوى عبد العزيز بن باز” (7/186).
ثالثاً:
البداءة في تصحيح التلاوة يكون في الأخطاء التي تحيل المعنى، لأن هذه الأخطاء يترتب عليها الخطأ في فهم القرآن .
سئل الشيخ العثيمين رحمه الله: “إذا كان الإنسان جالساً في المسجد وعن يمينه أو شماله قارئ للقرآن بصوت مرتفع أو في غير المسجد، وهذا القارئ يخطئ كثيراً في الآيات، فهل يجب عليه أن يرد عليه؟ وإذا كان آثماً لعدم الرد عليه، فهل يغير مكانه حتى لا يسمع قراءته؟
فإجاب: “بالنسبة للسامع فإنه من يقرأ لحناً يحيل المعنى وجب عليه أن يرد عليه، وإن كان لا يحيل المعنى، فإنه لا يجب أن يرد عليه، فمثلاً لو قال: “الحمد لله ربَ العالمين، الرحمن الرحيم” هذا لا يغير المعنى، أما إن كان يغير المعنى كما لو قال: “صراط الذين أَنعمتُ عليهم” أو قال: ” أَهدنا الصراط المستقيم” وجب عليك الرد؛ لأنك تسمع أن القرآن يُحرَّف فيجب عليك أن تعدله” انتهى ممن “لقاء الباب المفتوح” (104/ 14 بترقيم الشاملة).
رابعاً:
من كان في مثل حال جدتك وعمرها لا يشدد معهم في أحكام التجويد ولا في المخارج، فإنه مما يعجزون عنه وينفرون عن التلاوة والحفظ، بل لا يشدد عليهم في ضبط الكلمات التي يعجزون عن إصلاح نطقها وضبطها، فإن هذا مما يثقل عليهم تلاوته، وينفرهم عن القرآن رأسا، بل يترفق معهم في تعليم ما يقدرون على تعلمه، ويسامحون فيما يعجزون عنه، أو يشق عليهم مشقة ظاهرة، وقد قال الله تعالى: ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) التغابن/16.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله:
“ومن حفظ القرآن غير معرَب ، فلم يمكنه أن يقرأه إلا بلسان العجم ، أو عجز عن حفظ إعرابه ونحوه = فليقرأ كما يمكنه ، فهو أولى من تركه : لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ” . ابن تيمية ، “مختصر الفتاوى المصرية” (125) .
وأما ما يتعلق بأحكام التجويد، من المدود والغنن، ونحو ذلك؛ فكثير من أهل العلم لا يرون التجويد واجباً، فضلا عن التشدد في مخارج الحروف.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: “اتباع الأحكام التجويدية ليس بلازم، إنما هو مستحب، فلا بأس أن تقرأ بغير الأحكام التجويدية، إذا قرأته باللسان العربي ” انتهى من “فتاوى نور على الدرب لابن باز” (11/272).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ” وأما قراءة القرآن على وجه التجويد المعروف فإن ذلك ليس بواجب؛ لأن التجويد إنما يراد به تحسين القراءة فقط، وليس أمرا واجبا حتما يأثم الإنسان بتركه؛ بل الواجب الحتم أن يقيم الحركات والسكنات ويبرز الحروف ” انتهى من “فتاوى نور على الدرب للعثيمين ” (5/2) بترقيم الشاملة).
والله أعلم
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب